يوم الأرض... فلسطينيو غزة يفشلون مخطط التهجير

29 مارس 2024
يصر الفلسطينيون على البقاء رغم العدوان (سعيد الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- يوم الأرض هذا العام يأتي في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، مع تجربة نزوح وتهجير لـ1.1 مليون نسمة، مما يعيد ذكرى النكبة الفلسطينية 1948 ومحاولات الاحتلال لتهجير الفلسطينيين.
- الفلسطينيون يظهرون تمسكًا بأرضهم ورفضًا للتهجير، متحدين الضغوط الإسرائيلية من قتل وتدمير، في تعبير عن روح المقاومة والتحدي للسياسات الإسرائيلية.
- يوم الأرض يبرز إصرار الفلسطينيين على البقاء ورفض التهجير القسري، وسط ضغوط دولية لإنهاء النزاع، لكن الاحتلال يستمر في محاولات تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي لغزة، مما يؤكد على استمرار الصراع.

تمر ذكرى يوم الأرض هذا العام وسط أوضاع وسيناريوهات غير متوقعة عاشتها القضية الفلسطينية على مدار 6 أشهر نتيجة الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، والتي ضمت يومياتها وتفاصيلها جوانب من وقائع النكبة الفلسطينية في عام 1948، خصوصاً ما يتعلق بالتهجير.
وعلى مدار الأشهر الستة الماضية، ذاق قرابة 1.1 مليون نسمة مرارة النزوح والتهجير من مكان إلى آخر في قطاع غزة،  وعاش عشرات الآلاف منهم في خيام في محاكاة لنكبة الأجداد الذين هجّرتهم العصابات الصهيونية التي احتلت فلسطين.
وكان هدف الحكومة الائتلافية الإسرائيلية معلناً وواضحاً، وهو تهجير الفلسطينيين من غزة نحو شبه جزيرة سيناء المصرية، أو إقناع دول أخرى باستضافتهم. غير أن الصمود الفلسطيني كان لافتاً في وجه آلة الحرب، ما أحبط فكرة التهجير القسري، وجعل الاحتلال يطرح فكرة التهجير الطوعي في محاولة للالتفاف على تشبث الفلسطينيين بالأرض.

واستخدم الاحتلال كل أدوات الضغط المعتادة المتمثلة في القتل والتدمير والتجويع لدفع سكان غزة إلى مغادرة القطاع، متحدياً كل المطالبات الأممية والدولية، والتي تجلت في قرارات محكمة العدل الدولية، والتي تنص بوضوح على ضرورة الالتزام بحماية المدنيين، ووقف التجويع والإبادة، لكن الاحتلال يواصل مخالفة تلك القرارات.

يسعى الاحتلال إلى تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي في قطاع غزة

ترى الستينية الفلسطينية أم أحمد عودة أن الاحتلال يسعى إلى تكرار النكبة الفلسطينية من خلال تهجير سكان غزة من مكان إلى آخر، وتكرار عمليات النقل التي يتعرض لها الفلسطينيون طوال أيام الحرب التي أوشكت على نصف عام كامل. وتقول الفلسطينية التي نزحت من مدينة غزة لـ "العربي الجديد": "الجميع متمسكون بالعودة إلى منازلهم التي خرجوا منها بفعل الحرب الإسرائيلية، ويرفضون فكرة التهجير إلى أي مكان في العالم مهما كلف الأمر من أثمان. قدم الفلسطينيون آلاف الشهداء والجرحى، علاوة على جرائم الاعتقال والتعذيب التي ارتكبها الاحتلال في حق الفلسطينيين خلال عمليات النزوح، لكن ذلك لا يمكن بحال من الأحوال أن يجعلنا نتخلى عن أرضنا ووطننا".
يتفق معها الشاب أحمد إسماعيل، مؤكداً تمسكه بالبقاء في أرضه، ورفضه فكرة التهجير مهما فعل الاحتلال. ويقول لـ "العربي الجديد"، إن "ما أظهره الفلسطينيون من صمود يستحق أن يخلده التاريخ، وأن يتعامل معه الساسة بمزيد من التقدير من خلال ترتيب البيت الداخلي وإصلاحه بما يعزز صمود جميع الفلسطينيين".

فلسطيني يحاول تهيئة منزله للعيش بعد قصفه (فرانس برس)
فلسطيني يحاول تهيئة منزله للعيش بعد قصفه (فرانس برس)

بدوره، يقول مدير مركز عروبة للأبحاث، أحمد الطناني، إن "تزامن يوم الأرض هذا العام مع استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة، والتي حملت من بين أهدافها دفع الأهالي إلى الهجرة القسرية، يجعل من يوم الأرض مناسبة يؤكد بها أهل غزة تمسكهم بأرضهم، وإفشالهم محاولات التهجير".
ويوضح الطناني لـ "العربي الجديد"، أن "أهالي شمال قطاع غزة قدموا نموذجاً ملحمياً في الصمود على الأرض، وإفشال مخططات إفراغ شمال القطاع من سكانه، وتحويله إلى كومة من الركام تمهيداً لتغيير جغرافي يقتطع المناطق العازلة التي يبحث عبرها الاحتلال عن أمن مستوطناته في جنوب فلسطين المحتلة".
ويرى أن "الحرب في قطاع غزة تقف على مفترق طرق، فإما الوصول إلى اتفاق جزئي يمكن أن يُشكل حلقة ضمن حلقات متتالية وصولاً إلى وقف كامل لإطلاق النار بالقطاع، أو دخول الحرب في دوامة الدوائر المفرغة التي ستفضي إلى استنزاف لا محدود للشعب الفلسطيني ومقاومته، وللاحتلال الذي يخوض حرباً من دون أهداف واضحة"، بحسب قوله.
ويضيف: "هناك ضغوط كبيرة على حكومة الاحتلال حالياً للوصول إلى اتفاق، ومن الصعب تكراره في حال مرور شهر رمضان بهدوء، لأن عامل الضغط الجماهيري على الحكومات، ومعركة الرأي العام، والتخوف من انتقال شرارة الحرب، أو تحولها إلى حرب إقليمية لها ارتداداتها على شكل المنطقة وخريطتها، وعلى منظومة مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وكل هذا يزيد من حساسية الفترة الحالية، ما يتطلب استثماراً أفضل للظرف الحالي للوصول إلى اتفاق ينهي نزيف الدم المستمر".

يصر الفلسطينيون على البقاء رغم العدوان (فرانس برس)
يعيشون في منازلهم شبه المدمرة (فرانس برس)

ووفقاً للطناني فإن "ما يجري في أروقة المفاوضات من كون النقطة الخلافية العالقة هي عودة أهالي شمال غزة النازحين إلى أماكن سكنهم، يؤكد أن الاحتلال لم يتراجع عن طموحاته في تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي، وسط الاستمرار في إعدام كل مقومات الحياة، وتصعيد العدوان لدفع أهالي القطاع إلى مغادرته، قسراً أو طوعاً، ما يعني أن سياسات التجويع والتدمير الممنهجة تهدف إلى إنهاء الوجود الفلسطيني في شمالي القطاع، لكن نجاح هذا في الشمال سيفتح شهية الاحتلال إلى استكمال جريمته في الجنوب ضمن عملية إبادة وتطهير عرقي واسعة".
وبحسب التقديرات الحكومية في غزة، فقد ارتكب الاحتلال حتى نهاية شهر مارس/آذار الجاري، أكثر من 2888 مجزرة، وبلغت إحصائية الوفيات نحو 40 ألفاً، ما بين شهيد ومفقود، و73 في المائة من الضحايا هم من الأطفال والنساء، إذ استشهد أكثر من 14350 طفلاً، علاوة على 28 طفلاً استشهدوا نتيجة المجاعة، فيما استشهدت قرابة 10 آلاف سيدة.
ويعتقد الباحث المختص في الشأن السياسي، ساري عرابي، أن "ذكرى يوم الأرض تمر وسط أجواء عصيبة، لعل من أبرزها افتقار الفلسطينيين إلى الحد الأدنى من الاجماع، إلى جانب انقسام لا أخلاقي عربي حول الحالة الفلسطينية". ويقول لـ "العربي الجديد"، إن "حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على غزة تستهدف تهجير السكان، أو تقليص أعدادهم بحيث يمكن السيطرة على من يتبقون في داخل القطاع، وهذه سياسة مكشوفة للجميع، إذ لا يمكن قصر تدمير مظاهر الحياة الحضرية على الأهداف الأمنية".

ويشير عرابي إلى أن "الاحتلال يعيد استنساخ ما جرى خلال أحداث التطهير العرقي بعد نكبة عام 1948، والتي سعى من خلالها إلى السيطرة على ما تبقى من الفلسطينيين الذين لم يهاجروا أو ينزحوا بفعل الجرائم، وقراءات ما يجري في الضفة الغربية لا تقل خطورة، إذ إن هناك مشروعاً إسرائيلياً واضح المعالم لحسم الصراع الاستيطاني، هدفه السيطرة على الضفة الغربية، وربطها بالقدس والأراضي المحتلة عام 1948".
ويضيف: "انعكاسات الحرب على غزة في المشهد الفلسطيني كاشفة، فغالبية فئات الشعب تدرك أن الاحتلال إذا نجح في تحقيق أهدافه في القطاع فسيكون لذلك انعكاسات كبيرة على الأوضاع في الضفة الغربية، والفلسطينيون في الضفة يخشون من تكرار نموذج التهجير الذي قد يقدم عليه الاحتلال عبر استخدام المستوطنين، إلى جانب كون السلطة الفلسطينية لا تقوم بأي دور للدفاع عن الفلسطينيين".

المساهمون