قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الأربعاء، إنّ الحكومة المصرية و"أكاديميك أسيسمسنت ليميتيد"، وهي شركة بريطانية خاصة، كشفتا على الإنترنت لأشهر كميات كبيرة من المعلومات الشخصية الخاصة بعشرات الآلاف من الأطفال، وأن ذلك "ينتهك خصوصيتهم، ويعرضهم لخطر الأذى الجسيم، ويبدو أنه ينتهك قوانين حماية البيانات في كل من مصر وبريطانيا".
مصر: عشرات آلاف الطلاب معرضون لخطر الأذى https://t.co/Ktv3S2HieO
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) April 19, 2023
وأكدت المنظمة الدولية أن البيانات الحساسة شملت أكثر من 72 ألف سجّل تتضمن أسماء الأطفال، وتواريخ ميلادهم، ونوعهم الاجتماعي، وعناوين سكنهم، وعناوين بريدهم الإلكتروني، وأرقام هواتفهم، والمدارس التي يرتادونها، وصفوفهم الدراسية، وصور ملفاتهم الشخصية، ونسخا من جوازات سفرهم أو هوياتهم الوطنية. وبقيت البيانات متاحة دون حماية على الإنترنت لثمانية أشهر على الأقل. وعرّفت السجلات 110 أطفال بالاسم بأن لديهم شكل من أشكال الإعاقة.
وعلّقت هاي جونغ هان، وهي باحثة ومدافعة عن حقوق الأطفال والتكنولوجيا في المنظمة، قائلة: "عبر إتاحة معلومات الأطفال الخاصة دون اكتراث، تُخاطر الحكومة المصرية و(أكاديميك أسيسمسنت) بتعريض الأطفال لضرر جسيم. على مدى أشهر، سمحوا لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت بمعرفة من هم هؤلاء الأطفال، وأين يعيشون ويذهبون إلى المدرسة، وكيف يمكن التواصل معهم مباشرة".
عبر إتاحة معلومات الأطفال الخاصة دون اكتراث، تُخاطر الحكومة المصرية وأكاديميك أسيسمسنت بتعريض الأطفال لضرر جسيم
وخضع الطلاب لامتحان "إيجيبشيان سكولاستيك" ("إي إس تي EST")، والذي تطلبه الجامعات المصرية من طلبة "الدبلومة الأميركية"، وهو منهاج المرحلة الثانوية باللغة الإنكليزية في مصر. وتضمنت البيانات غير المحمية 356.797 ملفا، وشملت الأطفال الذين تقدموا بطلب التقدم للامتحان بين سبتمبر/أيلول 2020 وديسمبر/كانون الأول 2022.
وتضمنت البيانات غير المحمية أيضاً أسماء ومواقع الجامعات التي تقدّم الطلاب بطلبات للالتحاق بها، ونتائج امتحاناتهم، وما إذا كانوا قد دفعوا رسوم التسجيل للامتحان، وأيضا ملاحظات تفصيلية حول الطلاب أخذها المراقب الذي راقب امتحانهم، بما يشمل مزاعم "سلوك غير أخلاقي" و"لن يسكت، وجّهنا له عدة تحذيرات وحاول الغش عدة مرات"، و"متأخر متأخر متأخر".
وقالت المنظمة إنّ انكشاف معلومات سرية كهذه يُهدد سلامة هؤلاء الأطفال، ويُعرّض خطر إساءة استخدام بياناتهم واستغلالها الأطفال لأضرار جسيمة، منها انتحال الشخصية، والابتزاز، والاستغلال الجنسي، وقد تكون له عواقب طويلة المدى تؤثر على الفرص المتاحة لهم.
ويعود الفضل في انكشاف البيانات لناثانيال فرايد، المؤسس المشارك لشركة "أندوين"، وهي شركة برمجيات لحلول الأعمال، وراجعتها "هيومن رايتس ووتش".
ووجد تحليل إضافي أجرته المنظمة أن الطلبة المتضررين ينتمون لجميع محافظات مصر الـ27. وتبيّن أن عددا قليلا من الطلاب، 0.2 بالمائة أو 168، كانوا من دول أخرى: الجزائر، البحرين، جزر القمر، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، عُمان، فلسطين، قطر، السعودية، السودان، سورية، أو الإمارات.
أنشأت وزارة التربية والتعليم المصرية امتحان القبول EST في سبتمبر/أيلول 2020، بعد أسبوعين من قيام شركة "كوليدج بورد" الأميركية بتعليق إجراء امتحان القبول بالجامعات المعروف بـ"سات" في مصر إلى أجل غير مسمى، بسبب "حوادث متكررة تتعلق بتأمين سرية الامتحان". وبحلول وقت إجراء الامتحان المصري للمرة الثانية في مارس/آذار 2021، أعلن وزير التعليم آنذاك طارق شوقي أنه سيكون "الامتحان الوحيد المعترف به للقبول في الجامعات المصرية المحلية لطلبة الدبلومة الأميركية".
في مارس/آذار 2022، بدا أن ملكية الامتحان تغيرت من الحكومة المصرية إلى شركة "إيجيبشن سكولاستيك تيست ليميتيد" البريطانية التي تأسست في 2021، وتغير اسمها في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إلى "أكاديميك أسيسمسنت".
وأُزيل الموقع الإلكتروني للامتحان الذي تملكه الحكومة في مارس/آذار 2022 واستُبدل بموقع يشير إلى أن "الامتحان المصري مملوك لشركة "أكاديميك أسيسمسنت" في لندن". ونأت الحكومة المصرية بنفسها عن الامتحان علنا بعد بضعة أشهر، حيث صرح شوقي بأن الوزارة "لا علاقة لها" بالامتحان الذي "تديره مؤسسة دولية مقرها بريطانيا، وليس وزارة التربية والتعليم المصرية".
وتتضمن قاعدة البيانات غير المحمية سجلات الأطفال التي جمعتها كل من الحكومة و"أكاديميك أسيسمسنت"، قبل التغيير الواضح في الملكية وبعده.
وأكدت المنظمة أنه "ليس من الواضح بالضبط متى أو لماذا أو كيف باعت الحكومة أو نقلت ملكية الامتحان وبيانات طلابه إلى (أكاديميك أسيسمسنت)". كما لم تجد "هيومن رايتس ووتش" أدلة على طرح مناقصة شراء عامة، وقالت إنه ليس واضحا أيضا السبب الذي دفع الحكومة إلى بيع أو تسريب التفاصيل الشخصية الحساسة الخاصة بالأطفال الذين تقدموا للامتحان، مثل حالة الإعاقة، والتي ليست ضرورية للشركة لتدير الامتحان.
ولم ترد الحكومة المصرية ولا "أكاديميك أسيسمسنت" على أسئلة "هيومن رايتس ووتش" حول تغيير الملكية، أو ما إذا كانت الحكومة قد اشترطت أن توفر "أكاديميك أسيسمسنت" الحماية للبيانات التي بيعت أو نُقلت إليها.
لم ترُد وزارة التربية والتعليم المصرية ولا "المجلس القومي لحقوق الإنسان" على طلب مكتوب من المنظمة في فبراير/شباط 2023 لإصلاح انكشاف البيانات. قال المدير التنفيذي لـ"أكاديميك أسيسمسنت" حبيب خليل الصايغ إن الشركة أخذت الأمر على محمل الجد وأجرت تحقيقا، لكنه رفض الإجابة عن أسئلة "هيومن رايتس ووتش".
البيانات غير المحمية مضافة إلى خوادم "ويب أمازون سيرفيسز"، وهي خدمات التخزين التابعة لـ"أمازون". وظلت البيانات متاحة حتى إزالتها في 15 مارس/آذار، بعدما أبلغت "هيومن رايتس ووتش" أمازون بانتهاك خصوصية بيانات الأطفال. ورفضت أمازون التعليق.
ورغم عدم تأكيد الحكومة أو الشركة ملكية البيانات، فإن انكشافها ينتهك خصوصية الأطفال. ويبدو أن ذلك ينتهك أيضا قوانين حماية البيانات في مصر وبريطانيا، والتي تشترط على الهيئات التي تتعامل مع بيانات تعريف شخصية حمايتها وضمان أمانها، وإخطار الحكومة والمستخدمين المتأثرين فورا في حالة خرق البيانات، حسب المنظمة، بينما يضمن دستور البلاد الحق في الخصوصية. كما صادقت مصر على "اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل"، والتي تضمن حق الأطفال في الخصوصية، وهو أمر حيوي لضمان سلامتهم ومصلحتهم وكرامتهم.