نقص كوادر التمريض يهدد المنظومة الصحية في مصر

26 أكتوبر 2024
رواتب طواقم التمريض المتدنية أحد أبرز أسباب الهجرة (أحمد ناجي/Getty)
+ الخط -

تصاعدت أزمة نقص أعداد الممرضين والممرضات في القطاع الصحي المصري، وقد باتت تهدد كثيراً عمل المستشفيات والمرافق الطبية وتؤثر على الرعاية الصحية في جميع أنحاء البلاد. وتشير التصريحات الرسمية إلى وجود عجز هائل في أعداد الكوادر التمريضية المطلوبة، الأمر الذي يؤثر سلباً على جودة الرعاية المقدمة للمرضى، ويفاقم من معاناتهم في ظل الاكتظاظ وقلة الإمكانيات.
وتقول نقيبة التمريض وعضو مجلس الشيوخ، كوثر محمود، إن مصر تعاني عجزاً في قطاع التمريض وصل إلى 75 ألف فرد، ومن المتوقع أن يتضاعف الرقم بحلول عام 2030، مع تعميم منظومة التأمين الصحي الشامل في جميع المحافظات. وعن أسباب نقص طواقم التمريض في المستشفيات الحكومية، تشير إلى أن الراتب الضعيف مقارنة بأماكن أخرى هو أحد أهم أسباب تصاعد ظاهرة تسرب العاملين في القطاع الحكومي إلى مستشفيات القطاع الخاص والخارج، خصوصاً الدول العربية، للحصول على رواتب أفضل. فأعلى راتب تستطيع الممرضة الحصول عليه في القطاع الحكومي يصل إلى 7 آلاف جنيه فقط، فيما تصل رواتب المستشفيات الخاصة إلى 12 ألف جنيه، علماً أن طواقم التمريض تعمل 12 ساعة متواصلة، ولا تستطيع العمل في مكان آخر لتحسين الدخل. 

تعاني مصر عجزاً في قطاع التمريض وصل إلى 75 ألف فرد

تضيف محمود: "هناك إقبال شديد على العمل في مهنة التمريض في مصر، بدليل تسجيل 85 ألف طالب العام الماضي في كليات التمريض، وقُبل 25 ألفاً منهم فقط لعدم وجود أماكن تستوعب كل هذه الأعداد. إلا أن المستشفيات الحكومية لا تجذب الخريجين للعمل". 
وتقدمت عضو مجلس النواب سارة النحاس، بطلب إحاطة لرئيس مجلس النواب حنفي جبالي، كما وجهته إلى كل من رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار، بشأن استمرار معاناة المنظومة الصحية من النقصَ الشديد في هيئة التمريض، مطالبة بضرورة فتح مدارس ومعاهد لتخريج الممرضات وتأهيلهنّ وتدريبهنّ للعمل.

تعاني المستتشفيات المصرية نقصاً في طواقم التمريض (خالد دسوقي/ فرانس برس)
تعاني المستشفيات المصرية من نقص طواقم التمريض (Getty)

من جهته، يتحدث نقيب الأطباء في الإسكندرية عبد المنعم فوزي، لـ "العربي الجديد"، عن مشكلات أخرى من بينها عدم امتهان الرجال لمهنة التمريض إلا بنسب ضئيلة، وتدني مستوى التعليم والتدريب، وهو ما يؤثر علي نوعية وجودة وكفاءة خريجي التمريض، وينسحب على العجز الدائم في أعداد طواقم التمريض في المستشفيات، خصوصاً في تخصصات الحضانات والرعاية المركزة والعمليات.
ويشير فوزي إلى أن أحد أهم الحلول هو تشجيع الذكور على امتهان هذا المجال، مع العلم أن الأمر ظاهرة عالمية، إذ إن عدد الممرضين الذكور في العالم لا يزيد عن 10% من إجمالي أعداد أطقم التمريض. ويوضح أن "الأزمة قديمة، وتعود إلى تأسيس مبادئ التمريض في القرن التاسع عشر، والتي قامت على أن الرجال غير ملائمين للمس وتضميد الأطراف المجروحة، ولم تتغير تلك النظرة في دول الغرب إلا في ثمانينيات القرن الماضي. نقص أعداد أطقم التمريض يؤثر بشكل سلبي للغاية على جهود الأطباء، إذ لا يمكن الاستغناء عن الممرضين والممرضات بأي شكل، وهو ما يأتي ليضاعف خسائر المؤسسات العلاجية الناشئة في ظل العجز في أعداد الأطباء أنفسهم".

قلة هم الذكور العاملين في مهنة التمريض (خالد دسوقي/ فرانس برس)
قلة هم الرجال الذين يمتهنون التمريض (خالد دسوقي/فرانس برس)

وبحسب أحكام القانون المصري: "لا يجوز مزاولة مهنة التمريض إلا لمن كان اسمه مقيداً في السجلات التي تعدها وزارة الصحة والسكان لهذا الغرض، وكذلك في جداول نقابة مهنة التمريض. ويجدد الترخيص بمزاولة المهنة كل خمس سنوات وفقاً للأوضاع التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون".
أما نقيب التمريض في الإسكندرية سهى مصطفى، فتشير إلى أمر آخر، وهو ازدياد هجرة العاملين في التمريض إلى خارج مصر للاستفادة من ارتفاع الأجور. تضيف أن التمريض "أصبح أحد أهم بوابات المصريين للهجرة إلى دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة. العديد من البرامج والمسارات أصبحت جاهزة لاستقطاب العاملين في التمريض بمصر، وتملأ المنصات المختلفة إعلانات لإغرائهم بالرواتب الكبيرة وتأمين المستقبل والعمل الهادئ المريح من دون ضغوط. في المقابل، لا تطلب إلا خبرة مهنية بسيطة في حدود عامين فقط".
وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأن أزمة العجز في أطقم التمريض تواجه القطاع الصحي الحكومي فقط، يقول رئيس قسم الموارد البشرية في إحدى المؤسسات العلاجية في الإسكندرية، أحمد بدر، لـ "العربي الجديد"، إن المستشفيات الخاصة تضطر إلى رفع أجور التمريض بشكل يرهق ميزانيتها، ما يدفعها إلى تحميل المريض مبالغ كبيرة، ورغم ذلك تستمر الأزمة. الافتقار إلى التدريب المناسب معضلة كبرى نعانيها أيضاً، ما يجبرنا على إنفاق أموال طائلة لتوفير تدريب مستمر للممرضات لتلبية متطلبات الرعاية الصحية".

ويوضح أن مهنة التمريض أهم بكثير مما يتصوره البعض، كون العامل في هذه المهنة مسؤولاً عن تقديم الجزء الأكبر من خدمات الرعاية الصحية في المستشفيات، وهو العمود الفقري لأي مؤسسة علاجية. مع ذلك، لا تكترث الدولة للأمر كثيراً، ولا تعمل على زيادة قدرات كليات التمريض على استيعاب أعداد أكبر من الطلاب والخريجين، أو تطوير إمكانيات تلك الكليات، والتي تأتي في ترتيب متأخر للغاية أو خارج التصنيف العالمي. 
وعن سبب خروج كليات التمريض من التصنيف العالمي أو تأخرها فيه، يوضح بدر: "تعتمد تصنيفات كيو إس للجامعات العالمية على ستة معايير رئيسية: السمعة الأكاديمية، وسمعة صاحب العمل، ونسبة أعضاء هيئة التدريس إلى الطلاب، والاستشهادات العلمية لكل كلية، ونسبة أعضاء هيئة التدريس الدوليين، ونسبة الطلاب الدوليين، وهي عوامل متراجعة بشدة في مصر". 
وكان عبد الغفار قد أعلن في وقت سابق أن عدد خريجي التمريض ليس بالسيئ، لكن هناك سوء توزيع للتمريض على المستشفيات والتخصصات، مشيراً إلى بدء العمل على تغيير منظومة التكليف لتكون في ضوء الاحتياج الفعلي. والتكليف مصطلح يطلق على تعيين خريجي الكليات الطبية في مصر، في المستشفيات والمراكز الطبية الحكومية مباشرة عقب التخرج وقضاء سنة الامتياز، وذلك بالإجبار.

المساهمون