ترتفع كلفة العلاج لدى الأطباء في العيادات الخاصة والمستشفيات الاستثمارية في مصر. ومعها يزداد لجوء عدد كبير من المرضى، خصوصاً الفقراء منهم، إلى العلاج لدى الدجالين والمشعوذين والعطارين والعارفين بالأعشاب. هؤلاء يبحثون عن الشفاء من أمراضهم بأرخص السبل الممكنة، وربما أبعدها عن الصواب.
يزحف عدد كبير من الفقراء من مختلف المحافظات المصرية إلى محافظة البحيرة، شمال العاصمة القاهرة. هناك توجد بقرة أطلقوا عليها لقب "مبروكة". حليبها "يعالج" كثيراً من الأمراض الباطنية، ويبيعه مالكها للمواطنين من أجل التخلص من أمراضهم. عدد الأهالي الذين قصدوا البقرة بهدف الحصول على حليبها كثر إلى درجة دفعت وزارة الصحة المصرية إلى إصدار بيان أعلنت فيه أنّ حليب البقرة غير صالح للاستخدام البشري. كذلك طالبت الأهالي بعدم تناوله لاختلال الهرمونات فيه.
على صعيد متصل، يصطف مئات الأهالي يومياً أمام منزل محمد جمال ربيع، في منطقة إمبابة في محافظة الجيزة. يأتون إليه من مختلف المحافظات ليعالجهم من أمراض العظام، سواء في العمود الفقري أو الغضروف. يستخدم في العلاج الذي يتقاضى لقاءه 20 جنيهاً مصرياً (2.5 دولار أميركي) من الشخص، قطعة خشبية لا غير. هي مهنته التي اكتسبها من والده.
إلى ذلك، يتردد البعض على منزل عزت سلامة في منطقة الهرم في الجيزة، لعلاج أمراض الصداع والروماتيزم بالحجامة في مقابل 15 جنيهاً (نحو دولارين) للفرد الواحد.
وفي محافظة الشرقية، يذيع صيت الحاج محمد إبراهيم الذي يعالج مرض الأكزيما الجلدي الشائع بين الأطفال والبالغين، في مقابل 20 جنيهاً. كذلك يبيعهم إبراهيم مراهم خاصة تختلف أسعارها بحسب حالة الشخص المرضية. وفي المحافظة نفسها، يعالج شخص آخر السعال الجاف لدى الأطفال والكبار بالأعشاب.
لا يقتصر الأمر على التوجّه إلى المعالجين الشعبيين، فبعض الأهالي يستخدمون بول الإبل من تلقاء أنفسهم، لاعتقادهم بقدرته على معالجة الأمراض. هذا الأمر يحذّر منه الأطباء لاحتواء بول الإبل على مواد سامة عديدة.
اقرأ أيضاً: حركة المرور تهدّد القاهرة بالطرش
من جهة أخرى، يتردد عدد كبير جداً من الأهالي يومياً على الصيدليات المنتشرة في البلاد طلباً للعلاج من دون زيارة الطبيب المختص بسبب ظروفهم الاقتصادية السيئة. ويمتد الأمر من طلب علاج نزلات البرد والصداع وآلام البطن إلى غيرها من الأمراض.
كذلك، يقصد آخرون الدجالين. وهذه الفئة هي التي تعتبر أنّ مرضها غير عضوي، بل سببه الحسد والعين. وتنتشر محلات العطارة في كل شارع وحارة في المحافظات المصرية والأرياف والقرى والمدن، نتيجة الطلب المتزايد على بضائعها المتنوعة. المواطنون يطلبون من العطار علاجاً، فيجرّب بهم ما أمكنه من دون أيّ دليل علمي موثوق.
في المقابل، وعلى الرغم من انتشار المستشفيات في القرى، إلا أنها لا تعالج المرضى فعلياً. هي مبان بلا إمكانيات، لدرجة أنّ المواطن الفقير يطلق عليها لقب "مُش تشفى". حتى لسعة عقرب قد تقتل المواطن هناك، من دون أن يتمكن المستشفى من علاجه. وهو ما يدفع البعض إلى الاستغناء عنها، وتشطيب المنطقة الملسوعة بموسى حلاقة لظنه أنّ ذلك يفرغ السم.
تجدر الإشارة إلى أنّ حال القطاع الطبي في مصر سيئة جداً، نتيجة النقص الشديد في الأجهزة والمعدات الطبية غير المتوفرة إلا في المستشفيات الكبيرة. لذا تفتقر مستشفيات القرى خصوصاً إلى أبسط المقومات، وقد يكون ذلك ما يدفع عدداً كبيراً من المصريين إلى التداوي بطرق مختلفة بعيداً عن الأطباء والمستشفيات.
في هذا الإطار، يعترف نقيب الأطباء في مصر خيري عبد الدايم بأنّ 60 في المائة من المرضى يتلقون العلاج من أشخاص لا علاقة لهم بالطب بسبب الظروف الاقتصادية، ومن ذلك اللجوء إلى العلاج الشعبي المنتشر. ويتهم عبد الدايم الحكومة بالتقصير، قائلاً إنّها تقدم أقل من 30 في المائة مما تحتاجه المستشفيات من دعم. ويوضح أنّ نسبة الأخطاء الطبية في مصر تخطت المعدلات العالمية، مشيراً إلى أنّ لجنة التحقيق في النقابة تتلقى نحو 40 شكوى شهرية من المرضى حول الأخطاء الطبية، معظمها من المستشفيات الخاصة التي يتخطى عددها 83 ألفاً. ويؤكد أنّ ارتفاع هذه النسب يكمن في تدني مستوى التعليم الطبي المستمر.
ويوضح أستاذ الطب الباطني في جامعة القاهرة محمد نافع، أنّ ثمّة أسباباً كثيرة لإقبال فئات كثيرة من المرضى المصريين على العلاج البديل أو التكميلي، أهمها قلة كلفته. ويشير إلى أنّ احتراف كثيرين مهنة الطب من دون دراسة وتقديم أدوية من دون دراية، يؤديان إلی تدهور صحة المريض وظهور أمراض أخرى. ويشدّد على أنّ تدني أجر الطبيب في مصر مقارنة بأجر غيره من الأطباء في بلدان أخرى هو السبب في هجرة العديد من الأطباء.
بالنسبة إلى نافع، فإنّ تسخير السحر لعلاج الأمراض هو من الموضوعات الشائعة التي شغلت أذهان الجميع في مصر. البعض يؤكد صحة العلاج به، فيما ينكر آخرون الأمر. أما الواقع، فيشير إلى وجود آلاف الأشخاص الذين يدّعون القدرة على علاج عدد من الأمراض، حتى التي استعصى علاجها على الطب. ويشير نافع إلى نحو 275 خرافة تتحكم في عقول المصريين وتدعوهم إلى علاج مشاكلهم لدى المشعوذين. من هذه المشاكل تأخر سن الزواج، وعدم الإنجاب، والاضطرابات الجنسية، والأمراض المستعصية.
اقرأ أيضاً: نساء مصر يخيفهنّ سرطان الثدي.. ذلك الوحش