دفع محمد س. (15 عاماً) ثمنا باهظاً لفقر أسرته. وجد نفسه فجأة رجلاً رغم طفولته. فقد التحق بالعمل في أحد مقاهي العاصمة الأردنية عمّان، بشكل يخالف قانون العمل الأردني، الذي يجرّم عمالة الأطفال. وبات يساهم في تحمل مسؤولية الإنفاق على أسرته.
يجلس محمد أمام المقهى الواقع في أحد الشوارع الرئيسية. وفور توقف سيارة أمام المقهى، يركض باتجاهها، ليلبي طلبات ركابها. وهو العمل الذي يقول إنّه "ليس متعباً"، رغم أنّه يمضي فيه قرابة 16 ساعة يومياً، مقابل أجر يبلغ 6 دنانير أردنية (8.5 دولار أميركي).
ترك الطفل دراسته، قبل أن يتم الصف السادس الإعدادي، ليبدأ العمل من أجل مساعدة الأسرة المكونة من 5 أفراد. يقول: "والدي لا يعمل فهو مريض، وأعمل وشقيقي الأكبر من أجل توفير مصروف البيت".
بالإضافة إلى أجره اليومي، يستفيد محمد من البقشيش الذي يبلغ متوسطه اليومي 3 دنانير (قرابة 4.5 دولار). ويفرح محمد لأنّ صاحب المحل لا يقاسمه البقشيش. فيما يصرف الفتى ديناراً واحداً فقط يومياً يدفعه ثمناً للمواصلات والطعام. أمّا الباقي فيعطيه لوالدته.
يخاف محمد من السيارات، واحتمال دهسها له خلال عمله الذي يتطلب منه أحياناً قطع الشارع الرئيسي لتوصيل الطلبات. كما يخاف من مجيء مفتشي العمل الذين سيبادرون فوراً إلى منعه.
حال عبد الله ليس أفضل من محمد. فالفتى ذو الستة عشر عاماً، يعمل في ورشة تصليح إطارات. وهو الآن "معلّم بالفك والتركيب"، كما يصف نفسه.
مضى على عبد الله عامان في الورشة؛ فقد التحق بها بعد تركه الدراسة. يقول: "لم أكن شاطراً في المدرسة. وقال أهلي إنّ من الأفضل لي تعلّم مهنة، ومساعدتهم في المصروف".
يتقاضى عبد الله 35 ديناراً أسبوعياً (50 دولاراً)، ويحصل على إجازة يوم الجمعة. وفيما يدرك خطورة عمله، فإنّه شديد الانتباه. ويقول: "إذا انفجر إطار في وجهي قد أتأذّى كثيراً".
محمد وعبد الله، من بين مئات الأطفال الأردنيين الذين يعملون بشكل مخالف لقانون العمل، من دون أن تتمكن الجهات المعنية من القضاء على الظاهرة المتزايدة. وتشير الأرقام الرسمية إلى وجود 33 ألف طفل يعملون في السوق المحلي في مهن خطرة.
وتعززت جهود الأردن لمكافحة عمالة الأطفال عام 2007. فقد أطلقت في حينه مشاريع مشتركة بين وزارات العمل، والتربية والتعليم، والتنمية الاجتماعية، للقضاء على الظاهرة.
وعام 2008 أنشأت وزارة العمل مركز الدعم الاجتماعي للأطفال العاملين. يقول مدير المركز محمد الفقهاء: "ننفذ برامج وأنشطة للحد من عمالة الأطفال عبر استضافة الحالات المكتشفة، وإعادة تأهيلهم وإكمال تعليمهم، وإخضاعهم لبرامج متخصصة في مجالات الإرشاد النفسي والاجتماعي والأنشطة اللا منهجية، والتوعية المهنية". ويؤكد الفقهاء أنّ البرامج مجانية، وضمن سقف زمني معين، مع تأمين المواصلات للأطفال من المركز وإليه.
من جهته، يشير أمين عام وزارة العمل حمادة أبونجمة إلى أنّ الوزارة تجري زيارات تفتيشية ميدانية دورية، وحملات تفتيشية على بعض القطاعات التي يتواجد بها أطفال عاملون. ويقول إنّ الحملات تستهدف قطاع المطاعم، والمقاهي، والكوفي شوب، ومحلات بيع القهوة والمشروبات الساخنة على جوانب الطرق وقطاع إصلاح وصيانة المركبات.
بدوره، يرجع وزير العمل الأردني، نضال القامين، تنامي الظاهرة إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها بعض الأسر الفقيرة، بالإضافة إلى الهجرات القسرية المتتالية إلى الأردن من دول الجوار. ويؤكد أنّ للظاهرة "آثاراً سلبية على سلامة الطفل البدنية، والنفسية، والاجتماعية، والتعليمية". ويعترف، في الوقت عينه، بأنّ القضاء على عمالة الأطفال يحتاج إلى جهد وطني شامل.
573 إنذاراً و218 مخالفة
إلى ذلك، يقول أمين عام وزارة العمل الأردنية، حمادة أبونجمة، إنّ الوزارة وجّهت للمنشآت التي تستخدم الأطفال في العمل، خلال النصف الأول من العام الجاري، 573 إنذاراً و218 مخالفة. ويذكر كذلك أنّها تمكنت، خلال الفترة نفسها، من ضبط 608 حالات عمل لأطفال أردنيين، بالإضافة إلى 370 حالة لأطفال سوريين.