لا تبدو المعطيات إيجابية في ما يخصّ مياه الأردن، فالمشكلات كثيرة في هذا المجال، وهي تحول دون تحقيق قفزة نوعية تغيّر المعادلات في هذا الإطار وتبدّد قلق الأردنيين من فقدان هذا العنصر الحيوي الذي لا حياة من دونه.
تدلّ المؤشرات كلها على أنّ الأردنيين سوف يعانون هذا الصيف من صعوبة الحصول على حصصهم من المياه النادرة والشحيحة، التي تراجعت نسبتها في خلال الأعوام القليلة الماضية إلى ما دون مائة متر مكعب للفرد في السنة، وهي تُعَدّ من بين أكثر النسب انخفاضاً على مستوى العالم، أي أقلّ بنسبة 90 في المائة من خط الفقر المائي العالمي البالغ ألف متر مكعب من المياه للفرد في السنة.
ويبدو الواقع المائي حرجاً هذا الصيف، لا سيّما أنّ موسم الأمطار لم يسجّل إلا 60 في المائة من المعدّل السنوي، في حين أنّ مخزون السدود من المياه يقلّ عن العام الماضي بنحو 80 مليون متر مكعّب، خصوصاً في السدود المستخدمة من أجل الشرب مثل سدّ الوحدة وسدّ الموجب. ويأتي ذلك في وقت يزداد فيه الطلب على المياه عن المتوفّر في الأردن بنحو 500 مليون متر مكعّب سنوياً، ما يفسّر العجز المائي الذي يعانيه السكان.
والأردن من أكثر دول العالم فقراً بالمياه، إذ ثمّة محدودية في المياه الجارية فيه وقلّة في مياهه الجوفية، بالإضافة إلى الزيادة غير الطبيعية التي حصلت في عدد السكّان، لا سيّما مع اللجوء السوري، الأمر الذي يزيد العجز المائي، في حين يصل الفاقد من المياه إلى نحو 45 في المائة بسبب شبكات المياه التالفة وكذلك سرقة المياه. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى ما قاله وزير المياه والريّ الأردني، المهندس محمد النجار، في بداية مايو/ أيار الماضي، عندما أثار موضوع سرقة المياه ولفت إلى تصريحات سابقة عن سرقة ثمانية ملايين متر مكعّب من المياه من قبل خمسة أشخاص في أعوام سابقة. وفي الأيام الأخيرة، كشفت هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في الأردن شبهات فساد وصفقات مالية غير مطابقة للمواصفات في قطاع المياه، تورّط فيها وزراء ومسؤولون كبار في وزارة المياه، ما أثار علامات استفهام، أمّا الأجوبة فتدلّ على غياب الرقابة والمساءلة على مدى أعوام طويلة. وكما هو معلوم، فإنّ الفساد في قطاع خدمات المياه والصرف الصحي يقلل من جودة وتوفّر المياه والخدمات المقدّمة في هذا الإطار.
وكشف تقرير رسمي عن مخاوف الأردن من تفاقم مشكلة نقص المياه، خصوصاً مع تزايد عدد السكان وارتفاع الطلب لأغراض التنمية الاقتصادية، في حين يقف الاحتلال الإسرائيلي وراء الأزمة لسيطرته على مجاري مياه نهرَي الأردن واليرموك وتحكّمه بهما. أمّا الجانب الأردني فيحصل على كميات محدودة، فيما يدفع ثمن الاحتياجات الإضافية إذا وافق الاحتلال على صرفها. وبموجب اتفاقية السلام بين الدولتَين، تزوّد السلطات الإسرائيلية الأردن بكميات تصل إلى 55 مليون متر مكعّب سنوياً من مياه بحيرة طبريا، في مقابل سنت واحد لكلّ متر مكعّب. وفي عام 2010، اتفقت الدولتان على إضافة 10 ملايين متر مكعّب في مقابل 40 سنتاً لكلّ متر، وهو السعر المقرّر كذلك للإمدادات الإضافية التي وافقت السلطات الإسرائيلية عليها.
وتُعَدّ المياه الجوفية المصدر الرئيسي لمياه الشرب والاستخدامات الأخرى في الأردن، بنسبة تصل إلى 56 في المائة من كل الاستخدامات، فيما تُعَدّ المياه السطحية المصدر الرئيسي للريّ في منطقة وادي الأردن وهي تُستخدَم لأغراض بديلة بنسبة 31 في المائة، في حين أنّ النسبة المتبقية تُغطّى من خلال مصادر المياه غير التقليدية، من قبيل المياه المعالجة والمياه المحلاة، فيما تعاني مصادر المياه الجوفية من الاستنزاف.
ويقول عميد البحث العلمي وأستاذ هندسة المياه في الجامعة الأردنية، الدكتور رضوان الوشاح، وهو مستشار أوّل وخبير دولي في هندسة المياه، لـ"العربي الجديد" إنّ "أبرز أسباب المشكلة هو محدودية الموارد المائية والتغيّر المناخي الذي صار يؤثّر على كمية الأمطار. فالدراسات بمجملها تشير إلى أنّ الأردن سوف يتعرّض إلى نقص في الأمطار تتراوح نسبتها ما بين 16 و30 في المائة في خلال الأعوام الخمسين المقبلة، وهو ما يستوجب الاحتياط"، لافتاً إلى أنّ "التغيّر المناخي يقلل من الهطول المطري لكنّه يتسبب في الفيضانات في بعض الأحيان وبالجفاف الشديد في أحيان أخرى". يضيف الوشاح أنّ "من أسباب الأزمة كذلك الضغط السكاني على الموارد المائية. ففي منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان التخطيط في الأردن يتوقّع أن يكون عدد السكان في الوقت الحالي نحو ستّة ملايين نسمة، لكنّه يقترب من 11 مليون نسمة، وذلك بحكم الظروف الجيوسياسية المحيطة، منها اللاجئون السوريون والعراقيون. وقبل ذلك كانت موجات من اللجوء القسري بسبب المستجدات السياسية في المنطقة".
ويشير الوشاح إلى أنّ "الحكومة لجأت في الفترة الماضية إلى الضخّ الجائر من الآبار الجوفية، من خلال نحو 12 حوضاً جوفياً مع نحو ثلاثة آلاف بئر مرتبط بتلك الأحواض، علماً أنّ كلّ بئر تستنزف ما يزيد عن 50 في المائة من طاقتها الأصلية. وللأمر آثاره السلبية، أبرزها تردّي نوعية المياه نتيجة التملح، بالإضافة إلى هبوط مستوى المياه، الأمر الذي يحتاج إلى مضخات أكبر وكلفة أعلى". ويرى الوشاح أنّ "ثمّة حاجة إلى حلول متعددة الجوانب ومتكاملة، أبرزها البحث عن موارد مائية جديدة وليس استنزاف المواد المتوفّرة حالياً"، لافتاً إلى أنّ "الخيار الأفضل هو تحلية المياه". وعن كميات المياه التي يحصل عليها السكان، يقول إنّ "الفقر المائي المطلق عالمياً هو 500 متر مكعّب، فيما حصة الفرد في الأردن تتراوح ما بين 80 و100 متر مكعّب في السنة"، لافتاً إلى أنّ "الأردن لا يملك حلولا كثيرة إلا في إدارة الموارد واللجوء إلى التكنولوجيا لتحلية المياه".
ويتابع الوشاح أنّ "الأردن كان يعمل على ناقل البحرين من البحر الأحمر إلى البحر الميت، وهذا مشروع مرتبط بعملية السلام وكيان الاحتلال الإسرائيلي والجانب الفلسطيني وله أبعاده السياسية. هو مشروع يمكن القول إنّه فشل، ونجد اليوم مشروع الناقل الوطني (مشروع العقبة - عمّان لتحلية ونقل المياه) الذي يتألّف من نظام نقل مياه البحر ومنشأة لتحلية مياه البحر في العقبة ونظام نقل المياه العذبة إلى باقي المناطق، علماً أنّها تُخلط بمياه الآبار من حقل وادي رم لتأمين المياه العذبة لأغراض الشرب وفق أفضل المواصفات. ويأتي ذلك في مرحلتين، طاقة المرحلة الأولى 130 مليون متر مكعّب سنوياً، فيما يصل مجموع المرحلة الثانية إلى 350 مليون متر مكعّب". ويؤكد الوشاح أنّ "هذا المشروع كبير ويحتاج إلى موارد مالية كبيرة تصل إلى نحو مليارَي دولار أميركي، والطريقة الفضلى هي عبر إقامته عن طريق نظام الشراء والتشغيل".
ويكمل الوشاح أنّه "من الحلول أيضاً استخدام تقنيات حديثة في الزراعة التي تستهلك 50 في المائة من موارد الأردن المائية"، مشيراً إلى أنّ "المياه المستخدمة في الزراعة حالياً ليست هي المخصصة للاستخدام المنزلي. ونحن في حاجة إلى التوجّه صوب الزراعات التي لا تحتاج إلى مياه كثيرة كزراعة النخيل أو الورود وغيرهما". ويؤكد الوشاح "أهمية الإدارة الصحيحة لموارد المياه، فالاستهلاك الحقيقي للمواطن الأردني لا يصل إلى 50 لتراً فيما الكميات الأخرى محسوبة على الاستهلاك لكنّها تذهب مع الفاقد. وهذا هو الحدّ الأدنى المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية لتجنّب الأمراض، ولا مرونة ممكنة أمام المواطن للترشيد، باستثناء الأشخاص الذين يملكون بركاً أو مزارع منزلية".
وحول إدارة التوزيع، يشير الوشاح إلى نوعَين من الفاقد، الإداري الذي يصل إلى 20 في المائة من مجمل ما يستهلكه الأردنيون مع الاعتداء على الشبكات وسرقة المياه، فيما الفاقد الفني وهو التسرّب من الشبكات يُقدَّر بنحو 25 في المائة"، موضحاً أنّ "الأردن يخسر نحو مليون دولار أميركي بسبب فاقد المياه".
وعن موضوع المياه المشتركة مع دول الجوار وشراء المياه من دولة الاحتلال، يؤكد الوشاح أنّ "بذلك تضع مصيرك بيد غيرك وهو موضوع متعلق بالسياسات والظروف السياسية، ولا يمكن الاعتماد عليه كمصدر ثابت على الرغم من أنّ اتفاقية وادي عربة نصّت على حصة الأردن من هذه المياه، ويستطيع الأردن شراء المياه كذلك وفق الاتفاقية. لكنّ ما يؤثّر في استمرارها هو القرار السياسي".
من جهته، يقول رئيس الجمعية الأردنية للمحافظة على المياه، أحمد الروسان، لـ"العربي الجديد" إنّ "المعدّل المطري للعام الحالي كان ضعيفاً، لكنّ هذا لا يعني أنّ ثمّة تحدياً كبيراً يواجهنا"، لافتاً إلى "خلل في إدارة الطلب على المياه. ففي كلّ عام تتحدث الحكومة عن أزمة مياه، لكنّ الأزمة هذا العام واقعية وحقيقية، وثمّة قرى في محافظة إربد (شمال) لم تصلها المياه منذ أسابيع، فيما تُسجَّل مشكلة في الجنوب كذلك وفي بعض أحياء العاصمة عمّان". يضيف الروسان أنّه "عندما يخرج الوزير ويصرّح بأنّ متنفّذين يسرقون كميات كبيرة من المياه وفاقد مياه يصل إلى 48 في المائة، فإنّ السؤال الواجب طرحه: لماذا يحدث ذلك في دولة فقيرة بالمياه؟ الأمر مرتبط بإدارة المياه. ففي كلّ عام يُعيّن وزير أو وزيران للمياه بسبب تغيير وتعديل الحكومات، ولكلّ واحد رؤيته المعينة".
ويشدّد الروسان على أنّ "الحديث عن محدودية المصادر المائية أسطوانة يجب أن تتوقّف. فالوزير يعلم قبل أن يستلم وزارته أنّ الموارد محدودة. ويُطرح السؤال عمّا أُنجز في خلال الأعوام الماضية وعمّا سوف ينجزه في خلال الأعوام المقبلة، خصوصاً أنّ كل وزير يرحّل المشكلة إلى الوزير التالي". بالنسبة إليه، فإنّ "الأمن المائي هو الأهم مقارنة بالأمن الغذائي أو أيّ أمر آخر"، شارحاً أنّ "ثمّة تحديات مائية وثمّة زيادة في عدد السكان، وهذا يؤثّر على حصّة الفرد من المياه". ويطالب الروسان بتطبيق القانون ويلمح إلى أنّ "ثمّة وزراء يحاولون ملاحقة سارقي المياه، لكنّهم يصطدمون بقوى أكبر منهم. لذلك على الوزير الذي لا يستطيع العمل كما يجب، تقديم استقالته".
ويرى الروسان أنّ "حلّ مشكلة المياه بشكل جذري يعتمد على تحلية المياه وكذلك على الناقل الوطني فناقل البحرين موضوع سياسي لم يُكتب له النجاح بسبب موقف دولة الاحتلال الإسرائيلي"، متسائلاً "هل سياستنا الخارجية عير نافعة؟ وهل السبب الإدارة الفاشلة؟ هل نحن غير قادرين على مواجهة أيّ خصم خارجي لنا؟". وحول الحصول على كميات مياه إضافية من السلطات الإسرائيلية، يقول الروسان "نحن ندفع ثمن أكثر ممّا يجب في قضية المياه والعلاقة مع إسرائيل. صحيح أنّنا حصلنا على بعض الحقوق من قضية تخزين المياه، لكنّ ثمّة أحواضاً مشتركة ونحتاج إلى سياسة مائية واضحة جداً تشارك فيها كل الأطراف المعنية من الحكومة والقطاعات الأخرى".
وحول ناقل البحرين، يقول الروسان إنّ "الأقوى هو الذي يفرض الحلّ. وهذا المشروع سوف يحلّ جزءاً كبيراً من مشكلة الأردن المائية، وعلى الحكومة الاستعانة بالأميركيين والأوروبيين، خصوصاً أنّ البحر الميت مهدّد والمحافظة عليه واجب وطني وهو يحظى باهتمام عالمي". ويكمل الروسان "نحن كجمعية عملنا على عدد من المشاريع في المدارس والمساجد التي تستهلك كميات كبيرة من المياه بطبيعتها. وقد وصل عددها إلى 18 مشروعاً في مختلف مناطق الأردن، منها مشاريع لإعادة استخدام المياه ومشاريع حصاد مائي". ويلفت الروسان إلى أنّ "الجمعية واجهت ظروفاً صعبة في خلال الفترة الماضية بسبب أزمة كورونا، لكنّها ظلّت تعمل. وإذا كانت جمعية تطوعية قادرة على العمل، فكيف الأمر بالنسبة إلى حكومة تملك موازنة وكوادر بشرية؟ ولماذا تتخبط في كل عام، على الرغم من توصيل مياه حوض الديسة إلى عمّان؟ ولماذا تُسرَق المياه وثمّة أجهزة ومعدات قادرة على كشف ذلك وتحديد المكان بالضبط؟".
في السياق نفسه، يقول مساعد أمين عام وزارة المياه والري الأردنية والمتحدث الرسمي باسم الوزارة، عمر سلامة، لـ"العربي الجديد" إنّ "الأردن يسعى إلى مواجهة تحدّي شحّ المياه عبر تطوير مصادرها غير التقليدية، من قبيل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الريّ والزراعة والصناعة، من ضمن أعلى المواصفات. وهي باتت تشكّل جزءاً مهماً من موازنته المائية كمصدر دائم لتعويض جزء من النقص". يضيف سلامة أنّ "المواطنين لن يعانوا من أزمة مياه في الصيف، فالوزارة ملتزمة بتزويدهم بالمياه وفق نظام الدور الأسبوعي المعمول به حالياً في كلّ أنحاء البلاد".
ويتابع سلامة أنّ "الوزارة تعمل على حلول استراتيجية، منها الناقل الوطني لتحلية مياه البحر ونقل مياه البحر الأحمر بعد تحليتها من أجل توفير المياه الصالحة لاستخدام المواطنين"، مؤكداً "نحن نحاول إيجاد حلول سريعة من خلال البحث عن مصادر مائية جديدة عبر حفر آبار جوفية لتساهم بتزويد المواطنين بالمياه، والتركيز على تنفيذ مشاريع للحدّ من الفاقد المائي". ويوضح سلامة أنّ "لدى الوزارة مصادر مختلفة كمحاولة لتعويض نقص المياه، من خلال مشروع مياه الديسي وقناة الملك عبد الله والآبار في بعض المناطق، بالإضافة إلى شرائها من السلطات الإسرائيلية إلى جانب حصة الأردن من المياه وفق معاهدة السلام". ويشير سلامة إلى أنّ "الوزارة سوف تعمل مع الجهات المعنية على الحدّ من الاعتداءات على شبكات المياه، وسوف تُكثَّف الحملات على المصادر المائية".