لفت مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (فرع تونس)، د. مهدي مبروك، إلى أن التحوّلات التي شهدتها بعض بلدان المنطقة خلال السنوات الخمس الأخيرة، كشفت عن مشاهد صادمة للفقر. جاء ذلك خلال الجلسة الختامية للندوة العلمية الدولية التي نظمها المركز أخيراً، تحت عنوان "الفقر والفقراء في المغرب العربي". وتمنّى مبروك أن تكون هذه المرة الأخيرة التي تنظّم فيها ندوة حول الفقر في العالم العربي.
وتداول خمسون باحثاً وباحثة على معالجة هذه الإشكالية التي لا تزال ترهق هذا الجزء الحيوي من العالم العربي، جامعين في ذلك الجوانب النظرية والمنهجية الخاصة بدراسة هذه الظاهرة إلى جانب حالات تطبيقية مختلفة. وتعددت مقاربات الباحثين لتحديد ماهية الفقر، وذلك بسبب تعدد المناهج والمفاهيم المستعملة لضبط ذلك وتحديد ما يسمى بـ"خط الفقر".
وجاء في ورقة الباحث إبراهيم فريد محاجنة أن 54.3 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في إسرائيل يعيشون ضمن أسر فقيرة، بسبب نظام الضمان الاجتماعي الإقصائي في تل أبيب. وتبرّر إسرائيل الأمر من خلال "التفسير السلوكي للفقر الذي يقول إن الفقراء مسؤولون عن فقرهم"، وتشير إلى مظاهر التشرد والإدمان على المخدرات والإجرام وعدم انخراط النساء في سوق العمل وغيرها. ويسأل: "أي التفسيرين أكثر ملاءمة للفقير في الداخل الفلسطيني: السلوك الذي تتبناه المؤسسة الإسرائيلية (الفقير كمذنب) أم التفسير البنيوي (الفقير كضحية)؟".
وحلّل الباحث عامر مصباح (الجزائر) الإشكالية نفسها بعد أن طرح أسئلة جوهرية في هذا السياق مثل: "هل يصنع الفقر بإرادة الجماعة؟ وهل لظاهرة الفقر جذور في البنية النفسية للفرد؟ أم أنها نتيجة طبيعة العلاقة بين الثقافة الاجتماعية وفرص النجاح والفشل الاقتصادي؟".
في سياق موازٍ، لا يزال الباحثون بالدول العربية يشكون من ندرة المعلومات الدقيقة والملزمة للجهات الرسمية. وقد دار جدال بين باحثين من دولة المغرب حول إشكالية الأرقام وذلك في سياق تقييم أداء الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي.
وتناولت الندوة ما يسمى بـ"الفقر الجندري" الذي يصل في بعض الحالات إلى حدود 20 بالمائة في صفوف النساء. فقلّة المعطيات أو عدم مصداقيتها أوجد فجوات واسعة ومخلّة لفهم ظاهرة الفقر وتحديد حجمها الحقيقي في دول المغرب العربي.
ووردت ملاحظة أساسية وهامة في أكثر من مداخلة تتعلّق بأن مرحلة ما بعد الثورات العربية لم يتحقق فيها أي تقدم لصالح عموم الفقراء وبالأخص النساء منهم اللاتي بقين يشكين من تراجع جهود وسياسات التمكين.
وأثبتت مختلف الأرقام والمعطيات أن الأطفال والنساء هما الشريحتان اللتان تتحملان بدرجة أساسية كلفة الصعوبات والخسائر التي ترتبت عن أوضاع المرحلة الانتقالية للثورات، خاصة بالنسبة لشريحة الريفيات اللاتي يخضعن لضغوط مستمرة هيكلية واجتماعية.
وأكدت الباحثة التونسية نادية شعبان عن منظمة (أندا)، أن أفقر الفقراء في تونس هم النساء، ما جعلهن يلجأن إلى ما سمّته بـ"اقتصاد الحد الأدنى لضمان البقاء".
وتناول بعض الباحثين تداعيات الفقر على مفهوم المواطنة في بعديه، الحقوق والواجبات "لأن المواطن العاطل عن العمل والفاقد للحد الأدنى من الخدمات تكون مواطنيته منقوصة أو مفقودة. وهو ما يجعل علاقته بالفضاء العمومي مختلفة عن بقية شرائح المجتمع".
ويتأثر الفقر أيضاً بنوعية السياسات والاختيارات التي تتبناها أنظمة الحكم. ففي الحالة الجزائرية، أكدت الباحثة سامية إدريس على أن "تبني الجزائر لما يُعرف باقتصاد السوق بعد فشل الاختيار الاشتراكي أدى إلى تراكم سلبيات الاقتصاد الموجّه والحر، وأفضت رأسمالية الدولة وعجز وتيرة التنمية عن استيعاب الطلب على الشغل.. وقد أدى ذلك إلى نشوء اقتصاد موازٍ تحتكره أطراف نافذة، من جهة ضباط في الجيش والجمارك وإداريين وساسة، تتمحور حولهم شبكات زبونية".
وأكدت الندوة أن "ظاهرة الفقر بدول المغرب العربي ليست قضاءً وقدراً بقدر ما هي ظاهرة اجتماعية ناتجة عن اختيارات سياسية واقتصادية من شأنها أن تعمّق الفوارق الاجتماعية بين المواطنين، وتعزز من نسب الفقر، وتضع جانباً هاماً من السكان أمام مصير صعب ومعقّد". ولهذا اعتبر الباحث الجزائري لحسن قرطاس أن "مشكلة الفقر ترتبط ارتباطاً مباشراً باستراتيجيات التنمية المتبعة، لأنه باستفحال الفقر يتأكد فشل سياسة التنمية".
اقرأ أيضاً: "معهد الدوحة للدراسات" يواصل قبول الطلاب