"رفع العلم الفلسطيني في القدس المحتلة"، هي التهمة التي وجهها الاحتلال الإسرائيلي للمرأة التونسية الفلسطينية هالة عثمان الشريف، التي أمضت نحو 48 ساعة رهن الاعتقال والتنكيل على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يتم الإفراج عنها عند منتصف الليلة الماضية، بعدما اعتقلت من قلب مسيرة الأعلام الاستيطانية في باب العامود في مدينة القدس أول من أمس الثلاثاء.
"رفعت علمنا، علم فلسطين، أمام مئات الأعلام الصهيونية عند باب العامود في القدس المحتلة، فلم تحتمل دولتهم المدججة بالسلاح رؤية علم واحد لفلسطين، فسحلوني وضربوني واعتقلوني"، تقول الشريف لـ"العربي الجديد" بعد ساعات من الإفراج عنها من سجن الرملة.
لا تذكر عدد الجنود الذين انهالوا عليها لكماً وركلاً، قبل سحلها إلى مركز تحقيق المسكوبية، حيث شتمت على مدى ساعات. تضيف: "أخبرني المحقق أنه في حوزتي سكين، وكنت أرتدي معطفاً وتحته قميص. سألته أين السكين الذي تتحدث عنه؟ هذه كذبة كبيرة. حاول أن تختار كذبة أفضل. أنتم مدربون على الكذب وسرقة أراضي الغير".
أحد محققي الاحتلال صبّ غضبه على هالة، وقال لها إن الهدف من رفعها العلم هو "بروباغندا" للقدس وفلسطين. تتابع: "سألني محقق آخر إذا ما كنت فلسطينية مولودة في تونس. فأجبته أنني تونسية الأصل وفلسطين هي بلدي الذي تزوجت منها القائد المرحوم عثمان أبو غربية منذ أكثر من ثلاثة عقود، وأعيش هنا وسأموت وأدفن إلى جانب زوجي في القدس".
"أنا فلسطينية تونسية"، هكذا تعرف الشريف عن نفسها، هي التي تتحدث اللهجة الفلسطينية بطلاقة. وقد لا ينتبه أحد إلى كونها تونسية إلا إذا قصدت التحدث بلهجتها عن مسقط رأسها، حيث ارتبطت بعثمان أبو غربية.
وجهت نيابة الاحتلال تهمتين إلى الشريف؛ الأولى هي رفع علم فلسطين في القدس، والثانية ادعاء انتحال شخصية صحافية. وتوضح أن الاحتلال خشي أن تتحول التهمة الأولى إلى دعاية للشريف، فيما لم يستطع إثبات الثانية، "فقرر القاضي الإفراج عني".
والشريف أم لأربع فتيات وجدة. ولمن لا يعرفها، فهي رياضية تواظب على ركوب الدراجة الهوائية. كما اعتادت السير مسافات طويلة خلال التظاهرات، سواء في الشوارع أو الجبال الوعرة. وتعرضت أكثر من مرة لإصابات مباشرة بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المعدني، كما حاول الاحتلال اعتقالها أكثر من مرة.
ويعرف ناشطون فلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي الشريف من خلال كتاباتها اليومية لزوجها الراحل عثمان أبو غربية، الذي توفي إثر مضاعفات عملية جراحية أجراها في إبريل/ نيسان عام 2016. ما زالت تكتب له بشكل يومي، وتتحدث معه وكأنه لم يرحل، في انعكاس لقصة الحب والزواج الطويلة التي جمعتهما.
وتنشط الشريف منذ سنوات في كل أشكال المقاومة الشعبية، وتتواجد عند النقاط الساخنة من أقصى شمال الضفة الغربية إلى أقصى جنوبها، وهي معروفة لدى جميع أهالي القرى التي تقاوم الاستيطان مثل كفر قدوم في قلقيلية أو شوفة وونزلة عيسى في طولكرم، وبورين وبيت دجن وبيت فوريك في نابلس وقرى بيت لحم والخليل وسلفيت، أو تلك القرى والبلدات التي يجثم جدار الفصل العنصري على صدور أهلها ويمنعهم من الوصول إلى أراضيهم ومحاصيلهم الزراعية، خصوصاً الزيتون. وتشارك في مختلف أشكال المقاومة الشعبية، الأمر الذي أدى إلى إصابتها مراراً بالاختناق أو الكدمات أو الجروح من جراء قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع.