استمع إلى الملخص
- أحمد بن شمسي يوضح أن التقرير تأخر بسبب الحاجة للتوثيق الدقيق، ويؤكد ارتكاب إسرائيل جرائم ضد الإنسانية عبر التهجير القسري، مشيراً إلى تحديات المناصرة في المناخ الجيواستراتيجي الحالي.
- التقرير يدعو لإدانة التهجير كجريمة حرب، والضغط على إسرائيل لوقف الجرائم، ويطالب المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق، وتعليق نقل الأسلحة لإسرائيل لتجنب التواطؤ.
بعد مرور أكثر من عام على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً أكدت فيه تسبب السلطات الإسرائيلية في النزوح القسري الجماعي والمتعمد للمدنيين الفلسطينيين في غزة، ومسؤوليتها عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
على امتداد عشرة أشهر إلى سنة، عملت منظمة "هيومن رايتس ووتش" على تحليل قانوني لما يشهده قطاع غزة من عدوان مستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وأصدرت، في تقرير من 154 صفحة بعنوان "يائسون، جائعون، ومحاصرون: تهجير إسرائيل القسري للفلسطينيين في غزة"، خلاصة مفادها أن السلطات الإسرائيلية تسببت في النزوح القسري الجماعي والمتعمد للمدنيين الفلسطينيين في غزة منذ أكتوبر 2023، وهي مسؤولة عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأكدت عدم وجود سبب عسكري قهري معقول لتبرير تهجير إسرائيل الجماعي لجميع سكان غزة تقريباً، وغالباً لمرات عدة. وبدلاً من ضمان أمن المدنيين، تسببت "أوامر الإخلاء" العسكرية بأذى جسيم. ويُنشر التقرير، اليوم الخميس، بينما تتواصل الحملة العسكرية الإسرائيلية على شمال غزة وقد تسببت على الأرجح في موجة جديدة من النزوح القسري لمئات آلاف المدنيين.
وبدأ المؤتمر الصحافي المغلق الذي عقدته منظمة "هيومن رايتس ووتش" بسؤال طرحه مدير التواصل والمرافعة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أحمد بن شمسي، وهو لماذا تأخرت المنظمة؟ والجواب هو الحاجة إلى التوثيق الدقيق والتحليل القانوني قبل إصدار أي نتائج أو اتهامات قانونية، وأكد أن التقرير أثبت ارتكاب إسرائيل جرائم ضد الإنسانية من خلال التهجير الجماعي القسري، واعتماد نظام إجلاء غير منسق وغير دقيق يعرض المدنيين للخطر، ودفعهم للذهاب إلى طرقات غير آمنة ثم قصفها، وعدم توفير الغذاء والماء والمأوى ومنع المساعدات على عكس ما تقتضي قوانين الحرب، وجعل أجزاء كبيرة من غزة غير صالحة للسكن، وهو ما يرقى إلى التطهير العرقي.
وعمل التقرير تحت غطاء المادة 49 من اتفاقية جنيف، التي تنص على ما يلي: "يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى محتلة أو غير محتلة، أيا كانت دواعيه. مع ذلك، يجوز لدولة الاحتلال أن تقوم بإخلاء كلي أو جزئي لمنطقة محتلة معينة، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية. ولا يجوز أن يترتب على عمليات الإخلاء نزوح الأشخاص المحميين إلا في إطار حدود الأراضي المحتلة، ما لم يتعذر ذلك من الناحية المادية. ويجب إعادة السكان المنقولين على هذا النحو إلى مواطنهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في هذا القطاع".
ورداً على سؤال حول أسباب عدم إشارة التقرير إلى ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية، أشار بن شمسي إلى أن الإبادة الجماعية مصطلح قانوني لم تصل إليه المنظمة خلال تحليلاتها القانونية، إلا أن هذا لا يعني أنها لن تصل إليه، إذ إن المنظمة مستمرة في تحقيقاتها. وعما إذا كان النزوح دائماً، أشارت المنظمة إلى أن الكثيرين مقيدون في مساحة ضيقة في غزة، والدمار كبير وشامل، وهو ما سيحول دون قدرة كثيرين على العودة، وبالتالي من المحتمل أن يكون النزوح دائماً.
ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" عن سبب تأخر "هيومن رايتس ووتش" في التوصل إلى نتائج تدين إسرائيل على غرار منظمات أخرى، أبدى بن شمسي بداية احترامه لكل المنظمات، قائلاً: "استنتاجاتنا المختلفة لا تعني أننا مختلفون معها، بل إن تقريرنا يضاف إلى تراكم الجهود الحقوقية. في ما يخصنا، نقدم دلائلنا عندما نكون واثقين منها". كما أكدت المسؤولة عن الأبحاث مفتوحة المصدر والعضوة في مختبر التحقيقات الرقمية غابي إيفنز قائلة: "نحن نتحدث عن استنتاجات قانونية، وبالتالي علينا جمع عدد كبير من الأدلة".
وفي ما يتعلق بتأثير مثل هذا التقرير، أوضح بن شمسي أن "جهود المناصرة ليست سهلة في ضوء المناخ الجيواستراتيجي الذي نعيش فيه. ندرك أن هذ المناخ موجود، لكن هذا لا يعني أننا لن نواصل جهود المناصرة والدفع نحو المساءلة بانتظار أن يفتح باب كما جرى مع محكمة العدل الدولية". كما تحدثت العضوة في مختبر التحقيقات الرقمية ميلينا أنصاري، عن الدول المتواطئة في جريمة الحرب، مشيرة إلى أننا "سنصل إلى وقت تحاسب فيه الدول على ما يحدث في قطاع غزة. في هولندا، رفعت 3 منظمات غير حكومية تعنى بحقوق الإنسان دعوى قضائية ضد الحكومة الهولندية مرة جديدة، مؤكدة أن الحظر على تزويد إسرائيل بقطع لمقاتلات من طراز إف-35 لم يتم احترامه عملياً. وهذا هو نوع الضغط على الدول، وقد ينطبق على الولايات المتحدة".
أوامر الإخلاء غير متسقة وغير دقيقة
وأكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقريرها، تهجير إسرائيل القسري للفلسطينيين في غزة، وسلوك السلطات الإسرائيلية الذي أدى إلى نزوح أكثر من 90% من سكان غزة (1.9 مليون فلسطيني)، وإلى تدمير واسع النطاق لأجزاء كبيرة من غزة على مدار الأشهر الـ13 الماضية. ونفّذت القوات الإسرائيلية عمليات هدم متعمدة ومنظمة للمنازل والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك في المناطق حيث يُفترض أنها تهدف إلى إنشاء "مناطق عازلة" و"ممرات" أمنية، والتي من المرجح أن يتم تهجير الفلسطينيين منها بشكل دائم، خلافاً لادعاءات المسؤولين الإسرائيليين، التي لا تمتثل أفعالهم لقوانين الحرب.
وقالت الباحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في "هيومن رايتس ووتش" نادية هاردمان: "لا يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تدعي أنها تحافظ على أمن الفلسطينيين عندما تقتلهم على طول طرق الهروب، وتقصف ما تسميه بمناطق آمنة، وتقطع عنهم الطعام والمياه والصرف الصحي. انتهكت إسرائيل بشكل صارخ التزامها بضمان عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، حيث هدمت كل شيء تقريباً في مناطق واسعة".
وقابلت "هيومن رايتس ووتش" 39 نازحاً فلسطينياً في غزة وحللت نظام الإخلاء الإسرائيلي، بما في ذلك 184 أمر إخلاء وصور الأقمار الصناعية التي تؤكد الدمار واسع النطاق. وتحققت من فيديوهات وصور لهجمات على المناطق المحددة بأنها آمنة وطرق الإجلاء. ولا تُجيز قوانين النزاع المسلح التي تنطبق على الأراضي المحتلة تهجير المدنيين إلا بشكل استثنائي، لأسباب عسكرية قاهرة أو لأمن السكان، وتتطلب ضمانات وأماكن إقامة مناسبة لاستقبال المدنيين النازحين. ويزعم المسؤولون الإسرائيليون أنه نظراً لأن الجماعات الفلسطينية المسلحة تقاتل من بين السكان المدنيين، فإن الجيش الإسرائيلي أمر بإجلاء المدنيين بشكل قانوني لمهاجمة هذه الجماعات مع الحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين. وتُظهر أبحاث "هيومن رايتس ووتش" أن هذا الادعاء خاطئ.
وليس هناك سبب عسكري قهري معقول لتبرير التهجير الجماعي الذي قامت به إسرائيل لجميع سكان غزة تقريباً. وغالباً ما تم ذلك مرات عدة، كما وجدت "هيومن رايتس ووتش". وألحق نظام الإجلاء الإسرائيلي ضرراً بالغاً بالسكان، وغالباً ما كان هدفه نشر الخوف والقلق فقط بدلاً من ضمان الأمن للمدنيين النازحين. كما ضربت القوات الإسرائيلية مراراً وتكراراً طرق الإجلاء والمناطق الآمنة المحددة.
وكانت أوامر الإخلاء غير متسقة وغير دقيقة وفي كثير من الأحيان لم يتم إبلاغ المدنيين بها قبل وقت كافٍ للسماح بعمليات الإخلاء، أو لم يتم إبلاغهم بها على الإطلاق. ولم تراعِ الأوامر احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم ممن لا يستطيعون المغادرة دون مساعدة.
إسرائيل ملزمة بتوفير التسهيلات للنازحين
بصفتها سلطة الاحتلال، تعتبر إسرائيل ملزمة بضمان توفير التسهيلات الكافية لإيواء المدنيين النازحين، لكن السلطات منعت وصول جميع المساعدات الإنسانية الضرورية والمياه والكهرباء والوقود إلى المدنيين المحتاجين في غزة، باستثناء جزء يسير منها. ألحقت الهجمات الإسرائيلية أضراراً ودمرت الموارد التي يحتاجها الناس للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والبنية التحتية للمياه والطاقة والمخابز والأراضي الزراعية.
إسرائيل ترتكب جرائم ضد الإنسانية في غزة https://t.co/OuqvhDWTsO
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) November 14, 2024
وبحسب التقرير، فإن إسرائيل ملزمة أيضاً بضمان عودة النازحين إلى منازلهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في المنطقة. لكنها بدلاً من ذلك، جعلت مساحات شاسعة من غزة غير صالحة للسكن. هدم الجيش الإسرائيلي عمداً البنية التحتية المدنية أو ألحق بها أضراراً جسيمة، بما في ذلك عمليات هدم المنازل بشكل ممنهج، بهدف مفترض هو إنشاء "منطقة عازلة" ممتدة على طول حدود غزة مع إسرائيل وممر يقسم غزة. هذا التدمير الهائل يشير إلى نية تهجير العديد من السكان بشكل دائم.
ويقول التقرير إن على إسرائيل أن تحترم حق المدنيين الفلسطينيين في العودة إلى المناطق التي هجرتهم منها في غزة. فمنذ ما يقرب من ثمانية عقود تنكرت السلطات الإسرائيلية لحق العودة لـ80% من سكان غزة من اللاجئين وأحفادهم الذين طُردوا أو هربوا عام 1948 مما يُعرف الآن بإسرائيل، في ما يسميه الفلسطينيون "النكبة". وتتشابك الانتهاكات الجارية مع تاريخ الفلسطينيين في غزة، ويقول العديد ممّن قابلناهم إنهم يعيشون نكبة ثانية.
إعلان نية التهجير
ومنذ الأيام الأولى للعدوان، أعلن كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية ومجلس شؤون الحرب عن نيتهم تهجير السكان الفلسطينيين في غزة. وصرح وزراء الحكومة بأن أراضي القطاع ستتقلص وأن نسف غزة وتدميرها بالكامل "أمر رائع"، وأن الأراضي ستُمنح للمستوطنين. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، قال وزير الزراعة آفي ديختر: "نحن الآن بصدد تنفيذ نكبة غزة".
ووجدت "هيومن رايتس ووتش" أن التهجير القسري كان واسع النطاق، وتُظهر الأدلة أنه كان منهجياً وجزءاً من سياسة الدولة. وتُشكل هذه الأعمال أيضا جريمة ضد الإنسانية.
ومن المرجح أن يكون التهجير المنظم والعنيف الذي تقوم به السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة، وهم مجموعة عرقية مختلفة، مخططاً له أن يكون دائماً في المناطق العازلة والممرات الأمنية. وترقى هذه الأعمال التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية إلى التطهير العرقي، بحسب المنظمة.
وواجه ضحايا الانتهاكات الجسيمة في إسرائيل وفلسطين جداراً من الإفلات من العقاب لعقود من الزمن. يعيش الفلسطينيون في غزة في ظل حصار غير قانوني منذ 17 عاماً، وهو ما يشكل جزءاً من الجرائم ضد الإنسانية المستمرة، المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد، التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بحسب التقرير.
وقف الجرائم
وقال التقرير إنه يتوجب على حكومات العالم أن تُدين علناً التهجير القسري الذي تُمارسه إسرائيل بحق المدنيين في غزة باعتباره جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وعليها الضغط على إسرائيل لوقف هذه الجرائم فوراً والامتثال للأوامر الملزمة المتعددة الصادرة عن "محكمة العدل الدولية" والالتزامات المنصوص عليها في رأيها الاستشاري الصادر في يوليو/ تموز.
كما يتوجب على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يُحقق في تهجير إسرائيل للفلسطينيين ومنعهم من ممارسة حقهم في العودة، باعتباره جريمة ضد الإنسانية. ينبغي للحكومات أيضاً أن تدين علنا الجهود الرامية إلى ترهيب مسؤولي المحكمة والمتعاونين معها والتدخل في عملها. أضاف أنه ينبغي لحكومات العالم أن تتبنى عقوبات محددة الأهداف وغيرها من التدابير، بما في ذلك مراجعة اتفاقياتها الثنائية مع إسرائيل، للضغط على الحكومة الإسرائيلية للامتثال لالتزاماتها الدولية بحماية المدنيين.
كما يتوجب على الولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى أن تُعلّق على الفور عمليات نقل الأسلحة والمساعدات العسكرية إلى إسرائيل. من جهة أخرى، فإن الاستمرار في تزويد إسرائيل بالأسلحة يعرضها لخطر التواطؤ في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وقالت هاردمان: "لا يمكن لأحد أن يُنكر الجرائم الفظيعة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة. نقل المزيد من الأسلحة والمساعدات إلى إسرائيل من قبل الولايات المتحدة وألمانيا وغيرهما هو بمثابة تفويض مطلق بارتكاب المزيد من الفظائع، ويعرضهم بشكل متزايد لخطر التواطؤ في ارتكابها".