"ما من بطالة مقنّعة كما يدّعي البعض. خلو الدوائر الحكومية من الموظفين، على الرغم من قرارات التعيين الوظيفي الكثيرة، ليس دليلاً على ذلك، فالجميع يعمل"، كما يقول المواطن منصور الهاشمي. ويشير مسؤولون عملوا في عدد من الوزارات في مختلف الحكومات التي تعاقبت على ليبيا إلى وجود بطالة مقنعة (ممارسة توظيف عدد أكبر من العمال بدون حاجة أو لتبني إجراءات عمل تبدو غير مجدية)، إذ إن الموظفين الحكوميين يتقاضون رواتب من دون أن يتواجدوا في مقار العمل لأسباب عدة، منها وجود من يغطي غيابهم، وارتفاع نسبة التوظيف في بعض القطاعات الحكومية، ما يضطر مسؤولين في القطاعات إلى إبعاد الموظفين الجدد شرط التوقيع اليومي في سجل الحضور ثم الانصراف إلى شؤونهم.
الهاشمي الذي يعمل في القطاع الزراعي، يدير دكاناً يبيع فيه الحبوب واللقاحات النباتية، يسأل: "من يرضى أن يعيش معتمداً على راتب قليل لا يكفي لتأمين الاحتياجات الأساسية والعيش الكريم؟ جميع الموظفين يعملون في مهن أخرى وشركات خاصة، أو لديه مشاريع خاصة. ما من بطالة مقنعة. ولا يجب أن يتحدث أي مسؤول عن ذلك إلا في حال كانت الرواتب تكفي لتأمين الأساسيات والكماليات في حياة المواطن".
يتابع الهاشمي أن "غلاء المعيشة والارتفاع المستمر في الأسعار جعلا المواطن غير قادر على تأمين احتياجاته من خلال الاعتماد على راتبه، بل من الظلم أن يعمل يومياً بدوام كامل لقاء راتب لا يكفي لتأمين معيشة طفل واحد، علماً أن متوسط عدد الأطفال في الأسر الليبية هو حوالي أربعة. وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أكد تقرير ديوان المحاسبة (أعلى جهة رقابية في الدولة)، أن عدد موظفي القطاع العام في الدولة تجاوز مليوني موظف، وذلك بعد تعيين 244 ألفاً و439 موظفاً جديداً العام الماضي.
وكان وزير العمل والتأهيل بحكومة الوحدة الوطنية علي العابد، قد أشار إلى انخفاض نسبة الباحثين عن عمل من 340 ألفاً إلى 220 ألفاً، ما يعني تراجع نسبة البطالة، علماً أن آخرين يرون أن ما يحدث يساهم في زيادة البطالة المقنعة، إذ لا يمكن لمؤسسات الدولة استيعاب كل هذه الأعداد الكبيرة من الموظفين الجدد في قطاعاتها، وخصوصاً أنها لا تحتاج إلى هذا العدد.
من جهته، يقول أستاذ إدارة الأعمال حمزة عبد المالك لـ "العربي الجديد": "إذا كان ضرر البطالة المقنعة هو استنزاف أموال الخزانة العامة، فتتحمل الحكومات المسؤولية كونها لم تطلق أية برامج اقتصادية تقلل من حجم إقبال المواطن على الوظيفة الحكومية. كما أنها لم ترفع الرواتب لتناسب حجم احتياجات الموظف الذي يضطر للبحث عن أعمال إضافية لمواجهة متطلبات الحياة الي تزيد يوماً بعد يوم".
ويرى عبد المالك أن تصريحات المسؤولين منافية للواقع، موضحاً أن "من يعتبر أن هذه النسب هي دليل على انخفاض نسبة البطالة، فهو يتجاوز الواقع وحقيقة أن الموظفين الجدد لن يقبلوا العيش برواتب متدنية وسيبحثون عن وظائف وأعمال إضافية. العمل أوسع من الوظيفة الحكومية. كما أن الأعمال الإضافية أكثر نفعاً للبلاد".
إلى ذلك، حصل علي بوحولية على وظيفة حكومية منذ نحو عام بقرار من المجلس البلدي في منطقته في مدينة زليتن (الساحل الغربي لليبيا)، واعتاد تسجيل حضوره يومياً في مقر المجلس بانتظار أن يوجهه المجلس ورفاقه الموظفون الجدد للبدء في أعمالهم الجديدة. ويقول لـ "العربي الجديد": "انتظرنا نحو عام. وفي كل مرة كان يقال لنا إن القطاعات مزدحمة بالموظفين، انتظروا حتى نجد شواغر لكم لكنكم الآن موظفون بحكم القانون وستصرف لكم رواتب بكل تأكيد. مللت الانتظار وأخبرت كبار مسؤولي المجلس بأنني مهندس ميكانيكي لكنني أجيد مهنة الطلاء في الوقت نفسه. وعقدت اتفاقاً مع إدارة مستشفى المدينة برفقة بعض الزملاء لطلاء بعض الأقسام التي أجريت لها صيانة حديثاً في مقابل بدل مالي. وهذا العمل لا علاقة له بتوظيفي في المجلس".
ويتحدث عن صديق حصل على وظيفة حديثا في هيئة الرقابة الإدارية وبقي فترة من دون أن يحددوا له مكاناً للعمل. ويقول: "على الرغم من أنه لم يؤد أي عمل، إلا أن راتبه الأساسي صرف له فور تعيينه، لكنه طلب إجازة من دون راتب لمدة عام ليعمل في شركة محاسبة خاصة، ليتمكن من تطوير قدراته والعمل ضمن فرق الشركة في مراجعة وضبط حسابات أكثر من جهة حكومية".
ويرى عبد المالك أن "هؤلاء عينة من مئات الموظفين الذين يعملون في مهن أو وظائف أكثر أهمية ونفعاً للبلاد من الوظائف الحكومية التي تفتقر إلى الخطط التنموية المدروسة"، مضيفاً: "يملك البعض مزارع يعتنون بها أو يديرون دكاكين أو محال تجارية. كما أن بعض ربات البيوت يعملن في مجال الخياطة".