تنتشر الورش الصناعية في العديد من الأحياء الداخلية، في المدن العراقية، لا سيما في العاصمة بغداد، وهو ما يسبّب الإزعاج للأهالي، فضلاً عن الضرر البيئي، وإن كان هذا الخيار يعود بالفائدة على البعض
تحوّلت الورش الصناعية داخل الأحياء السكنية في العراق إلى مصدر إزعاج لأهالي العديد من المدن العراقية، وذلك إثر انتقال البعض من المناطق الصناعية والأماكن المسموح العمل بها إلى أحيائهم، مستغلين ضعف الرقابة الرسمية من جهة، وسعيهم إلى التهرّب من الضرائب وبدلات الإيجار المرتفعة من جهة أخرى، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية تؤثّر بالمواطنين كثيراً.
وفي الوقت الذي تسبب فيه هذه الورش أذىً نفسياً وبيئياً للبعض، يرى آخرون أن قربها من منازلهم يوفر عليهم عناء التنقل.
يعترف فائز العجيلي (57 عاماً) بأنه وفّر مليوناً و250 ألف دينار (نحو 1050 دولاراً) حين نقل عمله من محلّ كان يستأجره في منطقة الشيخ عمر الصناعية التي تعتبر أكبر وأشهر منطقة صناعية في العاصمة بغداد، إلى مرأب بيته، محوِّلاً إياه إلى ورشة صغيرة. في الوقت نفسه، يؤكد أن عودته إلى المناطق الصناعية "ستكون سريعة حالما تعود أحوال البلاد إلى ما كانت عليه قبل أكثر من عشرين عاماً".
العجيلي، ميكانيكي سيارات، يساعده في عمله أولاده الثلاثة الذين تعلموا المهنة من والدهم. يقول لـ"العربي الجديد" إنه مستاء من تركه المنطقة الصناعية ومزاولة عمله في بيته، لكن "كلفة العمل في المناطق الصناعية باتت مرتفعة مع وجود منافسة كبيرة ووجود آلاف الورش، يضاف إليها ضعف الحالة المادية للمواطن الذي يبحث عن كلفة أقل حين يضطر إلى إصلاح سيارته". ويقول إن ربحه جيد، رغم أسعاره المنخفضة. ويلفت إلى أنه قادر على التحكم في الوقت، لكونه يعمل داخل منزله.
خيار العجيلي وغيره من أصحاب الورش، بالعمل في المناطق السكنية أو استغلال منزل العائلة وتحويله الى ورشة، "صبّ في مصلحة صاحب العمل والزبون، لكنه بالتأكيد ليس في مصلحة البيئة السكنية".
واختار غازي فيصل، الذي يعمل في طلاء السيارات، الخيار نفسه، وحوّل جزءاً من حديقة منزله إلى ورشة لمزاولة عمله، قائلاً لـ "العربي الجديد" إنه يعمل أحياناً في الشارع أمام منزله حين يكون ضغط العمل كبيراً. وعلى الرغم من "المكسب الجيد" الذي يحقّقه، يعترف بمساهمته في إلحاق الأذى بجيرانه. يضيف: "يقدّرون ما أنا عليه. إنه عملي الذي أكسب منه قوت عائلتي. أحياناً، يعاتبني جيراني لأنني أسبّب إزعاجاً لهم". يضيف: "من المؤكد أن عملي هذا غير دائم، وسأعود يوماً ما إلى الحيّ الصناعي الذي كنت أعمل فيه. فأنا لست سعيداً أيضاً بإتلاف حديقة منزلي".
إلى ذلك، يقول أحد شيوخ مجلس عشائر بغداد، عبد العظيم الدليمي، إنّ "مجالس شيوخ العشائر في أحياء مختلفة من بغداد تلقت شكاوى عدة بسبب أضرار سبّبتها الورش الصناعية داخل الأحياء السكنية". ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "هذه المشاكل تُحَلّ من قبل مجالس العشائر داخل المناطق السكنية"، مشيراً إلى أن "الباحثين عن عمل أصبحوا يستغلون منازلهم ويحولونها إلى ورش صناعية إن كانوا من أصحاب المهن أو يشاركون آخرين أعمالهم. لذلك، باتت هذه المهن تنتشر داخل الأحياء السكنية، منها ورش الحدادة وميكانيك السيارات وورش إصلاح مولدات الكهرباء والأجهزة الكهربائية وغيرها، التي لا تتناسب وبيئة المنطقة السكنية".
في المقابل، يرى البعض أن وجود هذه الورش في مناطق سكنهم، رغم مضارِّها، يعود بالفائدة عليهم، وهو ما يؤكده يونس عزيز الذي يقطن في حيّ العامرية، أحد أحياء بغداد الغربية، ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ جاره الذي يصلح كهرباء السيارات، يملك بيتاً صغيراً استغل ناصيته ليحوّلها إلى ورشة يعمل فيها. في الزقاق الذي لا يزيد عرضه على عشرة أمتار، تصطف السيارات، ما يؤدي إلى إغلاق الشارع أحياناً، إلا أن أحداً لا يعرب عن انزعاجه. يضيف أنه وغيره من السكان يستفيدون من هذه الورش لكونها "قريبة من منازلنا، ما يجعلها متاحة في أي وقت، وتوفر علينا الوقت والجهد والمال للذهاب إلى المناطق الصناعية، كذلك فإن الأسعار مناسبة أيضاً". هذه الإيجابية التي يعبّر عنها بعض السكان لا يمكن أن تخفف من وطأة "الضرر الكبير" الذي يلحق بهم، كما يقول آخرون.
وتؤكد براء حسن، في حديثها لـ "العربي الجديد"، أن والدها اضطر إلى بيع منزل الأسرة بسبب الضوضاء الناتجة من الورش الكثيرة الموجودة على مقربة من المنزل. تضيف: "حوّل جارنا جزءاً من حديقته إلى ورشة حدادة. وبتنا نسمع ضجيج الآلات والمطارق وأصواتها وكأنها موجودة داخل بيتنا. واضطرّ والدي إلى أن يقدم شكوى ضد جارنا، لكن دون جدوى".
ولا يسمح القانون العراقي بفتح ورش صناعية داخل الأحياء السكنية. في الوقت نفسه، يُقال إن الجهات الرقابية تتغاضى عنها في مقابل رشىً يدفعها أصحاب هذه الورش.
إلا أن مسؤولاً في أمانة بغداد، التي تتكفل بالأعمال البلدية في العاصمة بغداد، يقول لـ "العربي الجديد" إن هناك خطة موجودة منذ سنوات تقضي بترحيل كل هذه الورش إلى مناطق صناعية خاصة تُنشأ على أطراف المدن. يضيف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن خطة نقل هذه الورش وإقامة مدن صناعية قد تُنفَّذ في السنوات المقبلة، مشيراً إلى أن "ما يعيشه المواطنون من ضائقة نتيجة الحروب والإرهاب وتردي الوضع الاقتصادي، كلها أسباب أسهمت في تراخي الجهات الرسمية في تطبيق القانون".