لا يلبث أن يخرج اللبنانيّون من أزمة تكدّس النفايات في الشوارع حتى تعود لتلوح في الأفق من جديد. فالأزمة القديمة ــ الجديدة تبرز هذه المرّة كنتيجة حتميّة لأزمة المحروقات التي شلّت معظم القطاعات الحيويّة في البلاد.
وفي وقت ما زالت أزمة النفايات في بداياتها، حذّرت البلديات والمواطنون من تكرار المشاهد الصادمة التي شهدتها الأعوام السابقة، حين تراكمت النفايات في الشوارع والمستوعبات وبين الأحياء السكنية والمساحات الحرجية، واحتلّت صور أنهر النفايات آنذاك الشاشات العالميّة في مشهدٍ سورياليّ، ينذر بتداعياتٍ صحية وبيئية خطيرة.
"نقوم بعمل الوزارات"
يقول رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، محمد درغام، لـ "العربي الجديد"، إنّ "أزمة تراكم النفايات قد بدأت بالفعل، إلا أنّنا ننسّق مع شركة سيتي بلو، المعنيّة بكنس وجمع ونقل النفايات في الضاحية الجنوبية لبيروت وأقضية بعبدا والشوف وعاليه (جبل لبنان)، عملاً بتأمين كمية متواضعة من المحروقات تلبّي احتياجاتها ضمن نطاق الضاحية الجنوبية. وكذلك الحال بالنسبة لمولّدات الكهرباء ومضخّات المياه التي نثابر على مدّها بالمحروقات، قدر المستطاع من خلال جهودنا الشخصيّة مع شركات المحروقات".
يضيف درغام: "نحن كبلديّات نقوم بعمل الوزارات والإدارات العامّة، ولا يحصل موظّفونا على حقوقهم البديهية، سواء لناحية الرواتب أو غيرها. كما أنّه ما من إيرادات تمكّننا من مواصلة العمل كما يجب. أقحمونا في كلّ القضايا، الوقود والمازوت والكهرباء والمياه وجائحة كورونا وغيرها، ثم يسألوننا: ماذا تفعل البلديات؟ يطلبون منّا تسيير دوريات لشرطة البلدية، لكن كيف لنا أن نحرّك هذه الدوريات؟ من أين نؤمّن لها الوقود، وكيف نتحمّل كلفة صيانتها؟".
أزمات لا تنتهي
أمّا هدى الأسطه، وهي عضوة بلدية بيروت التي قدّمت استقالتها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 تحفّظاً على ممارسات البلدية، ولم تُقبل بعد، فتقول لـ"العربي الجديد": "على الرغم من الاستقالة، تابعتُ العمل الاجتماعي والإنساني في ظلّ جائحة كورونا وعقب انفجار مرفأ بيروت. وها نحن اليوم أمام مشهد تكدّس النفايات من جديد في العاصمة من جرّاء أزمتي المحروقات والدولار. والأزمة متّجهة نحو الأسوأ وسط انعدام الإمكانات لدى البلدية، لا سيّما أنّ سعر صرف الدولار الأميركي المعتمد لدينا لا يزال وفق السعر الرسمي (1517 ليرة لبنانية)، والحال نفسه في كلّ الإدارات العامّة والمؤسّسات الرسمية، ما يعني أنّنا مقبلون على كارثة في ما يتعلّق بإدارات الدولة".
وتتحدّث الأسطه عن "محاولات فردية خجولة خارج نطاق المجلس البلدي، وعن محاولات محافظ بيروت لتأمين المحروقات لشركة رامكو، المعنيّة بكنس وجمع ونقل النفايات ضمن نطاق بيروت وقضاءي المتن وكسروان، لكن لا أعتقد أنّنا سنتمكّن من القيام بشيء. لذلك، نحاول الضغط على الحكومة أو مصرف لبنان لإقرار استثناءات في هذا المجال، وخصوصاً أنّ حجم بلدية بيروت أكبر من غيرها، وقراراتها تتطلّب المرور عبر سلطات عديدة".
من جهته، يؤكّد رئيس المكتب الإعلامي في بلدية الشويفات طارق أبو فخر لـ "العربي الجديد" أنّ "شركة سيتي بلو لا تزال تقوم بمهامها، لكن بوتيرة أخفّ بكثير ممّا كانت عليه قبل أزمة الدولار، وقد سبق أن أعلنت عدم قدرتها على الاستمرار بعمليّاتها إذا لم تعمد الدولة إلى تسديد مستحقّاتها بالدولار كي تتمكّن من الإيفاء بالتزاماتها وبكلفة التشغيل والصيانة. وتأثّرت الشركة بمغادرة اليد العاملة الأجنبية بمعظمها لبنان، من جراء الأزمة".
ويلفت أبو فخر إلى أنّه "في حال تفاقمت أزمة النفايات، فإنّ البلدية غير قادرة على تأمين الوقود للشركة المذكورة. نحن عاجزون حتّى عن تأمين الوقود لمضخّات المياه في المدينة، وعددها نحو 8 مضخّات، وبالتالي هناك أزمة مياه تُضاف إلى العتمة الشاملة وانقطاع الأدوية وغيرها من الهموم المعيشيّة". ويقول: "يزيد عدد سكان المدينة على 700 ألف مواطن وأكثر من 200 ألف لاجئ ومقيم، وهي مقصد تجاري وصناعي وشريان تواصل بين العاصمة والجنوب، والعاصمة وجبل لبنان، لكنّها للأسف منسية. وقد أطلق رئيس البلدية نداءاتٍ لدعم صمود البلدية والسكان، لكنّ الوزارات والإدارات العامّة غائبة عن السمع، ومستحقاتنا المتراكمة على الدولة وغيرها لا نحصل عليها، وعلى رأسها قرابة 33 مليار ليرة لبنانية (22 مليون دولار أميركي وفق سعر الصرف الرسمي) من الشركة المستثمرة للسوق الحرّة في مطار رفيق الحريري الدولي".
الأمور إلى الأسوأ
بدوره، يشيد الكاتب والأستاذ الجامعي في فلسفة البيئة والإعلام البيئي، حبيب معلوف، "بجهود الذين عارضوا قضية المحارق في لبنان، إذ كانت ستبلغ كلفة خدمة هذه المحارق نحو 100 دولار أميركي لكل طن من النفايات، في وقتٍ نعجز فيه اليوم عن دفع 10 دولارات أميركية لكل طن، بهدف معالجة النفايات. كانت لتكون ورطة كبيرة بالفعل".
ويقول لـ "العربي الجديد": "اليوم وبعد الأزمة، نشهد رمياً عشوائيّاً للنفايات في مطمرٍ بات شبه مكبّ، أكان في الكوستابرافا (بيروت) أو الجديدة – برج حمّود (شمالي العاصمة)، من دون معالجة سليمة ولا غلاف للمطمر يمنع التسرّبات. إذاً، نحن في أسوأ وضع وأرخص عمل يتمّ القيام به. وكلّما زادت أزمة المحروقات زادت الكلفة، وستزداد الأمور سوءاً".
ويذكّر معلوف بـ "الحلول البيئية التي طرحناها مراراً وتكراراً، ومن بينها استراتيجيّة التخفيف، فلو اعتُمدت كنّا لننتج اليوم ربع كمية النفايات التي كنا ننتجها سابقاً، بالإضافة إلى عمليّات الفرز من المصدر وإعادة التدوير، علماً أنّنا نملك إمكاناتٍ كبيرة في هذا المجال، لكن للأسف لم يتمّ تطبيق أيّ قوانين وسياسات تلحظ هذه الاستراتيجيّات، واليوم ندفع الثمن غالياً جداً".
أمّا لسان حال المواطنين، فخوفٌ من اشتداد أزمة النفايات، وهم غارقون في مشاكلهم اليوميّة، من أزمة محروقات ومستشفيات ودواء إلى همّ الرغيف والأسعار الجنونيّة في المواد الغذائية والسلع الاستهلاكيّة. ويتحدّث بعضهم عن بدء تكدّس النفايات في العاصمة، سواء على جوانب الطرقات أو في المستوعبات، حيث تغيب أعمال الكنس في العديد من الأحياء والشوارع، فالشركة المعنيّة تقوم بمهامها مرة كل 4 أيام تقريباً، وفق قول أحدهم، وهذا ما يؤدّي إلى ظهور الحشرات والقوارض، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة صيفاً.