أتاحت تركيا للاجئين السوريين اختيار ولايات سكنهم بحرّيّة، منذ بداية الهجرة هرباً من الموت والاعتقال منذ عام 2011، ما زاد الإقبال على مدن جنوبي البلاد المحاذية للحدود السورية ثمّ إسطنبول، في حين لم يزد سوريون في عدد من الولايات البعيدة عن العشرات. على سبيل المثال، زاد عدد السوريين في ولاية كيليس عن الأتراك، فيما فاق عدد السوريين في ولاية غازي عنتاب 450 ألفاً، وفي إسطنبول 524 ألفاً. وهو ما دفع تركيا، في خلال العام الماضي، إلى البدء في إعادة النظر في توزّع اللاجئين السوريين، فأوقفت منح بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك) في إسطنبول، في حين زادت المحفّزات المقدّمة في ولايات أخرى مثل بايبورت التي يعيش فيها 25 سورياً فقط.
ويتساءل سوريون في تركيا: هل يمكن لأنقرة أن تعيد النظر في توزيع السوريين، فتلزم بعضاً منهم بتغيير مكان إقامته لتخفيف الضغط، خصوصاً في ولايات تشهد مشكلات مستمرة، مثل أضنة، حيث يتزايد تحريض الأحزاب المعارضة التي ترى أنّ السوريين أخذوا حصة الأتراك في فرص العمل، وهم سبب الفقر وزيادة نسبة البطالة بين أهل البلاد؟
يقول عضو اللجنة السورية التركية المشتركة، جلال ديمير، لـ"العربي الجديد"، إنّه "لا يمكن لتركيا أن تلزم السوريين بالإقامة في ولاية ما، لكنّها قد تسلّط الضوء على فرص العمل والمعيشة في بعض الولايات التي لم يسكنها السوريون. فتركيا لا تفكّر في استغلال السوريين وترى أنّهم يقيمون بين أهلهم هنا". يضيف أنّ "القضية دولية وموضوع متاجرة، إذ تنظر تركيا إلى السوريين، منذ بدء استقبالهم في عام 2011، من منظور إنساني ليس إلاّ، ولا تفكر كما يشاع في توطينهم. بل هي تتمنّى أن تُحلّ قضية إخوتنا السوريين غداً ليعودوا إلى بيوتهم وأراضيهم، فيما تبقى تركيا مفتوحة لهم في أيّ وقت للزيارة وحتى للإقامة".
ويعيد ديمير سبب إقبال أعداد كبيرة من السوريين على مدن جنوبي تركيا، إلى "القرب من سورية، وربّما لأنّ فيها من يجيد اللغة العربية. فالسوريون حينما هربوا من الظلم في بلادهم كانوا يشعرون بالغربة والخوف ولا يجيدون اللغة التركية". وعن نسبة السوريين الذين اختاروا المخيمات، يقول ديمير، وهو مدير مخيم نزيب السابق، إنّ "طلب السوريين في البداية كان على المخيمات، لأنّها تقدّم فرص العيش نفسها على الصعد الاجتماعية والصحية والمعيشية تماماً كما المدن، إنّما مجاناً. وقد سكن في المخيمات نحو 600 ألف سوري، لكنّهم بعد تعلّم اللغة ومتابعة دراستهم وطلب فرص العمل والاندماج، خرج كثيرون من المخيمات، فلا يزيد عددهم اليوم في المخيمات الستّة القائمة عن 200 ألف سوري". ويوضح ديمير أنّه "في الآونة الأخيرة، وبسبب الإقبال الزائد على بعض الولايات مثل كيليس وعينتاب وإسطنبول، شدّدت تركيا القيود ومنعت الانتقال إلى تلك الولايات. والسبب اجتماعي بحت، وهو تقليل المشكلات وتفادي أيّ آثار سلبية، خصوصاً بعدما فاق عدد التلاميذ السوريين في بعض المدارس عدد التلاميذ الأتراك، فعمدت وزارة التعليم إلى تحديد نسبة السوريين. كذلك، لجأت إلى ترغيبهم في السكن في ولايات قلّما زارها السوريون".
وكانت وسائل إعلامية تركية قد نشرت أخيراً تقارير حول توزّع السوريين مقارنة بالأتراك، فأشارت صحيفة "سوزجو"، على سبيل المثال، إلى أنّ نسبة السوريين في كيليس ارتفع إلى 74.8 في المائة، أي أنّ كلّ ثلاثة سوريين فيها يقابلهم مواطن تركي. يأتي ذلك في حين لا يزيد عدد السوريين في ولاية بايبورت عن 23 سورياً، تليها أرتفين حيث يعيش 38 سورياً، ثمّ تونجلي حيث يعيش 43 سورياً.
وبحسب الصحيفة التركية نفسها، فإنّ اللاجئين السوريين يشكّلون في تركيا 4.45 في المائة من عدد السكان، إذ يبلغ عددهم ثلاثة ملايين و672 ألفاً و646 سورياً، يعيش مليون و414 ألفاً منهم في المناطق الحدودية مثل غازي عينتاب، وهاتاي، وأورفة، وكيليس. وتبقى إسطنبول الولاية المفضّلة لدى السوريين، إذ يعيش فيها أكثر من 525 ألفاً و241 سورياً.
في سياق متصل، يقول أستاذ علم الاجتماع، رجب شان تورك، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تركيا لم تتعاطَ مع الإخوة السوريين على أنّهم مقيمون دائمون، بل القصة كانت في بداياتها فتح الحدود والبيوت والمخيمات لهم، بهدف حمايتهم من الموت والتعذيب. وهي حتى الآن تراهم إخوة هربوا من بلادهم بشكل مؤقّت، وتتمنّى لهم السلامة والعودة إلى بيوتهم وأعمالهم".
وحول عدم تعامل تركيا مع اللاجئين السوريين، كما فعلت الدول الأوروبية، من خلال توزيعهم على الولايات بنسب معينة تفادياً لأزمات ديموغرافية واجتماعية، يشرح شان تورك أنّ "السوريين لجأوا إلى الولايات القريبة من الحدود في البداية، ربّما لأملهم في العودة السريعة إلى بلدهم أو بسبب جهلهم العادات واللغة. ثمّ توزّعوا بحسب توفّر فرص العمل وإقامة معارفهم وأقاربهم، لذا لم تتدخل أنقرة، لأنّها تعي أنّ من شأن ذلك التقليل من الشعور بالغربة، بالإضافة إلى أنّ ذلك يوفّر راحة اجتماعية لهم". ويتابع شان تورك أنّ "لهذه التجربة جانباً سلبياً واحداً فقط، وهو كما نرى في بعض الولايات، زيادة السوريين مقارنة بالأتراك، الأمر الذي تسبّب في بعض المشكلات. لكنّ التجربة التركية أكثر نضوجاً وديمقراطية من التجربة الأوروبية، فهنا لم يتمّ التدخّل في إسكان السوريين جغرافياً، ولم يجرِ إغراؤهم بالمال للتوجّه إلى ولاية أو دولة أخرى مثلما يحدث في الدول الأوروبية".