يكافح الفلسطيني صلاح عبد الحي من أجل توفير العلاج لطفله الصغير الذي يعاني من أحد الأمراض المزمنة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة للشهر الثالث، والحصار المفروض على القطاع للعام السابع عشر على التوالي.
يقول عبد الحي لـ"العربي الجديد"، إنه يجد صعوبة بالغة في تأمين أدوية ابنه خلال الفترة الأخيرة، رغم أنها كانت متوفرة في المستشفيات والصيدليات قبل العدوان، لكنها حالياً نفدت من الصيدليات الخاصة، ومن غالبية العيادات الحكومية أو تلك المحسوبة على وكالة "أونروا".
يضيف: "أصبحت أضطر إلى دفع مبلغ مالي يوازي ثلاثة أضعاف المبلغ الذي اعتدت على دفعه لشراء ذات الكمية من الأدوية، وبدأت شراء كل الكميات المتوافرة في الصيدليات حتى يكون متاحاً لدي أدوية تكفي ابني الذي يبلغ عمره سنتين، لبضعة أسابيع من أجل ضمان عدم تدهور حالته الصحية، فلا أحد يعرف موعد انتهاء هذه الحرب على غزة".
ويشهد القطاع الصحي أزمة دواء خانقة نتيجة انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة، خصوصاً في شمالي القطاع ومدينة غزة، فيما يتكدس النازحون بمناطق الوسط والجنوب بشكلٍ أكبر، في ظل ضغط كبير على بقية المشافي العاملة، والتي لا تستطيع التعامل مع هذه الأعداد الكبيرة من النازحين، ومن بينهم الكثير من الجرحى وأصحاب الأمراض المزمنة.
وانتشرت عدة أمراض وأوبئة بفعل النزوح إلى المدارس ومراكز الإيواء، سواء الحكومية أو التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ما فاقم الضغط على المنظومة الصحية، إذ نفدت غالبية الأدوية الخاصة بالأمراض التنفسية والنزلات الرئوية، وتلك الخاصة بالأمراض المزمنة مثل ضغط الدم والسكري، فضلاً عن أدوية مرضى السرطان والكلى، ما نتج عنه تردي الحالة الصحية لعشرات الآلاف.
في الوقت ذاته، تتهم الجهات الصحية في قطاع غزة المؤسسات الأممية والدولية بالتقاعس عن أداء دورها، وخصوصاً التقاعس عن إدخال الأدوية والاحتياجات الطبية العاجلة في ظل اتساع رقعة الحرب على القطاع، وتحكم الاحتلال في أعداد ومحتويات شاحنات المساعدات التي يسمح بدخولها عبر معبر رفح البري.
يقول مدير عام مستشفى الكويت التخصصي، صهيب الهمص، إن آلاف المرضى يموتون خارج المستشفى في الوقت الذي يموت فيه مئات أخرين في داخل المستشفيات بسبب عدم توفر الرعاية اللازمة لهم، إلى جانب النقص الحاد في مختلف أصناف الأدوية. ويضيف لـ "العربي الجديد"، أن "مرضى السرطان بلا أدوية ولا علاج كيميائي، وأدوية الرعاية الأولية والأمراض المزمنة والأمراض الرئوية باتت غير متوفرة، عدا عن عدم توفر المعدات الخاصة بغسيل الكلى، ما تسبب في وجود قائمة طويلة من المرضى الذين ينتظرون دورهم".
ويشدد الهمص على أن "هناك انهيارا كاملا في المنظومة الصحية، وزيادة كبيرة في أعداد المرضى في داخل مستشفيات جنوبي القطاع، كما أن هناك انتشارا لأوبئة وأمراض مثل الأمراض الجلدية والتنفسية والنزلات المعوية والتهاب الكبد الوبائي بسبب الاكتظاظ والتلوث وعدم توفر مياه الشرب النظيفة. الأدوية التي تنفد من المشافي والصيدليات لا يوجد لها بديل، والكثير منها باتت خاوية من الأدوية التي يحتاجها المرضى، في حين لا يوجد تدخل دولي يذكر للتعامل مع خطر النقص الحاد في الأدوية".
بدوره، يؤكد الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، على عدم وجود تقديرات حقيقية شاملة لأصناف الأدوية التي نفدت بشكلٍ كامل من مخازن الوزارة ومن المشافي بسبب التحكم الإسرائيلي في طبيعة الأدوية والمستهلكات الطبية التي يتم إدخالها إلى القطاع ضمن المساعدات الإنسانية.
ويقول القدرة لـ "العربي الجديد"، إن "أدوية الرعاية الأولية والعناية المركزية والطوارئ غير متوفرة، وبات القطاع الطبي تحت رحمة الاحتلال الذي يتحكم في طبيعة المساعدات الواردة. خاطبت الجهات الصحية في غزة المؤسسات الصحية الدولية لتوفير الاحتياجات الأساسية، إلا أن أيا منها لم يصل إلى القطاع، لا سيما الطعومات الخاصة بالأطفال التي نفذت بشكلٍ كامل في مختلف مناطق غزة".
ويخشى الفلسطينيون من أن تطول الحرب الإسرائيلية، ما قد يتسبب في تدهور الأوضاع الصحية لعشرات آلاف المرضى والمصابين، لا سيما وأن الفترة الأخيرة شهدت نفاد غالبية الأصناف الدوائية التي كان الفلسطينيون قد اعتادوا على توفرها في العيادات والصيدليات.