استمع إلى الملخص
- لعبت جمعية المبرات الخيرية دورًا محوريًا في دعم النازحين، حيث استقبلت مدرسة رسول المحبة حوالي 300 نازح، ووفرت لهم الدعم المعيشي والصحي والنفسي، مع خطط لإنشاء مستشفى متنقل لتلبية الاحتياجات الطبية.
- يواجه النازحون تحديات مثل نقص الأدوية والمستلزمات الأساسية والمخاوف الأمنية، لكنهم يعبرون عن أملهم في العودة إلى منازلهم قريبًا، ويظهرون صمودًا وتكاتفًا اجتماعيًا.
توزع النازحون اللبنانيون من البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت في العديد من المناطق، من بينها قرى جبيل في محافظة جبل لبنان، حيث يشهدون احتضاناً شعبياً ومساعدات تحاول أن تخفف من وطأة النزوح
أعلنت وحدة إدارة الكوارث التابعة للحكومة اللبنانية، في أحدث تقرير لها، أن عدد النازحين في لبنان جراء العدوان الإسرائيلي وصل إلى مليون و200 ألف نازح. وفي قرى قضاء جبيل (محافظة جبل لبنان)، بلغ عدد النازحين أكثر من 12 ألف نازح، توزعوا بين مراكز الإيواء في مدينة جبيل، ومدرسة رسول المحبة التابعة لجمعية المبرات الخيرية، وعدد من المساجد. تقول قائمقام جبيل نتالي مرعي الخوري، في حديثها لـ "العربي الجديد"، إن ألفاً يتوزعون على المدارس الرسمية في جبيل. وتوضح: "حتى اليوم، الدولة عاجزة عن القيام بواجباتها. وصلنا من هيئة إدارة الكوارث 175 فرشة فقط، ما اضطرنا إلى تأمين عدد هائل من الفرش من خلال اتصالاتنا مع بعض نواب والفعاليات السياسية والحزبية في المدينة بالإضافة إلى التواصل مع بعض المبادرات". تضيف: "بالتعاون مع فعاليات وجمعيات مدنية كالصليب الأحمر وكاريتاس، يتم تأمين ثلاث وجبات طعام في اليوم للنازحين، بالإضافة إلى بعض الملابس، وخصوصاً أن معظم النازحين لم يتمكنوا من جلب الكثير من الثياب". وتتولّى الخوري تشكيل لجان لتأمين خزانات المياه ومستلزمات النظافة لمراكز الإيواء، وتضع جدولاً يومياً للحاجات مع الأساتذة ومديري المدارس.
وجالت "العربي الجديد" على عدد من مراكز الإيواء في جبيل. فمنذ اليوم الأول لتوسع العدوان في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، فتحت مدرسة رسول المحبة أبوابها أمام النازحين من أهالي الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت. ويقول مدير المدرسة محمد سليم لـ "العربي الجديد": "شعار جمعية المبرات هو من الناس إلى الناس، ودورها التكاتف الاجتماعي في الأزمات واحتضان أهلنا".
تضم المدرسة في جبيل حوالي 300 شخص، من بينهم 70 طفلاً، وتتكفل الجمعية بتأمين احتياجاتهم المعيشية من مسكن وغذاء وطبابة، بالإضافة إلى القيام بأنشطة دعم نفسي للأطفال، وتأمين العلاج الإنشغالي للأطفال من ذوي الإعاقة الذين يعانون من مشاكل في النطق. وشكّل موظفو المبرات خلية أزمة ضمت أساتذة المدرسة ومتطوعون من أفراد أسرهم، والهدف تأمين مسكن لائق يحافظ على كرامة النازحين".
تحاول المدرسة تأمين الخصوصية للنازحين. ولتحقيق ذلك، حصلت كل عائلة على غرفة في المدرسة، مع الأخذ في الاعتبار ظروف ذوي الإعاقة. ويشير سليم إلى أن "مشهد التكاتف الاجتماعي يعد مقبولاً في جبيل، وهناك العديد من المبادرات الفردية من أبناء المدينة، تتولى تأمين وجبات الطعام وتوزيعها على النازحين، بالإضافة إلى تأمين بعض الملابس".
ولا تقتصر أولويات جمعية المبرات على تأمين المسكن والمأكل والمشرب، بل هناك اهتمام خاص بالأطفال والنساء والعمل على تأمين احتياجاتهم النسائية الخاصة ومستلزمات النظافة كونها من الأساسيات وليست حاجات كمالية أو رفاهية. في هذا الإطار، تحرص على تأمين الدعم النفسي للأطفال، وبعض الأنشطة منها مشاهدة الأفلام، وتنظيم مباريات رياضية للتخفيف من وطأة الحرب وما عاشوه خلال هذه الفترة".
وتحاول المتطوعة حوراء حيدر أحمد توفير بيئة ملائمة للنازحين وخلق أجواء من المرح في ما بينهم. وتشير في حديثها لـ "العربي الجديد" إلى أن "الهدف في هذه الظروف مساندة بيئة المقاومة وهم أهلنا. لا يمكننا تركهم من دون احتضان. ننظم بعض جلسات التوعية والأنشطة للأطفال في سن المراهقة".
وعلى الرغم من أن جمعية المبرات لا تملك سوى مدرسة خاصة واحدة لفتحها أمام النازحين، إلا أنها تعمد إلى توزيع بعض المال على عائلات في قرى جبيل. وقدمت الجمعية خدمات صحية، وجال أطباء المدينة على النازحين ووزعت أدوية على المرضى منهم. ولا ينكر سليم أنهم "سيواجهون مشكلة انقطاع في بعض الأدوية، ولا سيما المزمنة منها، الأمر الذي يمكن أن يسبب إرباكاً لدينا". لكن من المتوقع أن تقوم إدارة مستشفى بهمن (تابع لجمعية المبرات الخيرية) بإنشاء مستشفى متنقل يجوب على مناطق إيواء النازحين، ليس فقط في المدينة بل في قرى القضاء.
صمود رغم الألم
تقول عبير بنوت، التي نزحت من بلدة زفتا (قضاء النبطية) لـ "العربي الجديد": "ليس سهلاً أن يترك المرء بيته. لدينا يقين بأننا سنعود في أقرب وقت إلى منازلنا، وعلينا تحمل بعضنا البعض في مثل هذه الأزمات. بتنا كعائلة واحدة نخاف بعضنا على بعض، ونتشارك لحظات الحزن والفرح".
تسبق الدموع كلمات خليل مهنا، ابن بلدة الخيام (جنوب)، الذي كان يقطن في الضاحية الجنوبية لبيروت، قبل أن يضطر إلى ترك منزله. لم يتوقع أن يشاهد هدم المنازل في الضاحية جراء الضربات الإسرائيلية. "لكننا سنعود ونعيد إعمار البيوت تماماً كما حصل بعد يوليو/ تموز من عام 2006".
يخاف بعض النازحين الإفصاح عن القرى التي قدموا منها، وأسماء عائلاتهم، أو المنطقة التي توجهوا إليها خشية الاستهداف الإسرائيلي. وتقول سيدة تبلغ من العمر قرابة السبعين عاماً: "نعلم أن الظروف صعبة، لكننا هنا تحت سقف آمن وكرامتنا مصانة، وندعو ألا تطول الحرب لنعود إلى قرانا". فيما الهاجس الأكبر لابن بلدة النبطية علي يحيى، وهو أب لخمسة أطفال، هو أن يمرض أحد أطفاله كونه لا يملك القدرة المالية لعلاجهم، على الرغم من توفر بعض الأدوية في المدرسة. يتابع: "نحاول التأقلم قدر الإمكان من أجل تسهيل فكرة النزوح على الأطفال".
ضيوف
في مدرسة جبيل الثانية الرسمية أعداد قليلة من النازحين. تضم المدرسة قرابة الخمسين نازحاً، كما تقول مديرتها نوف نعمة في حديث لـ "العربي الجديد". تضيف: "نسعى إلى توفير جميع احتياجات النازحين وعدم إشعارهم بأي نقص، ونعتبرهم ضيوفاً في منازلنا". تعمل نعمة مع خلية الأزمة التي أنشأها قائمقام مدينة جبيل. وبعد تأمين السقف الآمن للنازحين، يتحول الاهتمام إلى الواقع الصحي للنازحين، وذلك بالتنسيق مع وزارة الصحة ومراكز الرعاية الأولية في المنطقة، لا سيما في ما يخص النساء الحوامل".
يقول محمد عواضة النازح من بلدة الشهابية (قضاء صور)، الذي توجّه إلى المدرسة في اليوم الثالث من توسع العدوان مع 14 عائلة من القرى المجاورة، لـ "العربي الجديد": "لم أتمكّن من جلب اللوازم الأساسية الشخصية. وفقدت عملي في تجارة الملابس في منطقة الجنوب، ولا أعرف كم ستطول الأزمة وهل سيكون باستطاعتي تأمين نفقات الولادة لمولودي الأول".
جرود جبيل
ولا يقتصر مشهد النزوح على قرى جبيل الساحلية، بل امتد إلى جرودها، لا سيما أفقا، لاسا، علمات، راس أسطا، عين الغويبة، زيتون، ومشان. في هذه القرى حطت رحال النازحين على الرغم من بردها القارس في الوقت الحالي، خشية المضايقات بسبب اختلاف المواقف السياسية.
فتحت بلدة لاسا ثلاثة مراكز إيواء، وهي المدرسة الرسمية ومسجدين في البلدة، فيما باتت بيوتها ممتلئة بأولئك الذين قدموا إلى البلدة بعد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت. وتتحدث ابنة بلدة مقنة البقاعية عطاف المقداد، لـ "العربي الجديد"، عن أحوال النزوح. تقول: "كنا في البقاع نستضيف نازحين من الجنوب. ومع اشتداد الغارات على البقاع، نزحنا وإياهم إلى لاسا. الهدف تأمين سقف آمن. أنا مسؤولة عن 20 فرداً في الأسرة من بينهم 8 أطفال". تضيف: "لمسنا احتضاناً كبيراً من قبل أبناء البلدة الذين يعملون ليل نهار على تأمين احتياجاتنا، لا سيما الطعام والتدفئة والأدوية". وتتحسر لعدم تمكنها من جلب المونة المنزلية التي عملت على تحضيرها خلال فصل الصيف، كالكشك والمكدوس والمربيات المخصصة لأيام البرد ومثل هذه الظروف.
وفي غرفة مجاورة، تتشارك أربع عائلات من آل بزي غرفة في مدرسة لاسا. وتقول سيدة من آل بزي: "لم نكن نتوقع أن نتهجر من الضاحية الجنوبية، لكننا نحاول قدر المستطاع التخفيف من وطأة النزوح بعضنا عن بعض، فلا مكان للانكسار طالما أننا نواجه العدو الإسرائيلي". أما ابنها نور بزي (14 عاماً) فيقول لـ "العربي الجديد": "يفترض أن أتابع دراستي في المهنية، لكن فجأة سارعنا للخروج من المنزل من دون توضيب حقائبنا مخافة الاستهداف الإسرائيلي. نحاول تمضية الوقت بلعب الورق، والتجوال في البلدة، إذ بات لدينا العديد من الأصدقاء".
المشهد مماثل في حسينية البلدة، التي تؤوي عائلات عديدة من منطقة صحراء الشويفات. ولم يكن متوقعاً أن يتم استهداف صحراء الشويفات كما تقول الشابة مريم مشيك لـ"العربي الجديد". تضيف: "في البداية، نزحنا إلى بلدتنا البقاعية مزرعة التوت، وتعرضت هي أيضاً للاستهداف، فتوجهنا إلى لاسا مع ثماني عائلات من أقاربنا تضم عشرين طفلاً". تضيف: "نخاف على أطفالنا الذين شهدوا القصف على الضاحية وصحراء شويفات. أطفالنا في حالة خوف ويخشون القصف في أية لحظة. يسألون باستمرار عن أصوات الطائرات وإمكانية تعرضهم للقصف في المكان الآمن الذي نزحوا إليه".
وفي المسجد الثاني للبلدة، افترشت عائلات من بلدتي مركبا والطيبة باحة المسجد. ويقوم شبان البلدة وجمعية آل المقداد الخيرية بتأمين كافة المستلزمات للأهالي النازحين. يمتنع جعفر المقداد، أحد أعضاء الجمعية، عن التحدث عن أرقام النازحين والكلفة المادية. يقول: "هذا واجبنا، والنازحون هم من أبناء بلدتنا الذين كانوا يقطنون في الضاحية. نتكاتف مع البلدية والأحزاب المعنية لعدم التقصير، ولا سيما أن البلدة بحاجة إلى مستلزمات التدفئة".