مرّة جديدة أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أنّ ما يحدث في قطاع غزة هو "حرب على الأطفال"، مع التشديد على "وجوب أن يتوقّف قتل الأطفال فوراً". ويأتي ذلك بعد أكثر من 100 يوم على الحرب المتواصلة التي تشنّها قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وبعد زيارة استمرّت ثلاثة أيام لقطاع غزة انتهت أمس الخميس وصف في خلالها الوضع على الأرض بأنّه يشبه الانهيار، صرّح نائب المديرة التنفيذية لمنظمة يونيسف تيد شيبان بأنّ "يونيسف كانت قد وصفت قطاع غزة بأنّه أخطر مكان في العالم بالنسبة إلى طفل، ولقد قلنا سابقاً إنّ هذه حرب على الأطفال، لكنّ هذه الحقائق لا تجد آذاناً صاغية بحسب ما يبدو".
وأفاد شيبان بأنّه تمكّن في خلال زيارته هذه إلى القطاع المحاصر والمستهدف من مقابلة أطفال وعائلاتهم "يعانون من بعض من أفظع الظروف التي رأيتها على الإطلاق". وهذه الزيارة تأتي بعد شهرَين من الزيارة الأخيرة لغزة، وقد أتت للتنسيق مع منظمات محلية ودولية في ما يخصّ الاستجابة الطارئة وتقييم العمليات الإنسانية.
وأشار المسؤول الأممي إلى أنّ "منذ زيارتي الأخيرة، تحوّل الوضع من كارثي إلى شبه انهيار"، ولا سيّما بالنسبة إلى الأطفال. أضاف أنّ "من بين نحو 25 ألف شخص قُتلوا في قطاع غزة منذ تصعيد الأعمال القتالية، أفادت التقارير بأنّ ما يصل إلى 70 في المائة منهم هم من النساء والأطفال"، مشدّداً أنّ لا بدّ لقتل الأطفال أن يتوقّف على الفور.
This baby has a congenital heart condition and can't get treatment. Children in Gaza, including those held hostage, urgently need access to life-saving supplies and services, and aid workers need to safely access children in need. pic.twitter.com/cXIHlErBvp
— Ted Chaiban (@TedChaiban) January 18, 2024
وأخبر شيبان: "التقيت، يوم الثلاثاء الماضي، بفتاة تبلغ من العمر 11 عاماً تُدعى سما في مستشفى ناصر في خانيونس. هي كانت تتنقّل مع أصدقائها عندما أُصيبوا بشظايا من جرّاء القصف. ثمّة شطية اخترقت بطن سما، الأمر الذي اضطرها إلى الخضوع إلى عملية جراحية واستئصال الطحال". واليوم تتابع سما علاجها في المستشفى، "لكنّها معزولة عن كلّ من حولها لأنّها تعاني من نقص مناعة في منطقة حرب مليئة بالأمراض وحالات العدوى".
وتابع شيبان: "بعد 10 دقائق، التقيت بإبراهيم البالغ من العمر 13 عاماً. هو كان في ملجأ إيواء مع عائلته، في منطقة قيل لهم إنّها آمنة، عندما انهار كلّ شيء من حولهم. تضرّرت يد إبراهيم بصورة شديدة، ثمّ أصيبت بالتهاب. ومن دون دواء، انتشرت الغرغرينا وفقد ذراعه في النهاية، علماً أنّ عملية البتر حصلت من دون مخدّر".
ولفت شيبان إلى أنّ "أماني، والدة إبراهيم التي رافقته إلى جنوبي القطاع لتلقّي العلاج المنقذ للحياة في مجمّع ناصر الطبي، طلبت مساعدتها للوصول إلى أطفالها الستة الآخرين وزوجها الذين بقوا في شمال مدينة غزة. منذ شهرَين لم يرده أيّ خبر منهم".
لكنّ شيبان أفاد في تصريحه إلى أنّ "بعد ساعات من مغادرتنا، فرّت عائلات عديدة من مجمّع ناصر الطبي مع اقتراب القتال من المنطقة" حيث يقع.
I’ve just finished a three day trip to Gaza. The sheer mass of civilians on the Rafah border is unfathomable and families there barely have the basics needed to survive.
— Ted Chaiban (@TedChaiban) January 18, 2024
As Amani, a mother I met told me “this is no life." pic.twitter.com/57efhNHTPw
الإسهال زاد 4000% بين أطفال غزة
وأوضح نائب المديرة التنفيذية لمنظمة يونيسف أنّ "أكثر من 1.9 مليون شخص، أو نحو 85 في المائة من سكان غزة، صاروا نازحين راهناً، بما في ذلك كثيرين ممّن نزحوا مرّات عدّة. وثمّة أكثر من مليون من هؤلاء النازحين في رفح (أقصى الجنوب)، الأمر الذي جعل "من الصعب معرفة المدينة الصغيرة تقريباً" بسبب كلّ مراكز الإيواء المستحدثة.
بالنسبة إلى شيبان، فإنّه "من الصعب استيعاب العدد الهائل من المدنيين على الحدود، فيما ظروف عيشهم غير إنسانية"، شارحاً أنّ "المياه نادرة ولا يمكن تفادي سوء وضع الصرف الصحي. وقد تسبّب البرد والأمطار هذا الأسبوع في أنهر من النفايات. أمّا الطعام القليل المتوفّر فلا يلبّي الاحتياجات الغذائية الفريدة التي يحتاجها الأطفال".
وأكد شيبان أنّ بنتيجة ذلك، "يعاني آلاف الأطفال من سوء التغذية والمرض". وتابع أنّ "حالات الإسهال كانت قد زادت قبل شهرَين بنسبة 40 في المائة مقارنة بما كانت عليه قبل تصعيد الأعمال القتالية. وبحلول منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، سُجّلت 71 ألف حالة بين الأطفال دون الخامسة، الأمر الذي يعني زيادة تتخطّى 4000 في المائة منذ بدء الحرب".
وحذّر شيبان من أنّ "هذا ليس سوى تدهور صارخ في ظروف أطفال غزة. وإذا استمرّ هذا التدهور، فقد نرى الوفيات الناجمة عن النزاع العشوائي تتفاقم بسبب الوفيات المرتبطة بالمرض والجوع". ومن هنا "نحن في حاجة إلى انفراج كبير"، بحسب المسؤول الأممي الذي شرح أنّ ذلك "يبدأ بوضع حدّ للقصف المكثف، الذي لا يقتل الآلاف فحسب إنّما يعوّق كذلك إيصال المساعدات إلى الناجين. يتوجّب علينا إدخال مزيد من شاحنات المساعدات، والقيام بذلك من خلال مزيد من المعابر، ومن خلال عمليات تفتيش أكثر كفاءة بكثير".
"قطرة قطرة" لتلبية محيط من الاحتياجات في غزة
وفي هذا الإطار، شرح شيبان أنّ "قبل النزاع، كانت أكثر من 500 شاحنة تدخل إلى قطاع غزة يومياً. وعندما كنتُ هناك في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كانت تدخل نحو 60 شاحنة مساعدات يومياً. أمّا الآن، فيبلغ عددها نحو 130 شاحنة يومياً إلى جانب ما متوسّطه 30 شاحنة تجارية يومياً. ويأتي ذلك مع فتح نقطة عبور ثانية، لكنّها ما زالت غير كافية على الإطلاق". ووصف الأمر قائلاً: "ما نحاول القيام به هو تقديم المساعدة قطرة قطرة لتلبية محيط من الاحتياجات"، لافتاً إلى "وجوب تخفيف القيود على نوع المساعدات التي يمكننا تقديمها، من قيل مولدات مضخات المياه وأنابيب إصلاح مرافق المياه التي تُعَدّ ضرورية لاستعادة خدمات المياه والصرف الصحي الضرورية لبقاء الناس على قيد الحياة".
وأكمل المسؤول الأممي أنّ "بمجرّد دخول المساعدات إلى قطاع غزة، تصير قدرتنا على توزيعها مسألة حياة أو موت. من الضروري رفع القيود المفروضة على إيصال المساعدات، وضمان الاتصالات الأرضية الموثوقة، وتسهيل حركة الإمدادات الإنسانية لضمان حصول أولئك الذين ظلوا من دون مساعدة لأيام عدّة على إمدادات هم في أمس الحاجة إليها. وعلينا أن نجعل حركة المرور التجارية تتدفّق في غزة، حتى تصير ممكنة إعادة فتح الأسواق وتكون العائلات أقل اعتماداً على الإغاثة".
في سياق متصل، شدّد شيبان على "الحاجة إلى الوصول إلى الشمال. فإنّ 250 ألف شخص إلى 300 ألف تقريباً يعيشون في شمال غزة لا يحصلون على المياه النظيفة وبالكاد يصل إليهم طعام. وفي الأسبوعَين الأوّلَين من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، وصلت سبع شاحنات فقط من أصل 29 شاحنة مساعدات مخططة بنجاح إلى وجهاتها في شمال غزة. لكنّ أيّ قافلة تابعة لمنظمة يونيسف لم تتمكّن من الوصول إلى شمالي قطاع غزة في عام 2024".
وشدّد نائب المديرة التنفيذية لمنظمة يونيسف على أنّ "لا يمكن للوضع القائم أن يستمرّ"، موضحاً أنّ "لا يمكننا الانتظار أكثر من ذلك لتطبيق وقف إطلاق نار إنساني من أجل وضع حدّ للقتل والإصابات اليومية بين الأطفال وعائلاتهم، ومن أجل تمكين التوصيل العاجل للمساعدات التي تشتدّ الحاجة إليها (...)".