ركّزت الكثير من الدراسات على تأثيرات فيروس كورونا الصحية والنفسية، لكن التأثيرات الأكاديمية لم تأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام على الرغم من أهميتها، بحسب ما خلصت إليه نتائج الاختبارات الوطنية الأميركية الأخيرة.
وكشفت الاختبارات التي أجريت على الطلاب في سن التاسعة تراجعاً ملحوظاً بمواد الرياضيات والقراءة إلى مستويات لم تسجلها الولايات المتحدة منذ عقدين، وتبين أن الطلاب من جميع الأجناس والمستويات سجلوا نقاطاً متراجعة مقارنة مع آخر اختبار أجري عام 2020، بحسب ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، اليوم الخميس.
ووفق النتائج، تباين الانخفاض في مادة الرياضيات ما بين ثلاث نقاط إلى 12 نقطة.
وتبين أنّ الطلاب من أصحاب البشرة السوداء فقدوا 13 نقطة، مقارنة بخمس نقاط للطلاب البيض، ما يزيد من الفجوة بين الفئتين، ولا سيما أنّ الكثير من المدارس في المجتمعات الملونة في الولايات المتحدة اضطرت إلى مواصلة "التعليم عن بعد" لفترات أطول من غيرها، بسبب تأثيرات الفيروس.
أما بالنسبة للقراءة، فقد تبين أنّ انخفاض الدرجات ناتج عن عدم قدرة الطلاب على فهم النصوص كاملة، فيما جزء من الطلاب لم يكن قادراً على فهم ما يقرأه بالكامل.
ويمكن أن تكون لهذه النتائج عواقب وخيمة على جيل من الأطفال بات عليه تجاوز الأساسيات في المدرسة الابتدائية لتحقيق النجاح في وقت لاحق، بحسب ما تورده الصحيفة نقلاً عن خبراء.
وتُترجم خسارة نقطة واحدة في الامتحان الوطني تقريباً إلى نقص في التعليم لنحو ثلاثة أسابيع، وهذا يعني أنّ الطالب صاحب الأداء الأفضل والذي فقد ثلاث نقاط في الرياضيات يمكنه اللحاق وتعويض ما فاته في أقل من تسعة أسابيع، بينما يحتاج الطالب ذو الأداء المنخفض الذي فقد 12 نقطة إلى 36 أسبوعاً، أو ما يقرب من تسعة أشهر لتعويض النتيجة.
نتائج صادمة
لم تخفِ مفوضة المركز الوطني لإحصاءات التعليم (وكالة فيدرالية) بيجي جي كار، والتي أشرفت على امتحانات في وقت سابق من هذا العام، تفاجئها من هذه النتائج، وقالت "تم إجراء الاختبارات على عينة وطنية من 14800 طفل يبلغون من العمر 9 سنوات، وتمت مقارنتها بنتائج الاختبارات التي أجرتها الفئة العمرية نفسها في أوائل عام 2020، كان الأداء ما قبل الفيروس وما بعده صادماً جداً".
هذه النتائج، بحسب جي كار، تشير إلى احتمال كبير ألا يتمكن الطلاب من إكمال مسيرتهم الدراسية، إذ يمكن أن يؤثر الضعف في الأساسيات الخاصة بالرياضيات والقراءة على مستقبلهم الدراسي، وقد يقلل من احتمال تخرجهم من الثانوية العامة والالتحاق بالجامعة.
تقييم أساسي
يعتبر التقييم الوطني للتقدم التعليمي معياراً مهماً لتقييم الطلاب على مستوى الولايات المتحدة ككل. وعلى عكس اختبارات الولايات منفردة، فإنّ هذا التقييم يساعد في فهم مستقبل التعليم في الولايات المتحدة، التي تعد واحدة من الدول الرائدة في هذا المجال.
منذ سنوات، كان الاتجاه العام في التعليم الأميركي مرتفعاً، بمعنى كانت الاختبارات تأتي دائماً بنتائج تصاعدية منذ بدء إجراء الاختبار لأول مرة في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، ولذا فإنّ النتائج الجديدة تعد صادمة وتشير إلى ضعف في مستوى التعليم، وفق الصحيفة.
وعلى الرغم من أنّ موجة الوباء التي ضربت الولايات المتحدة كانت متباينة بين منطقة وأخرى، إذ أعيد فتح المدارس في العديد من الولايات بالخريف الأول للوباء، أي في العام 2020، إلا أنه في مناطق أخرى بقيت المدارس مغلقة، واضطر المدرسون إلى استخدام المنصات الإلكترونية لتلقين الطلاب وتعليمهم، بيد أنّ تأثير الفيروس كان سلبياً جداً.
وطالبت مديرة مدارس شيكاغو العامة جانيس ك.جاكسون، التي أدرات هذه المدارس حتى العام الماضي، وهي الآن عضو مجلس إدارة منظمة "مدراء من أجل التغيير" الخاصة بالتعليم، الحكومة الفيدرالية بضرورة الإسراع في إيجاد أفكار جديدة أو خطط على غرار "خطة مارشال" الاقتصادية، التي ساعدت في بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، من أجل إنقاذ الطلاب في الولايات المتحدة.
واعتبر الأستاذ في كلية الدراسات العليا بجامعة هارفارد مارتن ويست، وهو عضو مجلس إدارة التقييم الوطني الذي يشرف على الاختبار، أن إمكانية تصحيح النتائج قد لا تكون سهلة، ويتعين على الطلاب ذوي الأداء المنخفض بذل المزيد من الوقت في التعلم، سواء كان ذلك على شكل دروس خصوصية أو ممتدة في أيام المدرسة أو المدرسة الصيفية.
وخصصت الحكومة الفيدرالية 122 مليار دولار لمساعدة الطلاب على التعافي، وهو أكبر استثمار منفرد في المدارس الأميركية، ولا بد، بحسب الخبراء، من إنفاق 20% على الأقل من هذه الأموال للحاق بالركب الأكاديمي، ومع ذلك فهناك العديد من التحديات، بما في ذلك النقص في الكادر التعليمي.
نتائج هذا الاختبار سبق وحذرت منها دراسات أميركية في بداية الوباء، وعلى الرغم من عدم إجراء أي مسح إحصائي حول المستوى التعليمي، إلا أنّ دراسة صادرة في العام 2020، عن مركز "إيديوتوبيا" الأميركي المتخصص بالشؤون التعليمية، حذرت من أنّ الوباء سيترك تأثيرات أكاديمية على الطلاب.
ووفق دراسة المركز، سيقضي فيروس كورونا على شهور من المكاسب الأكاديمية، إذ توقعت الدراسة أن يبدأ الطلاب العام الدراسي الجديد حينها، أي عام 2021، بمتوسط 66% من مكاسب التعلم في القراءة، و44% من مكاسب التعلم في الرياضيات، مقارنة بالمكاسب التي تحققت في العام الدراسي النموذجي.