تعاني المستشفيات الحكومية المصرية من عجز حاد في أعداد الأطباء، ويتفاقم العجز بسبب هجرة الآلاف منهم، التي تزايدت بعد جائحة كورونا، ما دفع وزارة الصحة إلى إقرار تكليف الخريجين الجدد لسد العجز، لكن صيغة القرار أغضبت الكثير من الأطباء.
ترأس وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار اجتماعاً للجنة العليا لتكليف الأطباء، مؤخراً، وأكد أهمية منظومة التكليف في توفير احتياجات القطاع الصحي من الكوادر الطبية، وأهمية أن تكون طلبات التكليف الواردة من الجهات المختلفة معبرة عن احتياج حقيقي، مع مراعاة العجز القائم في أعداد مقدمي الخدمة الصحية، وعدالة التوزيع الجغرافي.
أوصت اللجنة بتكليف جميع الفئات المخاطبة بقانون تكليف الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان وهيئات التمريض والفنيين الصحيين والفئات الفنية المساعدة، الصادر سنة 1974، اعتباراً من حركة تكليف عام 2025، وطبقاً للاحتياجات الواردة من الجهات المذكورة بالقانون.
وصدر القرار، حسب بيان رسمي، بعد الاطلاع على الدراسة الخاصة بأعداد القوى البشرية في المهن الطبية المخاطبين بقانون التكليف في وزارة الصحة والجهات التابعة لها، والتي شملت إجمالي أعداد الأطباء والصيادلة واختصاصيي التمريض ومقدمي الخدمات الطبية كافة، ونسب العجز، ومتوسط أعداد الخريجين السنوية من الكليات، ومتوسط الزيادة المتوقعة خلال السنوات الخمس القادمة.
لكنّ هذا القرار أثار غضباً واسعاً في صفوف الأطباء، وخاصة ما ورد فيه حول "تكليف الأطباء وأعضاء المهن الطبية طبقاً للاحتياجات". إذ تعاني المستشفيات الحكومية المصرية نقصاً حاداً في عدد الأطباء بعد هجرة واسعة للأطقم الطبية تفاقمت مع انتشار جائحة كورونا.
وتعتمد مصر منهج تكليف دفعات من خريجي الجامعات الحكومية سنوياً للعمل في المستشفيات الحكومية. لكن القرار الجديد يعني أن يقتصر التكليف على الاحتياجات فقط.
وشهدت مصر هجرة عدد كبير من الأطباء إلى الدول الخليجية والأوروبية، وخاصة بعد انتشار فيروس كورونا، وخلال السنوات الثلاث الماضية، استقال أكثر من 11,500 طبيب ممارس، حسب الأرقام الصادرة عن نقابة أطباء مصر.
وتشير دراسة أعدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع وزارة الصحة، إلى أن مصر تمتلك 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي 23 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن.
وقال عضو مجلس نقابة أطباء مصر، أحمد السيد، إن اجتماع اللجنة العليا للتكليف شهد عرضاً تفصيلياً للأعداد الحالية العاملة في المهن الطبية والصحية المختلفة بوزارة الصحة والسكان، وطبيعة العجز والتوافر في الأعداد، وأكدت الدراسة وجود عجز شديد في أعداد الأطباء البشريين، وأنه يحتاج إلى عدة سنوات لتغطيته، وجرى الإتفاق على تكليف أعضاء المهن الطبية بناءً على الاحتياجات لكل مهنة، على أن يكون ذلك بداية عام 2025.
وأضاف السيد أنه سيتم إعداد الاحتياجات من طريقة لجنة تشارك بها نقابة الأطباء، وأنه تم التأكيد من خلال الدراسة على وجود عجز شديد في أعداد الأطباء بشكل عام، وفي بعض التخصصات الطبية بشكل زائد، ومنها التخدير، والعناية المكثفة، والطوارئ، وطب الأسرة، وستشهد الفترة المقبلة زيادة الأعداد بهذه التخصصات، كذلك أظهرت زيادة في أعداد بعض المهن الطبية الأخرى، وجرى التشديد على الحفاظ على مميزات العمل في المناطق النائية، ودعم هذه المميزات.
وشددت النقابة على يقينها بأن "جذب الأطباء للعمل في القطاع الحكومي لن يأتي بزيادة أعداد المقبولين في كليات الطب من دون إصلاح حقيقي وملموس لمنظومة الصحة، وتحسين أحوال الأطباء المادية والمهنية والاجتماعية"، وأكدت أن "إعلان تكليف أعضاء المهن الطبية المختلفة حسب الاحتياج قبلها بسنوات كافية، كان الغرض منه أن يتسنى للطالب المقبل على دراسة أحد المجالات الطبية وضع ذلك في الاعتبار".
وأدار عدد من قيادات النقابة جلسات حوارية مع الأطباء الأعضاء، من أجل مناقشة القرار، وعبّر عضو مجلس النقابة، إيهاب طاهر، عن رفضه لما وصفه بـ"ضيق نظرة صانعي القرار"، موضحأً أنه يدرك أن هناك زيادة في أعداد العاملين بالوزارة من بعض الفئات الطبية، مثل الصيادلة وأطباء الأسنان، في مقابل العجز في فئات أخرى مثل الأطباء البشريين والتمريض.
وطالب طاهر بوضع حلول عملية لإصلاح ذلك الخلل، لأن استمراره لا يليق، خاصة أن لجنة التكليف "نظرت إلى الأمر عبر مفهوم ضيق، وبالتالى أصدرت هذه التوصية محل الخلاف"، مفنداً موقفه الرافض للقرار، والتوصية المرفقة به، قائلاً: "الزيادة في أعداد بعض الفئات مسؤول عنها السياسات الخاطئة في قبول أعداد ضخمة بهذه الكليات على مدار سنوات طويلة سابقة، وليس أصحاب الشأن أنفسهم، وبالتالي إن قواعد العدالة تقتضي تطبيق أي قرار جديد على دفعات الطلاب الموجودين حالياً في الثانوية العامة، وليس تطبيقه بعد سنتين أو ثلاث على طلاب يدرسون فعلياً بهذه الكليات".
وتابع: "تكليف الخريجين من الكليات الطبية له أهمية قصوى؛ لأن الخريج يحتاج في بداية حياته العملية لأن يعمل ويتدرب تحت إشراف المتخصصين حتى يصبح مؤهلاً للتعامل بمفرده مع أرواح المواطنين، وترك بعضهم في منازلهم يبحثون عن فرصة عمل لسنوات، أو اضطرارهم إلى العمل من دون إشراف أمر في غاية الخطورة على المجتمع، وقد يؤثر سلباً بصحة المرضى".
وحول الحلول، اقترح طاهر أن تنسق وزارة الصحة مع المجلس الأعلى للجامعات من أجل ضبط أعداد المقبولين بالكليات الطبية ليصبح طبقاً للاحتياجات الفعلية، معتبراً أن التعامل مع العجز في أعداد الأطباء لا يمكن أن يكون بإطلاق العنان لفتح كليات طب جديدة، لأنه يجب أولاً إلزام هذه الكليات بامتلاك جميع مقومات التدريس والتدريب، وعلى رأسها مستشفى جامعي بكل كلية، قبل السماح ببدء الدراسة، للمحافظة على الحد الأدنى لمستوى الخريج، فضلاً عن التقيد بحد أقصى لأعداد المقبولين بجميع الكليات سنوياً.