ليست مدينة بشار التي تبعد عن الجزائر العاصمة بألف كيلومتر جنوباً على الحدود المغربية، مدينة عسكرية فقط تضم وحدات مختلفة للجيش الوطني الشعبي، بل هي أيضاً مساحة حضارية وثقافية وسياحية. تنقسم المدينة إلى "بشار القديمة" التي تعود ذاكرتها إلى تسعة قرون خلت، و"بشار الجديدة" التي تجمع بين الإرث المعماري الفرنسي، وما شُيّد خلال فترة الاستقلال الوطني.
سكانها الأصليون من عرب وأمازيغ وأفارقة، يرون في الوافدين إليها إضافة إنسانية وتجارية لهم. فهي من أكثر المحافظات الجزائرية استقبالاً لشباب وافدين من كل المحافظات الثماني والأربعين، في إطار ارتباطاتهم العسكرية أو الجامعية أو التجارية. وقلما تجد متجراً يخلو من شاب آتٍ من خارج المدينة.
إيقاع الصحراء الذي يتمدد فيه الوقت، وقلة المرافق العمومية والرياضية والثقافية، وطبيعة السكان الميّالة إلى التواصل الاجتماعي، أنعش جلسات المقاهي التي تحولت إلى بيوت ثانية للسكان، خصوصاً تلك المعروفة بشايها المتميّز.
السؤال في أي بقعة من المدينة عن مقهى يقدم الشاي تماماً كما يُعدّ في البيوت بالنعناع، يؤدي غالباً إلى مقهى "بلا تدخين" في ساحة المدينة. عن ذلك، يقول الممثل المسرحي رشيد بن موسى، لـ"العربي الجديد": "لماذا لا نحتفي بالمساحات المميّزة التي تجمع سكان المدينة فيها، في ظل شكوانا التي لا تنقطع من رداءة الخدمات في المدينة العربية؟".
لا يظهر المقهى واسعاً من الداخل بحجم سمعته. لكنّه في هذا الوقت من الصباح يتسم بحيوية كافية لتغطي على مساحته الضيقة. كذلك يبدو ثرياً باختلاف الوجوه والأجيال والجنسيات. الداخل إلى المقهى أول مرة يتملّكه الفضول لطلب الشاي الأخضر بالنعناع، من بين كلّ المشروبات الأخرى، لكثرة ما سمع به.
يقول مدير المقهى سالم حياري، لـ"العربي الجديد"، إنّ نسبة كبيرة من الزائرين يقودها الفضول في البداية، قبل أن تنتقل إلى مرحلة أخرى يقودها فيها الحرص على الراحة. فيتحولون إلى زبائن دائمين في المقهى يقصدونه كلّما توفر لهم الوقت. يسرد حياري قصة "بلا تدخين": "فتح المقهى أبوابه، بلا اسم، في شهر يونيو/ حزيران 2007. وكان مثل جميع المقاهي يسمح بالتدخين، ويقدم مشروبات عادية. لكنّ إصابة بعض عمالنا بالحساسية، نتيجة التدخين المكثف، جعلتنا نفكر في تحويله إلى مساحة بلا تدخين".
يتابع بخصوص القرار الجريء وغير المألوف بالنسبة للمقاهي العابقة عادة بالدخان: "لا أخفي خوفنا من القرار في البداية، ذلك أنّ احتساء الشاي أو القهوة، لدى الجزائري، مرتبط غالباً بالتدخين. فما الذي يضمن لنا أنّه سيضحي بسيجارته ويقصد مقهانا، حتى وإن كانت مشروباتنا الساخنة ممتازة؟ وهل وصلنا إلى مرحلة نضحي فيها بعاداتنا من أجل الجودة؟ كانت تساؤلات مشروعة، لكنّنا مضينا في الأمر، وطبّقناه مع بداية يناير/ كانون الثاني 2010. وكانت النتيجة أنّ أرباحنا تضاعفت منذ الشهر الأول".
أما عن طبيعة رواد المقهى، بعد قرار منع التدخين، فيشير إليهم حياري بإصبعه وهم يجلسون في مقهاه يغرقون في أحاديثهم: "هذا صيدلي، وذاك الذي يجلس قرب النافذة يعمل في مديرية الشباب والرياضة. أما تلك الطاولة فكلها من عمال سوق الخضار".
كذلك يعرّف الحياري "العربي الجديد" بشابين جاءا من مدينة القنادسة التي تبعد 48 كيلومتراً خصيصاً لشرب الشاي هنا. يقول أحدهما إنه ينتظر أن تمضي الحكومة في تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة، وتفرضه بصرامة، تماماً كما فرضت حزام الأمان في السيارات: "بالنسبة لي، لا يضرني التدخين إن لم يكن وقحاً. أقصد إن لم يكن مفروضاً عليّ تنشقه في مكان لا يتحمل التدخين. ألم تلاحظ كيف بات يلاحقنا حتى في الحافلات والقطارات والمستشفيات؟". يتابع الشاب، الذي يعمل في شركة بناء تعمل على إنجاز مسرح المدينة، أنّ هناك "تقاليد جميلة انخرطت فيها المدن المعاصرة، منها تخصيص مساحات لغير المدخنين. وعلى المدن الجزائرية أن تعجّل في التحاقها بمثل هذه المساعي البالغة الأهمية".
بالإضافة إلى الفوائد الصحية لقرار منع التدخين داخل المقهى، يلاحظ الحياري تغييرات في سلوك الزبائن. يذكر منها إقبال الناس على بعضهم البعض، بعد تخليهم عن التدخين في المقهى: "في السابق كان الزبون يغرق في سيجارته ويحدّث نفسه. أما اليوم، فهو يشرب شايه ويحادث الآخرين، بكل ما يترتب على ذلك من علاقات إنسانية باتت تفتقد الكثير من التواصل".
اقرأ أيضاً: اللهجة المحكيّة.. أزمة هويّة في مدارس الجزائر
سكانها الأصليون من عرب وأمازيغ وأفارقة، يرون في الوافدين إليها إضافة إنسانية وتجارية لهم. فهي من أكثر المحافظات الجزائرية استقبالاً لشباب وافدين من كل المحافظات الثماني والأربعين، في إطار ارتباطاتهم العسكرية أو الجامعية أو التجارية. وقلما تجد متجراً يخلو من شاب آتٍ من خارج المدينة.
إيقاع الصحراء الذي يتمدد فيه الوقت، وقلة المرافق العمومية والرياضية والثقافية، وطبيعة السكان الميّالة إلى التواصل الاجتماعي، أنعش جلسات المقاهي التي تحولت إلى بيوت ثانية للسكان، خصوصاً تلك المعروفة بشايها المتميّز.
السؤال في أي بقعة من المدينة عن مقهى يقدم الشاي تماماً كما يُعدّ في البيوت بالنعناع، يؤدي غالباً إلى مقهى "بلا تدخين" في ساحة المدينة. عن ذلك، يقول الممثل المسرحي رشيد بن موسى، لـ"العربي الجديد": "لماذا لا نحتفي بالمساحات المميّزة التي تجمع سكان المدينة فيها، في ظل شكوانا التي لا تنقطع من رداءة الخدمات في المدينة العربية؟".
لا يظهر المقهى واسعاً من الداخل بحجم سمعته. لكنّه في هذا الوقت من الصباح يتسم بحيوية كافية لتغطي على مساحته الضيقة. كذلك يبدو ثرياً باختلاف الوجوه والأجيال والجنسيات. الداخل إلى المقهى أول مرة يتملّكه الفضول لطلب الشاي الأخضر بالنعناع، من بين كلّ المشروبات الأخرى، لكثرة ما سمع به.
يقول مدير المقهى سالم حياري، لـ"العربي الجديد"، إنّ نسبة كبيرة من الزائرين يقودها الفضول في البداية، قبل أن تنتقل إلى مرحلة أخرى يقودها فيها الحرص على الراحة. فيتحولون إلى زبائن دائمين في المقهى يقصدونه كلّما توفر لهم الوقت. يسرد حياري قصة "بلا تدخين": "فتح المقهى أبوابه، بلا اسم، في شهر يونيو/ حزيران 2007. وكان مثل جميع المقاهي يسمح بالتدخين، ويقدم مشروبات عادية. لكنّ إصابة بعض عمالنا بالحساسية، نتيجة التدخين المكثف، جعلتنا نفكر في تحويله إلى مساحة بلا تدخين".
يتابع بخصوص القرار الجريء وغير المألوف بالنسبة للمقاهي العابقة عادة بالدخان: "لا أخفي خوفنا من القرار في البداية، ذلك أنّ احتساء الشاي أو القهوة، لدى الجزائري، مرتبط غالباً بالتدخين. فما الذي يضمن لنا أنّه سيضحي بسيجارته ويقصد مقهانا، حتى وإن كانت مشروباتنا الساخنة ممتازة؟ وهل وصلنا إلى مرحلة نضحي فيها بعاداتنا من أجل الجودة؟ كانت تساؤلات مشروعة، لكنّنا مضينا في الأمر، وطبّقناه مع بداية يناير/ كانون الثاني 2010. وكانت النتيجة أنّ أرباحنا تضاعفت منذ الشهر الأول".
أما عن طبيعة رواد المقهى، بعد قرار منع التدخين، فيشير إليهم حياري بإصبعه وهم يجلسون في مقهاه يغرقون في أحاديثهم: "هذا صيدلي، وذاك الذي يجلس قرب النافذة يعمل في مديرية الشباب والرياضة. أما تلك الطاولة فكلها من عمال سوق الخضار".
كذلك يعرّف الحياري "العربي الجديد" بشابين جاءا من مدينة القنادسة التي تبعد 48 كيلومتراً خصيصاً لشرب الشاي هنا. يقول أحدهما إنه ينتظر أن تمضي الحكومة في تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة، وتفرضه بصرامة، تماماً كما فرضت حزام الأمان في السيارات: "بالنسبة لي، لا يضرني التدخين إن لم يكن وقحاً. أقصد إن لم يكن مفروضاً عليّ تنشقه في مكان لا يتحمل التدخين. ألم تلاحظ كيف بات يلاحقنا حتى في الحافلات والقطارات والمستشفيات؟". يتابع الشاب، الذي يعمل في شركة بناء تعمل على إنجاز مسرح المدينة، أنّ هناك "تقاليد جميلة انخرطت فيها المدن المعاصرة، منها تخصيص مساحات لغير المدخنين. وعلى المدن الجزائرية أن تعجّل في التحاقها بمثل هذه المساعي البالغة الأهمية".
بالإضافة إلى الفوائد الصحية لقرار منع التدخين داخل المقهى، يلاحظ الحياري تغييرات في سلوك الزبائن. يذكر منها إقبال الناس على بعضهم البعض، بعد تخليهم عن التدخين في المقهى: "في السابق كان الزبون يغرق في سيجارته ويحدّث نفسه. أما اليوم، فهو يشرب شايه ويحادث الآخرين، بكل ما يترتب على ذلك من علاقات إنسانية باتت تفتقد الكثير من التواصل".
اقرأ أيضاً: اللهجة المحكيّة.. أزمة هويّة في مدارس الجزائر