الوضع الوبائي في مصر، يبدو مطمئناً إذا قيس بعدد إصابات كورونا اليومي المتراجع، لكنّه ليس كذلك على مستوى عدد الوفيات، وتعثر التلقيح
بينما تتراجع نسب الوفيات بفيروس كورونا الجديد في كثير من دول العالم حتى وصلت إلى 2.2 في المائة في المتوسط العالمي بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، زادت في الآونة الأخيرة في مصر إلى مستوى غير مسبوق، حتى بلغت 5.84 في المائة من المصابين، وذلك بالتزامن مع فتح باب التسجيل رسمياً لتلقيح كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة من خلال الموقع الإلكتروني التابع لوزارة الصحة، أمس الأول الأحد. لم تعلن الحكومة، حتى الآن، عن خطتها لتوزيع اللقاحات على من سيتقدمون للتسجيل، سواء ما يتعلق بمواعيد التلقيح أو نوع اللقاح، لكنّها أعلنت فقط عن أماكن التلقيح المخصصة على مستوى البلاد. وأرجعت مصادر بوزارة الصحة ذلك إلى عدم توفر كميات كافية حتى الآن من نوع واحد من اللقاح لتعميمه على المستوى الوطني، مرجحة أن يلقح المواطنون الذين سيسجلون خلال المرحلة الأولى من عمل الموقع الإلكتروني بلقاح "سينوفارم" الصيني الذي وصلت كميات إضافية منه الأسبوع قبل الماضي إلى القاهرة، من إجمالي 300 ألف جرعة هدية من الحكومة الصينية للشعب المصري.
وعلى الرغم من تراجع التشكيك العلمي في كفاءة "سينوفارم" مقارنة باللقاحات الأخرى، خصوصاً اللقاح الصيني الآخر "سينوفاك" الذي تتفاوض مصر لإنشاء مصنع مخصص له فيها، فإنّ الإقبال عليه بين الطواقم الطبية ما زال ضعيفاً، فبحسب المصادر لم يتجاوز عدد من تم تلقيحهم بالفعل في مستشفيات العزل على مستوى البلاد خمسة آلاف حتى الآن، أي عشرة آلاف جرعة، وبنسبة لا تتعدى 25 في المائة من إجمالي عدد الأطباء والممرضين والعاملين الإداريين بمستشفيات العزل وحدها. وهو ما اعتبرته اللجنة التنسيقية لإدارة الأزمة فشلاً كبيراً، اتخذت إزاءه قراراً جديداً بفتح باب التلقيح للطواقم الطبية بجرعات لقاح "أسترازينيكا/ أوكسفورد" المصنّع في الهند، والذي تملك مصر منه حالياً خمسين ألف جرعة فقط، مع الأمل في تحقيق إقبال أكبر من الطواقم الطبية على التلقيح.
وبالتوازي مع ذلك، تبحث اللجنة مع هيئة الشراء الموحد إمكانية السماح لمجموعات استثمارية في القطاع الصحي الخاص باستيراد اللقاحات وبيعها للجمهور بفارق "محدد" عن الأسعار التي ستبيع بها الدولة اللقاحات للقادرين، بحسب ما ذكرت المصادر، التي أشارت إلى أنّ المستثمرين لن يتمكنوا، في كلّ الأحوال، من جلب لقاحات مختلفة عما يستخدم في المستشفيات الحكومية والعسكرية والجامعية، لكنّ الفارق سيكون في الكميات ومدى توافرها في وقت معين، مع ترجيح أن يتم ذلك قبل الخريف المقبل في أبعد تقدير. وسبق لمصادر في مجلس الوزراء الكشف أنّ الغالبية العظمى من اللقاحات ستوزع مقابل مبلغ مالي يختلف بحسب نوعها، وربما يختلف أيضاً بحسب مقدم الخدمة نفسها، وما إذا كان المواطن سيحصل عليها في المراكز العامة الخاصة باللقاح أو المستشفيات أو بمعرفته الشخصية. وكشفت مصادر الصحة أنّه بعد موافقة "أسترازينيكا" على توريد شحنات من لقاحها، وكذلك مركز "غاماليا" الروسي على توريد شحنات من لقاح "سبوتنيك في" تجري مفاوضات حالياً بين هيئة الشراء الموحد التي يسيطر عليها الجيش والاستخبارات العامة مع بعض الدول للحصول على شحنات إضافية بمبالغ أعلى قبل الصيف المقبل، في محاولة للوصول إلى تأمين مليون جرعة لقاح قبل تحوّر الفيروس مرة أو مرتين، بما يمكن أن يؤثر على فاعلية اللقاحات الحالية، وبما يمكّن القطاع الصحي من السيطرة على معدل الوفيات المتضخم.
وذكرت المصادر أنّه، لأول مرة، منذ بدء الجائحة، صدرت تعليمات من دائرة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي للأجهزة المختصة الأسبوع قبل الماضي لبحث السبل العملية لكبح زيادة نسبة الوفيات، في تعبير مباشر عن القلق من هذا التطور، خصوصاً مع تراجع أعداد الإصابات عموماً في الأيام الأخيرة، إلى حد ادعاء بعض المسؤولين أنّ البلاد تخطت ذروة الموجة الحالية. والفارق بين الحالة الراهنة بتزايد نسبة الوفيات منذ بداية الشهر الماضي وبين أعلى متوسطات الوفيات المسجلة خلال الموجة الأولى من الجائحة، أنّ النسبة لم تكن ترتفع بهذه السرعة في ظلّ ثبات غير طبيعي في الأعداد (ما بين 49 و52 وفاة في معظم الأيام) والتي لا تتناسب مع انخفاض الإصابات المسجلة يومياً إلى ما دون 650 - وأحياناً ما دون 600- مما يؤكد استمرار الخلل في أعمال التتبع والترصد الوبائي والتشخيص والتعامل السريع مع الإصابات.
ووفقاً للمصادر فإنّ النسبة الإجمالية لشغل الأسرّة في المستشفيات الحكومية المعدة لعزل المصابين حالياً عادت للارتفاع بعد انخفاض ملحوظ نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، لكنّها لا تزيد على 50 في المائة، في الوقت الذي قد يُعتقد فيه أنّه مؤشر على تجاوز الأزمة بعد الوقت الصعب الذي مرت به البلاد في بداية العام الجاري، عندما شهدت أزمة نقص إمدادات الأوكسجين ونقص الطاقة الاستيعابية. لكن، من منظار موضوعي آخر يعتبر مؤشراً على عدم سيطرة الدولة على انتشار الإصابات خارج المنظومة الصحية الرسمية، وبصفة خاصة حالات العزل المنزلي، والحالات التي لم تشخص، والحالات المتعاملة بصورة اعتيادية مع إصابتها، وتلك الفئة الأخيرة تمثل بحسب المصادر النسبة العظمى من مصابي الفيروس في مصر.
وكانت مصادر صحية قد شرحت سابقاً أنّ التعامل المتأخر مع إصابات أصحاب الأمراض المزمنة، والنقل المتأخر للمصابين بحالات خطيرة إلى المستشفيات والذي يساهم في زيادة نسب الوفيات، يعبّر عن أزمة انفصال الشارع عن المنظومة الصحية الرسمية، خصوصاً بعد اكتساب المواطنين خبرة تراكمية للتعامل مع الأعراض الخفيفة والمتوسطة للإصابة، من خلال انتشار بروتوكولات العلاج المختلفة وتوصيات الأطباء عبر صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. كذلك، ساعد على هذا الأمر توفر الأدوية في الصيدليات والمستشفيات الخاصة، وعدم وقوع عجز كبير في الأدوية الأساسية، والسماح للمختبرات الخاصة بإجراء تحاليل "بي سي آر" والاعتماد في العموم على الفحوص والأشعة.
خارج المنظومة الصحية
يتخوف المواطنون المصريون من التوجه إلى المستشفيات، لدى اشتباههم في الإصابة بكورونا، بسبب شكاوى المصابين وذويهم من ضعف الإمكانات وعدم توفر الأسرّة، خصوصاً في وحدات العناية المركزة. هذا الأمر تسبب في بقاء عدد كبير من المصابين خارج المنظومة الصحية، إذ لم يُفحَصوا ولم يجرِ تسجيلهم، بل اعتمدوا على أنفسهم، أو على أطباء في التشخيص، على أساس الأعراض فقط.