ربّما تنتهي الحروب ويتوقف دويّ الانفجارات، لكنّ مخلفاتها من ألغام أرضية وقنابل عنقودية وذخائر غير متفجرة وغيرها تبقى موجودة، وقد تستمرّ لعقود وتؤدّي إلى سقوط آلاف الضحايا من قتلى وجرحى سنوياً. ويُقدّر عدد الأشخاص الذين أصيبوا أو قتلوا في عام 2019 بسبب انفجار الألغام ومخلفات الحروب حول العالم بأكثر من 5552 شخصاً، بحسب آخر إحصاءات منظمة "مرصد الألغام الأرضية"، وإن كانت ترجّح أن تكون الأرقام أعلى من تلك الموثّقة.
وأطراف النزاع (الدول أو الجماعات المسلحة) يتركون غالباً الأراضي مزروعة بآلاف الألغام والقنابل العنقودية ومخلفات الحروب، ما يحرم السكان ولسنوات بعد انتهاء تلك الحروب رسمياً، من استغلال تلك الأراضي واستصلاحها زراعياً، أو إقامة المشاريع الإنمائية كالمستشفيات والمدارس وبناء البيوت أو حتى المشي فيها. كل خطوة في تلك المناطق المليئة بالألغام ومخلفات الحرب قد تعني الموت. ويقع أطفال كثر ضحية للألغام بسبب أشكالها الجذابة أحياناً والملوّنة، فهم قد يظنون أنّها ألعاب. وتشير المنظمة إلى أنّ المدنيين يشكلون 80 في المائة من الضحايا، ونصف هؤلاء تقريباً (43 في المائة) من الأطفال.
وبمناسبة اليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام، والذي يصادف في الرابع من إبريل/ نيسان من كل عام، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الدول التي لم تنضمّ بعد إلى اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد (اتفاقية أوتاوا)، بفعل ذلك. ومنذ إعلان الاتفاقية في عام 1997، انضمت إليها 164 دولة. وقد أُحرز تقدّم ملموس منذ ذلك الوقت وأزيلت ملايين الألغام وأعلنت 31 دولة أنّ أرضها خالية من الألغام والذخائر الحربية. في المقابل، فإنّ عشرات الدول ما زالت تعاني بسبب زرع مساحات واسعة من أراضيها بالألغام ومخلفات الحروب، بالإضافة إلى سقوط كثير من الضحايا. ومن بين أبرز تلك الدول سورية والعراق ولبنان وفلسطين وأفغانستان واليمن وليبيا.
وفي خلال السنوات الخمس الأخيرة، ارتفعت نسبة الأراضي المزوعة بالألغام وأعداد الضحايا، بعدما كان العالم قد سجّل نسبة الانخفاض الكبرى في عدد الضحايا في عام 2013. جاء ذلك مع تزايد الصراعات في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم. وتزايد استخدام الجماعات المسلحة لتلك الألغام والمتفجرات، بالإضافة إلى اعتمادها من قبل الدول في ضرباتها العسكرية، وخصوصاً القنابل العنقودية التي لا تنفجر بالضرورة مباشرة. وعلى الرغم من حظر استخدام الألغام الأرضية المضادة للأفراد وتصديق 164 دولة على اتفافية حظر الألغام المضادة للأفراد، ما زال نحو 110 ملايين لغم مضاد للأفراد مزروعة حول العالم، بحسب تقديرات "مرصد الألغام الأرضية". وتشير المنظمة إلى أنّ عدد الذين جرحوا أو قتلوا ما بين عامَي 1999 و2017، بسبب الألغام الأرضية ومخلفات الأسلحة، يصل إلى نحو 120 ألف شخص معظمهم من المدنيين.
من جهتها، تربط الأمم المتحدة ومنظمات دولية عاملة في هذا المجال، بين ارتفاع أرقام المصابين والقتلى وخفض التمويل لتنظيف المناطق الملوّثة بالألغام والقنابل وزيادة الوعي بين السكان للتعامل مع مخلفات تلك الحروب ريثما تُزال. وتشير منظمة "مرصد الألغام الأرضية" إلى مساهمة 45 جهة مانحة بنحو 650 مليون دولار أميركي في عام 2019 لإزالة الألغام من المناطق الأكثر تضرراً، ما أدّى إلى انخفاض أعداد الضحايا بنسبة سبعة في المائة مقارنة بالعام الذي سبقه والذي شهد كذلك انخفاضاً في التمويل.
كذلك منعت القيود المتعلقة بتفشي فيروس كورونا الجديد في خلال العام الماضي الناجين والأشخاص الذين أصيبوا نتيجة انفجار تلك المخلفات، من الحصول على الخدمات اللازمة في عدد من الدول المتضررة.
وعلى الرغم من تضمين مجلس الأمن الدولي في نيويورك هذه القضية في تقاريره ومتابعته عمليات حفظ السلام، فإنّه لم يخصّص إلا عدداً محدوداً من المباحثات المنفردة. في هذا السياق، سوف تعقد فيتنام التي ترأس المجلس لهذا الشهر، جلسة رفيعة المستوى لمناقشة الموضوع والتشاور مع الدول لصياغة مشروع قرار إضافي يشمل تقديم تقارير دورية، بما يشمل نشاطات الأمم المتحدة المتعلقة بالأمر، من بينها إزالتها للألغام لأغراض إنسانية والمساعدة في تدميرها والتخلص منها والعمل على معالجة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات حرب وغيرها. يُذكر أنّ بلجيكا وهولندا حاولتا في أثناء عضويتهما لمجلس الأمن في عام 2018، تقديم مشروع قرار من بين أهدافه تخصيص جلسات نقاش منفردة والحصول على تقارير دورية، إلا أنّ اعتراض إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حال دون تقديمه.
وكانت إدارة ترامب قد أعلنت في العام الماضي عن رفعها القيود المفروضة على نشر القوات الأميركية الألغام الأرضية المضادة للأفراد. وجاء ذلك بعد حظر كانت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما قد فرضته منذ عام 2014، على الرغم من أنّها لم تنضم إلى اتفاقية أوتاوا. ومن المتوقع أن تعود إدارة الرئيس الحالي جو بايدن إلى فرض الحظر تحت شروط مشابهة لتلك التي عملت بها إدارة أوباما، لكن من غير المتوقع حتى اللحظة أن تنضم إلى الاتفاقية. تجدر الإشارة إلى أنّه، على الرغم من التراجع على صعيد خفض أعداد الضحايا خلال السنوات الأخيرة ونقص التمويل والاستمرار في زرع الألغام، فقد أحرز العالم تقدماً ملموساً في العمل على التخلص من الألغام ومخلفات الذخائر العسكرية وتبعاتها منذ توقيع اتفاقية أوتاوا. وباتت أكثر من ثلاثين دولة كانت مزروعة بالألغام، خالية منها. وبحسب "مرصد الألغام الأرضية"، فإنّ ما لا يقلّ عن 160 دولة من بين 164 دولة طرف في الاتفاقية لا تخزّن الألغام المضادة للأفراد، وهذا يشمل 93 دولة أعلنت رسمياً استكمال تدمير مخزونها و67 دولة أعلنت أنّها لم تمتلك قط ألغاماً مضادة للأفراد (باستثناء حالات معيّنة للتدريب على تقنيات الكشف والتطهير). ودمّرت الدول الأعضاء في الاتفاقية مجتمعة حتى الآن 55 مليون لغم مضاد للأفراد.