رغم أنها حديثة العهد في مهنة التعليم بالمدارس الحكومية والتي تعمل فيها منذ 8 أعوام فقط مقارنة بآخرين سبقوها بعقود، استطاعت نبأ أبو زيتون أن تترك بصمتها في تلاميذها ومدرستها حتى ذاع صيتها في كل فلسطين، وجعلها تنال عن جدارة "لقب أفضل معلم في فلسطين لعام 2021"، بعدما اتخذت "التعلم بالمحبة" نموذجا للتدريس وترسيخ العلم لدى التلاميذ.
لم تكن رحلة نيل اللقب مفروشة بالورود بالنسبة للمعلمة نبأ التي تعمل منذ ثلاث سنوات في مدرسة دير الغصون الأساسية للبنين بمدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، وسبق أن درّست لمدة 5 أعوام في مدرسة بنات زيتا الأساسية، إذ كانت تلميذة في الصف الرابع حين اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، ثم توقف مشوارها التعليمي قبل أن تصل إلى الصف العاشر، بعدما تزوجت مبكراً وتركت مقاعد الدراسة.
لكن شغفها بالعلم طغى على أي شيء آخر. وعادت بعدما أنجبت طفلين إلى مقاعد الدراسة عام 2000، ونجحت في امتحان الثانوية العامة، والتحقت بجامعة القدس المفتوحة، حيث تخصصت في التربية الابتدائية وتخرجت بتفوق في وقت تضاعفت مسؤولياتها الأسرية بعدما أنجبت أطفالاً جدداً.
تردد نبأ مقولة والدها: "لو أبيع قمبازي سأعلم بناتي"، والتي ألهمت إكمالها مسيرة التعليم رغم أنها أم وزوجة. كما دعمها زوجها في مشوارها الطويل مع الأمومة والتعليم والعمل.
وبعد التخرج عملت نبأ سنوات في التعليم الخاص، ثم التحقت قبل ثماني سنوات بمدرسة دير الغصون كمعلمة لمادة الرياضيات لطلاب الصف الأول، ما شكل تحدياً أخر لها. تقول لـ"العربي الجديد": "كانت المسؤولية أكبر من مجرد تعليم الحساب وجدول الضرب. فالصف الأول يعني أن التلاميذ خرجوا من أحضان أمهاتهم وآبائهم وباتوا أمانة في يد المعلمين. وهم يحملون براءة تجعل أي معلم يقف عاجزاً أمامهم. يبكون ويضحكون بلا سبب، ولا يجيدون التعبير عن أنفسهم. يتحدثون كثيراً في أمور لا علاقة لها بالدرس. وقد يقاطع أحدهم معلماً منهمكاً بالشرح، ويبلغه أنه نسي مصروفه أو أن زميله أكل طعامه، فلا يدري المعلم ماذا يفعل. وفي مواجهة هذا الاختبار، كنت أتوقف عن التدريس وأحل المشاكل، ولو تطلب الأمر وقتاً طويلاً".
من هنا رفعت نبأ شعار "التعليم بالمحبة" الذي تشرح آلياته بالقول: "المعلم العظيم ملهم وليس فقط مدرس معلومات للتلميذ. وبلا عصا وصراخ يمكن أن يكسب المعلم قلوب تلاميذه، ويدخل عقولهم بخفة عبر زرع المعلومات بمتعة في أذهانهم".
وفيما ليس القيام بهذه المهمة أمراً سهلاً للمعلمين والمعلمات بمفردهم، أطلقت نبأ مبادرة "مدرسة بلا أسوار" التي أشركت فيها الوالدين والعائلة والمجتمع المحيط في عملية التعليم.
وتوضح أن "التعاون بين المدرّس والأهل يسهّل مهمة الطرفين. والأمر لم يكن بسيطاً بالنسبة لي في ظل اضطراري إلى التواصل مع حوالى 60 أبا وأماً في صف واحد يضم 30 تلميذاً، لكنني قمت بعملي بمحبة وإخلاص وانتماء خلال الدوام المدرسي وبعده".
وشكل النهج السلوكي الذي اتبعته نبأ أحد أبرز عوامل فوزها بجائزة أفضل معلمة في فلسطين. لكن طريقتها في توصيل المعلومات لتلاميذها بكل الأساليب المتاحة لعبت الدور الأكبر في علو كعبها مقارنة بزملائها. وتشير إلى أنها كانت "الأم والمعلمة والمربية لتلاميذي، واستخدمتُ كل استراتيجيات التعلم الحديثة من أجل إيصال المعلومات لهم. أذكر أنني لم أحب مادة الرياضيات في طفولتي، بل أهوى اللغة العربية والأدب، لذا توجب علي عندما أصبحت معلمة لهذه المادة أن أجعل تلاميذي الصغار يحبونها. واستخدمت لتحقيق هذا الهدف أساليب تعليمية تقليدية مثل الشرح المبسط والكتابة على اللوح بالطبشور، وأساليب حديثة مثل اللعب والرسم والقصص والدراما والجلسات التنشيطية والنشاطات غير المنهجية، من أجل تقريب المادة من نفوسهم".
وتشير إلى أنها لم تكتفِ بشهادتها الجامعية، بل انكبّت على مختلف المعارف، وطوّرت نفسها وأداءها ذاتياً، ووظفت التكنولوجيا في تدريس الرياضيات وصولاً إلى التدرب على إنتاج وسائل تعليم رقمية مثل "جدول الضرب لعبتي".
وفيما شلّ فيروس كورونا أشكال الحياة عام 2020، نجحت نبأ في إنتاج وسائل تعليم رقمية، وشاركت من خلال فضائية فلسطين التعليمية في تقديم حصص ودروس مصوّرة استفاد منها كل طلاب الصف الأول، وليس تلاميذها حصراً.
وهذا العام، نافس 42 معلماً ومعلمة على مسابقة أعدتها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية للفوز بلقب أفضل معلم في فلسطين. ثم انحصرت المنافسة في مرحلتها الثانية في عشرة معلمين، وبعدها في ثلاثة قبل أن تتوج نبأ باللقب.
تضيف: "أخذ التقييم في الاعتبار، أسلوب المعلم وتحضيره المسبق والأدوات التي يستخدمها والمبادرات التي أطلقها في مدرسته ومجتمعه، كما قارن النتائج التي حصل عليها تلاميذه". وبين شروط المنافسة على لقب أفضل معلم، تقديمه أشرطة مصوّرة لأسلوبه، والتي أظهرت كمية الأنشطة التي تنفذها نبأ ونوعيتها.
وتعتبر نبأ أن التوثيق "لم يكن مفاخرة بل مرجعا للعودة إليه في أي وقت، وتشجيعي على مواصلة المشوار بهمة ونشاط أكبر. وقد كاد قلبي أن يتوقف لحظة الإعلان عن النتيجة التي كافأت الجهد المخلص الذي قمت به". وترى أن مكانة المعلم وهيبته تبدأ من منزل أولياء أمور التلاميذ الذين يقدرونه ويستمرون في التواصل الهادف معه. وبقدر ما يحافظ على رسالته السامية، يستطيع المعلم أن يحتفظ بهيبته أمام الجميع".