تبحث فلسطينيات نازحات من شمال قطاع غزة إلى جنوبه عن قطع ملابس تناسب أطفالهن بين كومة ثياب شتوية مستعملة معروضة على حامل حديدي، عسى أن يجدن بينها ضالتهن لتدفئة أطفالهن من برد الشتاء.
الملابس المستعملة زهيدة الأثمان باتت ملاذاً للنازحين الذين فروا إلى مناطق جنوب قطاع غزة هربا من القصف الإسرائيلي، دون أخذ أي ملابس معهم، مما جعل الملابس المستعملة تجد رواجا كبيرا في مناطق مختلفة من القطاع، في ظل شح توفر الجديد منها بسبب إغلاق المعابر.
نازحو غزة يواجهون الفقر والبرد في خيام متهالكة
تقول النازحة أسيل الخطيب (42 عاما) من مدينة غزة، بعدما عثرت بمدينة رفح (جنوب) عند أحد الباعة على سترة صوفية حجمها يزيد عن مقياس طفلها: "هذه السترة تفي بالغرض، المهم أن توفر له الدفء في خيام النزوح"، مضيفة أنها لم تكن تشتري هذه الملابس قبل الحرب، لكن تحت وطأة الفقر وبرودة الجو وانعدام الخيارات تضطر لاقتنائها كي لا يموت أطفالها من البرد.
من جهتها، تقول ريم خلف (39 عاما) وهي نازحة من شمال القطاع، إنها لم تتوقع أن تلجأ لإجبار عائلتها على ارتداء ملابس مستعملة، مضيفة "مشكلة هذه الملابس الأولى هي النظافة، كيف سنعمل على تنظيفها من غبار التخزين والجراثيم التي تراكمت عليها، هذه تسبب أمراضا جلدية وربما تنفسية للأطفال".
ورغم قلق ريم من سلامة الملابس المستعملة، إلا أنها حملت عددا من القطع الصوفية التي توقعت أنها تناسب أحجام أطفالها الأربعة، موضحة أن الأجواء خاصة مع حلول ساعات الليل تكون شديدة البرودة، ما أصاب أطفالها ببرد في الأطراف بسبب نقص الملابس.
وتشير إلى أن الملابس الشتوية الجديدة وفق الأحجام التي تريدها لا تتوفر في السوق بسبب إغلاق المعابر، وإن وجدت قطعة بعد بحث طويل فإنها تكون بسعر باهظ، لافتة إلى أن الحرب أوجدت لديها عادات جديدة، حيث باتت تبادل قطع الملابس التي لا تحتاجها مع جيرانها في مخيم النزوح، بقطع تناسبها أو تناسب أطفالها.
بين خيام النازحين جنوب قطاع غزة، يعرض محمد الشاعر مجموعة من الملابس المستعملة والمتهالكة للبيع داخل خيمة بلاستيكية، بينما يعرض بعضها الآخر في العراء، محاولا جذب انتباه المارين بإمكانية شراء الملابس.
ووجد الرجل في عرض الملابس المستعملة مصدر رزق يساعده على إعالة عائلته في ظل حالة الغلاء، قائلا: "بدأت ببيع الملابس البالية طلبا للرزق"، موضحا أن هناك إقبالاً كبيراً على شراء الملابس المستعملة من فئة النازحين الذين وصلوا إلى مناطق النزوح دون ملابس إضافية.
وعن الأسعار، يقول الشاعر إنه يبيع الملابس للنازحين بالقليل من النقود بما يراعي قدراتهم المالية والاقتصادية، لافتا إلى أن ظروف الحياة داخل الخيام المصنوعة من النايلون سيئة جدا.
ويضيف الشاعر، وهو نازح من مدينة خانيونس، إن "النايلون أغلبه ممزق، وعند هطول الأمطار تغرق الخيام بممتلكات النازحين القليلة، ما يزيد من معاناتهم ومأساتهم"، مشيرا إلى أن النازحين ما زالوا يعانون من الجوع والعطش بسبب نقص توفر الغذاء والمياه الصالحة للشرب. ويكمل قائلا: "نحصل على نحو 10 لترات من مياه الشرب، كل عدة أيام، وبسعر يصل إلى 3 شواكل (الدولار يعادل 3.8 شواكل)".
الطفل وليد عفانة (12 عاما)، الذي بدأ ببيع الملابس المستعملة بعد مرور شهرين على الحرب لإعالة أسرته، قال إنه يحصل على هذه القطع من المواطنين غير النازحين مقابل أثمان زهيدة. ويضيف: "أشتريها من مواطنين برفح، وأعيد بيعها للأشخاص الذين هم بحاجة لها، سواء من النازحين أو المقيمين، والذين لا تتوفر لديهم ملابس لأطفالهم"، موضحا أن الطلب الأكبر يكون لملابس "الأطفال من المواليد أو الفئات العمرية الصغيرة لعام أو عامين".
في المقابل، ترتفع أسعار الملابس الجديدة الموجودة لدى عدد قليل من التجار بسبب ندرة توفرها وانعدام إمكانية إدخال كميات جديدة منها في ظل القيود المشددة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء حربه على القطاع في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وإحكامه إغلاق المعابر.
وخلفت الحرب على غزة حتى صباح الثلاثاء 25 ألفا و490 شهيدا و63 ألفا و354 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، وتسببت في دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة".
(الأناضول، العربي الجديد)