رغم المخاطر والصعوبات الكبيرة التي تواجههم في "طرق الموت" التي يسلكونها للهروب من بلدهم والهجرة واللجوء إلى دول أخرى، يصرّ سوريون كثيرون على الوصول إلى أماكن أكثر أماناً، وجلباً لفرص العمل والعيش الكريم.
فخ الحدود بين تركيا وبلغاريا
في سبتمبر/ أيلول الماضي، حاول الشاب كمال (22 عاماً)، الوصول إلى أوروبا، لكنه يعيش حالياً صدمة ما تعرض له على الطريق، قبل أن يعود أدراجه، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا أنسى مظهر الكلاب حين هاجمتنا أنا وصديقي عند الفجر في غابة على الحدود بين تركيا وبلغاريا. وبعد مرور فترة من الحادثة، ما زلت أشعر بأن أنياب الكلاب تنغرس في ذراعي. كان الجنود قساة جداً معنا، وأظهروا وحشية أكثر من الكلاب نفسها التي هاجمتنا. ضربونا بهراوات وبنادق، وتركوا الكلاب تهاجمنا. حاولت في البداية إبعاد كلب عني، فانهال علي الجنود بالضرب، ثم تركوه يهاجمني، ونظروا إلى الواقعة وهم يضحكون إلى كيفية نهشه يديّ وساقيّ، وهو ما حصل لرفيقي ايضاً، في حين تعرض شبان آخرون معنا، وأحدهم مغربي، للضرب فقط. وبلغت قساوة الاعتداء درجة التسبب في فقدان الوعي، ما يعني أنه لم يكن لمجرد الضرب، بل للانتقام والاستهزاء، ويمكن وصفه بأنه سلوك غير بشري إطلاقاً".
يتابع: "راودتني دائماً فكرة الذهاب إلى أوروبا، وشجعني أصدقائي على تنفيذها لأن الحياة هناك أسهل، والعمل متوفر، وكذلك فرص الدرس. أخذت وقتي في التفكير ثم حسمت الأمر كوني لم أستطع إكمال قسط الجامعة الذي عملت 10 أشهر لمحاولة تسديده. وبعدما أوقفت الدراسة قررت الذهاب عبر طرق التهريب باستخدام خريطة لتحديد موقع وجودي، وتمثلت الخطة في أن أعبر الحدود البلغارية ثم أركب قطاراً للوصول إلى صربيا التي أستطيع التوجه منها إلى هولندا التي كانت وجهتي".
ويشرح أنه قبل أن يتوجه إلى أدرنة، جهّز أطعمة معلبة وملابس ومستلزمات أخرى وضعها في حقيبة، ثم غادر إلى نقطة الانطلاق عند الساعة 11 ليلاً، ويقول: "بقينا نحو يوم كامل في الغابة، في انتظار الوقت المناسب للعبور. وفي اليوم التالي قطعنا الحدود البلغارية قبل الفجر، وبدأنا في السير، وأخبرنا المهرب الذي كان يرشدنا بأننا يجب أن نسير حوالى 7 ساعات لنصل إلى محطة القطار، وقد عبرنا من مكان في الشريط الحدودي مغطى بقصب وألواح خشب، وسرنا لمدة 5 ساعات ليلاً، ثم وقع صديقي الذي يعاني من الربو على الأرض، وكانت إحدى الخطط أن نتركه مع المهرب ليعود معه، لكن صديقي رفض ذلك، وقررنا أن نبقى جميعاً معاً في النقطة ذاتها حتى يتمالك قواه، وهو ما فعلناه لمدة ساعة، حيث رصد الجنود في بلغاريا موقعنا وطوقونا، وأطلقوا الكلاب علينا، وجرى ما جرى لنا".
يضيف: "أعادونا سيراً إلى النقطة التي عبرنا منها الحدود، وعلمت من حديث أحد الجنود أنهم عرفوا بدخولنا من خلال فخ المعبر المموّه في الشريط الحدودي، ولم يلاحقونا مباشرة كونهم يعرفون الطريق الذي نسير فيه، وكلابهم مدربة على فعل ذلك. حالياً أفكر في تكرار التجربة، لكن ليس عن طريق بلغاريا. وحتى اليوم يتملكني الخوف من التجربة التي يصعب نسيانها".
من الرقة إلى اليونان
وفي واقعة أخرى، قطع أحمد وشقيقه عمار، وهما من مدينة الرقة، طريقاً طويلاً من مدينة الرقة للوصول إلى إسطنبول والانتقال منها إلى اليونان، ثم ألقي القبض عليهما، وأعيدا إلى تركيا. وتكررت محاولاتهما للخروج لكن حظهما العاثر حال دون ذلك، كما قال أحمد لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "الوضع في مدينة الرقة أصبح صعباً للغاية. وفر والدي مبلغاً من المالي بعدما باع قطعة أرض يملكها في الرقة. وحين أكملنا تجهيزاتنا اتجهنا عبر طرق التهريب إلى منطقة تل أبيض التي عبرنا منها الحدود التركية وصولاً إلى مدينة أورفا، وكان الطريق صعباً للغاية، قبل أن ينقلنا المهرب الذي نسقنا العملية معه إلى إسطنبول ومنها إلى أدرنة، حيث نفذنا محاولتنا الأولى للعبور إلى اليونان عبر ركوب مركب مطاطي (بلم)، لكنها فشلت بسبب المخاطر الكبيرة في البحر. وحين تنبه خفر السواحل اليوناني للعملية التي هدفت إلى التوجه إلى جزيرة، نقلنا المهرب إلى جزيرة صغيرة لتجنب احتمال اعتقالنا، في حين لم نكن نستطيع العودة إلى الأراضي التركية. وبقينا على الجزيرة الصغيرة خمسة أيام، حتى نفد الطعام منا، علماً أننا كنا نجلب الماء من نهر، ولم نعد نملك إلا خيار العودة إلى تركيا. وخلال بحثنا في الجزيرة، وجدنا قارباً مطاطياً جهزناه للعودة إلى الأراضي التركية، لأن القارب المطاطي الذي جئنا به غرق قبل أن نصل إلى الجزيرة، لكن هذا القارب المطاطي غرق أيضاً قبل وصولنا إلى الشاطئ التركي، ما حتم إكمالنا المسافة الباقية سباحة. وكانت هذه المحاولة الأولى، أما الثانية فحصلت ليلاً، ونجحنا فيها في بلوغ منطقة يونانية، حيث جلسنا للراحة، وقرر المهرب لعب الورق مع بعض الأشخاص. ووسط الصراخ والصخب عثرت دورية يونانية علينا، وكنا حوالى 50 شخصاً قبضوا علينا وأخذوا كل ما نملكه، حتى الملابس والهواتف الخليوية، وتركونا على الحدود التركية. وعند عودتنا أجبرنا على السير 5 ساعات بلا أحذية تحت عيون حرس الحدود التركي، ووصلنا إلى بلدة، انتقلنا منها إلى إسطنبول حيث نعرف صديقاً قديماً لوالدي، ودفعنا 4500 ليرة تركية (240 دولاراً) لسائق سيارة أوصلنا إليه، ثم أقمنا عنده عدة أيام قبل أن نعيد المحاولة ففشلنا أيضاً، وعدنا إلى إسطنبول مجدداً، بعدما سلب اليونانيون منا كل ما نملك.
وفي محاولتنا الرابعة الأخيرة، ألقى حرس الحدود التركي في أدرنة القبض علينا قبل أن نبلغ حدود بلغاريا، وبقينا في السجن أكثر من أسبوع".
تجدر الإشارة إلى أنه في سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن وزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراشي أن حرس حدود بلاده أوقف اكثر من 154 ألف مهاجر سري على الحدود البرية والبحرية منذ مطلع العام الحالي، بينهم 50 ألفاً حاولوا العبور خلال أغسطس/ آب الماضي تحديداً.