كثيرا ما تنبّهت الجهات الأمنية التونسية بعد الثورة إلى تورط نساء في شبكات دعارة أجنبية خصوصا في لبنان، إضافة إلى الكشف عن شبكات تعمل في الشمال الغربي في توظيف الأطفال والفتيات في المنازل دون مراعاة أدنى حقوق الإنسان.
لم تكن تونس، مثل غيرها من البلدان، بمنأى عن هذه الظاهرة حسب التقرير السنوي الأخير الذي صدر عن وزارة الخارجية الأميركية بعنوان "الإتجار بالأشخاص 2012" والذي يعدّ تونس مصدرا ووجهة وممرا لتهريب الرجال والنساء والأطفال للإتجار بالعمال أو الإتجار بالجنس.
قد لا يتبادر إلى الذهن أن توظيف الأطفال في المنازل يصنَف على أنّه إتجار بالبشر خاصة وأنّ عددا منهم يشتغلون دون إرادتهم، وحسبما ورد في التقرير فإن هناك شبكة من السماسرة ووكالات التوظيف تسهل عمل الأطفال في المنازل.
يبيّن الخبير في دراسات الأمن الشامل نصر بن سلطانة في حديث لـ"العربي الجديد" أن "ظاهرة الإتجار بالبشر في تونس من أخطر الجرائم الكبرى التي تستغلها المنظمات الإجرامية عبر الشبكات الوطنية باعتبار أنّ عائداتها تصل إلى مليارات الدولارات وضحاياها بالملايين".
ويشير إلى عدم وجود دراسة أو إحصائيات دقيقة لعدد ضحايا هذه الظاهرة في تونس إلى حد الآن "ولكنها أصبحت موجودة بشكل ملفت للانتباه وبصدد التطور في عديد من المجالات"، مشددا على "ضرورة التصدي لها قبل انتشارها".
ويشير في السياق ذاته إلى أن "المجلس الوطني التأسيسي" بصدد دراسة قانون لمكافحة الإتجار بالبشر بعد التأكد من أن هذه الظاهرة أصبحت ناشطة في تونس بمختلف أنواعها على غرار العمل القسري وشبكات الدعارة وشبكات تسفير الشباب للجهاد في سوريا وبيع الأعضاء.
من جهتها، تلفت المكلفة بمهمة بوزارة العدل وحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية نجاة بن صالح للـ"العربي الجديد" أنّ تونس تدرس مشروعا لإصدار قانون خاص بتجريم الإتجار بالبشر حسب الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها، مؤكدة أنّ "هذا القانون سيشمل مختلف أشكال الإتجار بالبشر في تونس كما سيضم جانبا وقائيا يتعلق بإحداث هيكلية مستقرة ودائمة تتمثل مهمتها الأساسية بمكافحة هذه الظاهرة".
وكان تقرير صادر عن وزارة الخارجية كشف في وقت سابق أنّ ظاهرة الإتّجار بالبشر قد تنامت في تونس، خاصة في الأوساط الريفية، بفضل "السماسرة" الذين يلعبون دور الوسيط في تشغيل فتيات صغيرات في السن. وقد سجلت حالات عنف واستغلال جنسي لهن.
ويشير التقرير إلى أن "هذه الظاهرة تتركز بمعظم الولايات التونسية خصوصا في مناطق الشمال الغربي باعتبارها المناطق المصدّرة للنساء العاملات في المنازل وفي القطاع الزراعي".
ويبيّن أيضا تورط عدد كبير من التونسيات في شبكات الدعارة الدولية وخاصة الحاصلات منهن على "فيزا" فنية ويعملن في ملاه ليلية بدول الخليج ولبنان حيث يتم إجبارهن على ممارسة الجنس مع الزبائن. كما أن القضاء مازال يبحث في 80 ملفا قضائيا يتضمن تهم "ممارسة البغاء السري" والمتورطين فيه.
من جهته، يؤكد المسؤول في "منظمة الهجرة الدولية" حافظ بن ميلاد أن "الأطفال والنساء هم الأكثر تضررًا من هذه الظاهرة الخطيرة باعتبارهم ينتمون إلى الفئات المستضعفة التي تضم الفقراء والمشردين والعاملات بالمنازل"، مشيرا إلى أن "عملية الإتجار تمر بالعديد من المراحل أوّلها خطف الضحايا من بلدانهم وتهجيرهم نحو مناطق متعددة للمتاجرة بهم. وتسهم جماعات عدّة من بلدان مختلفة في تنامي الظاهرة في دول العالم العربي وأفريقيا".