نازحات لبنان... رعاية خجولة تحرمهنّ النظافة الشخصية والفوط الصحية

21 أكتوبر 2024
الفوط الصحية وأدوات النظافة من الأساسيات بالنسبة للنساء (إبراهيم شلهوب/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تعاني النساء والفتيات النازحات في لبنان من نقص حاد في مستلزمات النظافة الشخصية، مما يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة بسبب عدم كفاية الاستجابة من خطط الطوارئ الوطنية.
- تتفاقم معاناة النساء في مراكز الإيواء بسبب الظروف غير الصحية ونقص الخصوصية، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض وشعورهن بالذل.
- تسعى بعض المنظمات النسوية لتحسين الوضع من خلال توزيع مستلزمات النظافة والدعم النفسي، لكن التحديات تبقى كبيرة مع تزايد أعداد النازحين.

تخجل بعض الفتيات والنساء من طلب احتياجاتهن من فوط صحية وغيرها من المستلزمات، في ظل كثرة النواقص، وإن كانت من الضروريات لصحتهن، هن اللواتي يشكون انعدام النظافة وإصابتهن بالأمراض.

لطالما شكّل موضوع الفوط الصحية ومستلزمات النظافة الشخصية والرعاية الصحية الطارئة إشكالية حقيقية لدى النساء والفتيات بعد تعرّضهن للنزوح والتهجير، من جراء الكوارث الطبيعية أو الحروب والاعتداءات. وفي خضم العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، ونزوح مئات الآلاف، برز الحديث عن تقصير خطة الطوارئ الوطنية في الاستجابة العاجلة للمساعدات الحيوية، في حين نشطت هيئات المجتمع المدني والمبادرات الفردية في هذا المجال.
وعلى عكس الأزمات والمحن السابقة التي مرت على البلاد، يبدو أن حملات التوعية المتواصلة للجمعيات النسوية في لبنان ساهمت نوعاً ما في تدارك مسألة تهميش النساء والفتيات، ولحظت المساعدات العينية في بعض مراكز الإيواء حاجاتهنّ من الفوط الصحية والملابس الداخلية ومستلزمات النظافة الشخصية. غير أن النازحات في مراكز أخرى واللواتي يفترشن الشوارع والأرصفة ما زلن خارج هذه المعادلة.  
ندى المصري، النازحة من منطقة حي السلم في الضاحية الجنوبية لبيروت، تروي لـ "العربي الجديد" حجم المعاناة، هي المصابة بمرض سرطان الثدي. وتقول: "دورات المياه موجودة بعدد محدود جدّاً، وهي تتّسخ بسرعة جراء كثرة أعداد النازحين. بالكاد أحظى بدور لدخولها أو حتى لتنظيف أسناني. النفايات تتكدس في كل مكان، ولا يمكنني التعرّض للجراثيم، لكن ليس في وسعي أن أحافظ على نظافتي الشخصية وصحتي. وحدها المسكنات التي حصلت عليها تخفف آلامي قليلاً. لكنني لم أتمكن من إعادة تصوير الثدي الشعاعي (الماموغرام) للتأكد من شفائي التام. أما بالنسبة للدورة الشهرية، فقد أدى العلاج الكيميائي إلى توقفها، لكنني طلبت الفوط الصحية اليومية كونها تخفف من الجراثيم، وسط عدم القدرة على الاستحمام، لكن البعض اعتبرها ترفاً. وعندما بادر أحدهم إلى تأمينها، صارت النساء يتنازعن عليها".

تتحسّر ندى التي تدمّر منزلها على حالها وحال شقيقتها. وتقول: "انتهى بنا المطاف في أحد النوادي الليلية في العاصمة، الذي فتح أبوابه لإيوائنا، بعدما قضينا ليلتين في الشارع وليلتين في طوارئ أحد مستشفيات منطقة بعبدا (جبل لبنان). لكننا نشعر بالمذلة والإهانة ونخجل أن نطلب الطعام حتى، فكيف سنطلب مجدّداً الفوط الصحية؟ نعيش اليوم أسوأ الظروف وأقساها علينا".
وتشكو فاطمة، التي نزحت من الضاحية الجنوبية لبيروت إلى مدرسة الدكوانة الرسمية (جبل لبنان)، "النقص الكبير في مياه الاستخدام وعدوى القمل ومشكلة شبكة الصرف الصحي". وتقول لـ "العربي الجديد": "سلّمونا الفوط الصحية وأدوية الغسيل وأدوات التنظيف. لكن ما هي الجدوى منها مع معاناتنا من شح المياه؟ نحن بحاجة إلى كشف طبي دوري، لا سيما بالنسبة لكبار السن من النساء أو اللواتي يعانين الأمراض المزمنة والمستعصية أو اللواتي أقعدهنّ الزمن على كرسي متحرك. هنّ بحاجة لرعاية خاصة".
من جهة أخرى، تكشف إيلدا قطيش (أم أحمد)، النازحة من الضاحية الجنوبية إلى مدرسة في منطقة عائشة بكار (بيروت)، أن "الوضع مستقر حتى اليوم، لناحية توفير الفوط الصحية وأدوية التنظيف والجلي والغسيل والشامبو وغيرها من مستلزمات النظافة الشخصية، من خلال عدد من الجمعيات الخيرية". تضيف في حديثها لـ"العربي الجديد": "المدرسة مليئة بالنازحات، ما يزيد الطلب على الفوط الصحية والرعاية الصحية وأدوات النظافة للنساء والفتيات".

تشدد جمعيات على أهمية التوعية بشأن النظافة الشخصية (حسين بيضون)
تشدّد جمعيات على أهمية التوعية بشأن النظافة الشخصية (حسين بيضون)

ترى الناشطة ستيفاني بو شلحا، من وحدة بناء القدرات والأبحاث في منظمة "أبعاد" (منظمة نسوية لبنانية)، أن التوعية أحدثت الفارق الكبير منذ تفشي جائحة كوفيدـ19 في لبنان، إذ صارت الجهات الرسمية وهيئات المجتمع المدني تلحظ حاجات النساء والفتيات، وخصوصاً مستلزمات الدورة الشهرية والنظافة الشخصية. وتقول لـ "العربي الجديد": "وزعنا كمنظمة عدداً من الفوط الصحية والملابس الداخلية ومعجون الأسنان والمناشف وغيرها من الحاجات الأساسية للنظافة الشخصية للمرأة النازحة. وهي حاجات تصبح أكثر حيوية وسط الظروف اللوجستية والبنى التحتية غير السليمة في مراكز الإيواء". وتأسف كون "بعض مراكز الإيواء لم يلحظ المنظار الجندري وخصوصية المرأة على مستوى توزيع الغرف ودورات المياه. من خلال مشاهداتنا، وجدنا انتهاكات لخصوصية المرأة المرضعة أو المحجبة، كما تبين أن بعض مراحيض النساء متاخمة جدّاً لمراحيض الرجال، ولا مجال للاستحمام فيها. كما أن المراكز غير مجهزة للأشخاص ذوي الإعاقة، وبالتالي الصعوبات والتحديات كبيرة". 
وتشدد الناشطة النسوية على "أهمية التوعية بشأن النظافة الشخصية، خصوصاً في ظل هذه الظروف الصعبة، إذ إن انعدام مستلزمات وسبل النظافة أثناء الدورة الشهرية سيؤدي إلى إصابة النساء والفتيات بأمراض والتهابات وفطريات. الموضوع دقيق وحسّاس، ويتطلّب تغيير الفوطة الصحية كل ساعتين أو ثلاث ساعات، والنظافة والاستحمام". وتشير إلى أن "منظمة أبعاد رصدت حاجات النساء في عدد من مراكز الإيواء في بيروت وجبيل وكسروان (شرق العاصمة) وشمالي لبنان، وبدأت توفير عدد من مستلزمات النظافة. وستلحظ كذلك تقديم الدعم والخدمات للنازحين في الشوارع وعلى الأرصفة، وهنا الصعوبة الكبرى لأن الأعداد تتزايد بشكل دائم". وإذ تؤكد التزام المنظمة في هذه الفترة الأليمة بـ"عدم التسامح مطلقاً مع أي شكل من أشكال الانتهاك أو الاستغلال الجنسي للنازحات من قبل عمال أو عاملات الإغاثة"، تكشف أن فريق عملهم يرصد الحالات، وأنهم جاهزون "لتقديم خدمات الدعم والإرشاد النفسي ولأي استشارة قانونية ولتلقي الشكاوى، عبر الخط الساخن 81/696575".

الحاجات كثيرة والنظافة قليلة (حسين بيضون)
الحاجات كثيرة والنظافة قليلة (حسين بيضون)

وتقول فرح خريس لـ "العربي الجديد" إنها استلمت الفوط الصحية، لكن المشكلة تكمن باتساخ دورات المياه في مركز الإيواء. تضيف: "أصبت بجرثومة تسببت بالتهابات وحريق قوي في البول. وطلب مني الطبيب أن أجري تحليلاً وزراعة للبول، لكن ما من مختبر قريب ولا أعرف كلفة هذه الفحوص. نحن نازحون هربنا من الموت والقصف والدمار من دون أن نحمل معنا شيئاً". 
فرح، وهي أم لثلاثة أولاد، تؤكد أنه "ما من حل أمامها سوى تحمّل أوجاعها والالتزام بالدواء المضاد للالتهابات الذي وصفه الطبيب المتطوع خلال جولته على مدرسة العاملية في رأس النبع (بيروت)، والتي تحولت إلى مركز لإيواء النازحين". تتابع: "ابنتي عمرها 13 سنة، وهي حديثة العهد بالدورة الشهرية، لكنها تحرص قدر الإمكان على ألا تصاب بأي عدوى أو جراثيم، من خلال تنظيف المرحاض وتوابعه قبل استخدامه". تضيف أن "دورات المياه بحاجة ملحة للتنظيف، وخصوصاً أنها تتّسخ بشكل متسارع".

نادين عيتاوي التي نزحت من منطقة حي السلم في الضاحية الجنوبية لبيروت، شاء القدر أن تحط بها رحلة النزوح المريرة في إحدى مدارس محافظة بعلبك ـ الهرمل (البقاع). وتقول: "فور إنذارنا من قبل العدو الإسرائيلي بضرورة إخلاء المنطقة، هرعنا برفقة الجيران إلى حافلة جارنا، وكان أن قطعنا مسافة طويلة قرابة خمس ساعات شاقة على الطريق. ومنذ وصولنا إلى مركز الإيواء، لم نحصل سوى على مساعدات غذائية وأدوات تنظيف لدورات المياه والأرض، لكن لم تشمل المساعدات أي فوط صحية أو شامبو وسائل استحمام ولا حتى أدوية للقضاء على القمل ولا أياً من مستلزمات النظافة الشخصية للرجال والنساء على حد سواء".
وتأسف لما آلت إليه أحوالهم، مضيفة في حديثها لـ "العربي الجديد": "نستحمّ عندما يأتي دورنا، إذ يحق لنا الاستحمام مرة واحدة فقط في الأسبوع. نضع المياه في ملعب المدرسة تحت أشعة الشمس، كي لا يستحم أطفالنا بالمياه الباردة، وخصوصاً أننا لم نجلب معنا سوى بعض الثياب الصيفية، ولم ننتبه إلى أننا مقبلون على شتاء قارس أو أننا سننزح نحو مناطق مرتفعة شديدة البرودة. كما أن دورات المياه في المدرسة إحداها معطلة، ولا يوجد سوى مرحاضين للنساء، في حين لا يوجد إلا مرحاض واحد للرجال، والباقي خارج عن الخدمة، علماً أن عدد النازحين في هذه المدرسة يتجاوز 500 نازح".
وتتحسر نادين، وهي أم لثلاث فتيات وصبيين، لما يعيشونه من بؤس يومي. وتقول: "حاجاتنا كثيرة، لا نظافة كافية ولا نملك المال لشراء الفوط الصحية وغيرها من المستلزمات الضرورية. دفع زوجي ما كان في حوزته بدل أجرة نقلنا إلى مركز آمن. نخشى الأمراض والعدوى، وخصوصاً أننا خمس عائلات نعيش في الغرفة ذاتها، والأمراض تنتقل بسرعة، وقد أصيب أولادي بالرشح والسعال ولم نحصل على أي دواء ولا يمكننا شراء الأدوية". وتختم حديثها بحزن، قائلة: "لا نريد سوى وقف الحرب والعودة إلى منزلنا، لم نعد نحتمل كل هذا الذل".

المساهمون