مع انطلاق امتحانات النصف الأول للعام الدراسي الحالي في العراق أخيراً، تعالت أصوات أولياء أمور الطلبة، للتنديد بنقص الكوادر التدريسية التي يرون أنها أحد الأسباب الرئيسية لتدني المستوى التعليمي لأبنائهم.
ويتفق عدد من المسؤولين والخبراء التربويين مع أولياء أمور الطلبة على أن النقص الحاصل في كوادر التدريس كبير، وخصوصاً في بعض المواد العلمية الأساسية، وأن ذلك قائم في جميع المراحل الدراسية.
يقول عضو لجنة التربية في البرلمان العراقي، النائب جواد الغزالي، إن "عدد المدارس العراقية يبلغ أكثر من 26 ألف مدرسة، ومعظمها تعاني من نقص كبير في كوادر التدريس، رغم وجود أعداد كبيرة من خريجي الجامعات"، مطالباً وزارة التربية بأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، ورفع أسماء الخريجين بغرض تعيينهم لسد الشواغر الحاصلة في الكوادر التدريسية.
وأضاف الغزالي، في تصريح صحافي، أن "كثيراً من مدارس العراق تعتمد النظام المزدوج والثلاثي للدوامات بسبب الأعداد الكبيرة للطلبة، والنقص القائم في أعداد البنايات التعليمية"، داعياً الحكومة العراقية إلى "تضمين مخصصات لدرجات وظيفية جديدة في وزارة التربية بموازنة 2023، خصوصاً في المحافظات التي تعرف شواغر كبيرة، فعدد الشواغر في محافظة النجف وحدها يبلغ أكثر من 4000 كادر تدريسي".
ويقول مسؤول رفيع في وزارة التربية العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "الوزارة أنشأت أعداداً كبيرة من المدارس الجديدة، وقامت بشطر مئات المدارس القائمة لفك الاختناق الحاصل، لكن ذلك ولّد مشكلة جديدة متمثلة في نقص كوادر التدريس. كان ينبغي قبل زيادة أعداد المدارس توظيف كوادر تدريس جديدة في مختلف الاختصاصات، لكن ذلك لم يجرِ".
وأوضح أن "العراق بحاجة إلى أكثر من 5000 معلم بشكل عاجل لسد جزء من النقص الحاصل في الكوادر، لكن أزمة نقص المعلمين لا يمكن تجاوزها عبر تعيين معلمين جدد فحسب، بل هناك حاجة إلى توزيع المعلمين بشكل مُمنهج في المدارس، وفي مختلف أنحاء البلاد".
وسجل العراق خلال السنوات الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في مستوى الأمية، ووفقاً لتصنيف منظمة اليونسكو، فإن البلاد كانت تتبوأ مراتب عالمية في جودة التعليم ومحو الأمية خلال سبعينيات القرن الماضي، وفي التصنيف الأخير للمنظمة، حل العراق ضمن أكثر البلدان التي تعاني من ارتفاع الأمية، بما يتجاوز 47 في المائة.
ويقول مدير مدرسة الحياة في العاصمة بغداد، محمد الخالدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "النقص الكبير في كوادر التدريس أربك الأوساط التربوية، وانعكس على واقع التعليم. أغلب المدارس تعاني من نقص في معلمي مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم الصحية واللغة الإنكليزية، وحتى معلمي اللغة العربية".
ويضيف أن "نقص الكوادر التدريسية أحدث فجوة كبيرة بين إدارات المدارس وأولياء أمور الطلبة، وكذلك بين المعلمين والتلاميذ، لا سيما أن أغلب أولياء الأمور يحمّلون إدارات المدارس مسؤولية نقص الكوادر، ويطالبونها بإتمام المناهج الدراسية في موعدها المحدد".
وأشار الخالدي إلى أن "واقع التعليم في العراق حرج جداً، فاكتظاظ الصفوف بالتلاميذ، وقلة أعداد المدارس، ونقص كوادر التدريس، إضافة إلى عدم تحديث المناهج، كلها أسباب أدت إلى تدهور كبير، وخلق مشاكل متعددة لإدارات المدارس، ما انعكس على الطلاب الذين باتوا يعتمدون على القنوات التعليمية عبر اليوتيوب أو مواقع التواصل الاجتماعي".
من جهتهم، يحذر أولياء الأمور من استمرار نقص كوادر التدريس، ويؤكدون تأثيره السلبي على المستوى التعليمي للطلبة. يقول حيدر الطائي في حديث مع "العربي الجديد"، إن "مديريات التربية ما زالت عاجزة عن توفير المعلمين في بعض التخصصات، وخصوصاً العلمية، الأمر الذي أجبر أعداداً كبيرة من الطلاب على الدراسة بنظام الانتساب، والتعلم عبر مواقع متخصصة على الإنترنت، أو اللجوء إلى الدروس الخصوصية".
ويضيف أن "المستوى العلمي تراجع بشكل كبير خلال العام الحالي، نتيجة تراكمات التعليم الإلكتروني خلال السنوات السابقة التي شهدت جائحة كورونا، فضلاً عن نقص الكوادر، وغياب الخبرة العلمية لدى معظم المعلمين المجانيين، وغالبية المدارس تعاني من كثرة الدروس التي لا يتوفر معلم لشرحها في الحصص اليومية بسب نقص الكوادر التدريسية".
وأشار الطائي إلى أنهم راجعوا سابقاً مديرية التربية لنقل مطالبهم إلى الوزارة، لكن من دون جدوى، "وطلبة المراحل النهائية يضطرون للاعتماد على أنفسهم، ودخول دورات خاصة لحين تحسّن الوضع في مدارسهم، رغم التكاليف الباهظة التي يتحمّلها الأهل، والتي تتراوح بين 300 إلى 600 دولار أميركي للمادة الواحدة".