جرزيم، أو جبل الطور، منطقة بقيت غائبة التفاصيل، حتى عن الفلسطينيين الأقرب إليها. هنا تتواجد أصغر طائفة في العالم. يقول أصحابها إنّهم "السامريون الأصليون".
يرفض هؤلاء كلّ محاولة من قبل إسرائيل لزعزعة "مكانتهم الهامة". وهو ما أدخلهم في صراع حاد معها، يحمل في طياته الكثير من الأبعاد السياسية والدينية.
يزعم بعض الحاخامات أنّ الطائفة التي تتخذ جبل الطور في نابلس مسكناً، تتبع للديانة اليهودية. بينما يرفض هؤلاء ذلك، ويؤكدون أنّ ديانتهم سامرية. بل يذهبون أبعد من ذلك، حين يشككون بكتاب التوراة الذي يتبعه اليهود. ويقولون إنه مزور ومحرّف.
يرفض السامريون المزاعم التي تقول إنّ مدينة القدس للإسرائيليين وجبل الهيكل كان في القدس. ولا يرون في المدينة المقدسة المحتلة، سوى مدينة عادية، لا تختلف في قيمتها الدينية عن أي مدينة أخرى. وعلى النقيض، يؤمنون أنّ البركة الوحيدة موجودة على جبل جرزيم في مدينة نابلس.
وعن عدد السامريين القليل الذي يبلغ 770 شخصاً، يقول مدير متحف جبل جرزيم الكاهن حسني السامري: "كان عدد السامريين في بعض الفترات ثلاثة ملايين شخص، وتقلص العدد إلى 146 شخصا عام 1917".
ويوضح السامري لـ "العربي الجديد" أنّ سبب تناقص هذا العدد تاريخياً، يعود إلى الحروب في العهود الماضية، التي كادت أن تؤدي إلى انقراض السامريين بالكامل. ويشتكي السامريون من نقص أعداد الإناث قياسا بعدد الذكور، وهو الأمر الذي اضطرهم وفقا لفتاوى "دينية" إلى الزواج من غير السامريات، لكن حتى هذا الحلّ يصطدم بعقبات، أبرزها اشتراط انتقال الزوجة الجديدة إلى الديانة السامرية.
يتمسك السامريون بهويتهم الفلسطينية. ورغم حملهم "الجنسية الإسرائيلية" وكذلك الأردنيةوالفلسطينية، إلا أنّ انتماءهم بشكل أساسي هو للوطن "فلسطين" كما يؤكد السامري. ويشير إلى أنّ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كان قد منح السامريين مقعدا في المجلس التشريعي بالتزكية. لكنّ المقعد ألغي في وقت لاحق.
السامريون والتوراة
يشير السامري إلى وجود أحجار على الجبل كتبت عليها التوراة بشكل كامل، بالإضافة إلى المذبح. ويشير السامري إلى أنّ إسرائيل تحارب السامريين بشراسة، وتسعى إلى طمس الكثير من المعالم التاريخية في جبل جرزيل، من خلال أعمال الحفريات التي تقوم بها على الجبل.
ويقول إنّ هدفها سياسي، بعد أن كُشف زيف ادعاءاتها بخصوص القدس. وفي هذا الإطار، هنالك حالة من العداء بين السامريين واليهود، خصوصا المتدينين منهم. فهؤلاء يصفون السامريين بالأنجاس. ويعتقد الكثير من اليهود أنّ التفوه بكلمة "سامري" أمر يجلب لهم النجاسة، كونهم اختلطوا وتزاوجوا بغير اليهود.
ويسعى الكثير من الإسرائيليين اليهود إلى تجنب السامريين، ومحاولة عدم الحديث إليهم أو مخالطتهم. بينما لا يأبه السامريون بكل تلك المحاولات الإسرائيلية الرامية، بحسب اعتقادهم إلى تهميشهم.
يتابع الكاهن حديثه، مع مواصلته الجولة في متحف جبل جرزيم. ويقول بعد أن يضع يده على كتاب التوراة، في إحدى زوايا المتحف: "هذا هو كتاب التوراة الأصلي وما دونه محرّف ومزور، ولدينا الكثير من الحسابات والأرقام التي تثبت صحة أقوالنا، وزيف ادعاءات اليهود".
يضيف حسني: "نحن لا نريد أن نكون طرفا في أي صراع، نحب أن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون بسلام، ولا نريد أن تتكرر التجارب التي عشناها في السابق معهم، فالسامريون كانوا قوما كثيرين. وكانوا يقاتلون كل من أتاهم غازيا، فانخفض عددهم شيئا فشيئا، حتى باتوا أصغر طائفة في العالم كله".
طقوس خاصة
ورغم إتقان السامريين للغتين العربية والعبرية، إلاّ أن لديهم لغة خاصة تسمى اللغة السامرية، يتعلمها أبناؤهم في سن الخامسة. ويتزامن ذلك أيضا مع نقل التعاليم الدينية للأبناء والتي تشمل الصلوات الصباحية والمسائية، وصلوات يوم السبت. كما يتعلمون الطقوس الخاصة بالأعياد، وهي عيد ذبح القرابين، والفصح، ورأس السنة، وفرحة التوراة، والمظلة، والعرس، والأسابيع. ولكل عيد منهم طقوسه الخاصة.
يؤكد السامري أنّ أبناء الديانة ينخرطون في مختلف أشكال الحياة. ويدرسون في المدارس والجامعات الفلسطينية. ويطمحون دائما للوصول إلى أرفع المناصب. كما أنّ لديهم أعمالهم الخاصة ومحلاتهم التجارية في مدينة نابلس.
وحول طريقة التعامل مع المرأة، يؤكد السامري أنهم يحترمون النساء. إلاّ أنّ هناك طقوسا خاصة تمارس عند الولادة، فعليها أن "تنزوي" فترة 80 يوما إذا ما أنجبت مولودة أنثى، و41 يوما إذا ما كان المولود ذكرا. ومن بعدها تستحم. وعادة ما يكون الإنزواء في زاوية من غرف المنزل. أما في موعد الطمث، فعليها أن تبتعد عن بقية أفراد العائلة حتى تنتهي الفترة.
وللسامريين تقويمهم الخاص، وهو أدق تقويم، بحسب السامري. وعن ذلك يقول: "بإمكاني تحديد موعد الأعياد الإسلامية وشهر رمضان لعدة سنوات. وكثيراً ما يلجأ إلينا المسلمون لمعرفة مواعيد أعيادهم". ووفقاً لهذه الحسابات يؤكد السامري أنّ "العالم لن ينتهي قبل 19 ألف عام".