محمد، طالب ثانوي يعمل موظفا إلى جانب دراسته، في "بيلكا" التي تعتبر الأكثر مبيعا بالتجزئة، على خلفية نقاش على فيسبوك عن الإسلام.
غرقت بيلكا في أزمة حقيقية مع النقابات والرأي العام بتصرفها الذي اعتبره البعض "حجرا على حرية الرأي والتعبير"، ومخالفا تماما لحقوق الموظفين بفصل تعسفي.
الشاب البالغ من العمر 17 سنة، وهو وفق القانون، قاصر له الحق بالعمل، في أوقات الفراغ لساعات معينة إلى جانب دراسته، دخل في نقاش مع بعض ممن يحملون عداء للمسلمين، على أنه كان يعتبر نفسه "أوضح بعض الأفكار الخاطئة عن الإسلام والاتهامات التي تكال له".
اقرأ أيضا:مصر: الحصاد المر للأسبوع الأخير من 2015
اعتقد الشاب أنه بدخوله إلى مجموعة على الفيسبوك أنشئت ضد الإسلام، بعنوان "نعم للحرية لا للإسلام" ’JA TIL FRIHED – NEJ TIL ISLAM’ سيكون قادرا على محاورة المجموعة وشرح ما يراه خطأ في اعتقادهم عن الدين.
كثير من هؤلاء المحاورين، لم تعجبهم الردود، وبدأوا حملة استفزاز بحق الشاب المراهق برسوم وشعارات تشتم الإسلام بعبارات نابية، ووضع علم إسرائيل مع شعار "مع إسرائيل حتى الموت".
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل تساءل بعضهم بتهكم:"ما الذي يفعله محمد هذا في بلادنا ويعمل في بيلكا؟ عليه أن يغادر" رغم أن الشاب دنماركي بالولادة، وتقدم أحد أعضاء المجموعة بشكوى لسلسلة المتاجر ضد محمد، فقام مديره بفصله من العمل، من دون أن يتبين الحقيقة.
أحد الشخصيات المحاورة اتهم محمد بأنه "متعاطف مع الإرهابيين"، وهي تهمة سرعان ما تؤدي بصاحبها إلى كثير من المشاكل في هذه البلاد، وطالب بأن يوضع تحت رقابة الاستخبارات الدنماركية كـ"متشدد"، وذلك عملا بما تقوم به بالفعل الاستخبارات الدنماركية بمراقبة الشباب، وما يكتبون على فيسبوك.
اقرأ أيضا:عنصرية يومية ضد العرب في كورسيكا
بدأت تهديدات أعضاء المجموعة، تصل إلى صندوق بريد محمد، وبالفعل قدمت الشكوى بحقه من قبل شخص يتزعم النقاش ضد الإسلام، ويتهكم ويستفز الشاب.
قصة استدعاء المدير المسؤول لمحمد، وتقديم عقد الفصل من العمل، لم تبق سرا فقد انفجرت القضية في الصحافة منذ الأربعاء، وتصدرت العناوين الأولى حتى حين كان الدنماركيون يتجهزون لاستقبال العام الجديد.
تدخُّل النقابة التي تدافع عن حقوق الموظفين جعل سلسلة المتاجر، بالإضافة إلى الضجة الإعلامية، تشعر بأنها تسرعت في قرارها، وعلى الرغم من أن المجموعة قامت بشطب الحوارات التي كانت تتم فقد عرضت الصحافة، والتلفزة ما كان يدور، فتبين بأن الشاب كان يثني على مكان عمله، وزملائه مما أحرجهم أكثر بسبب التسرع، وتصديق الشكوى من دون التوثق من أن أنه لم يخرق أي قانون يتعلق بمكان عمله.
في الدنمارك التي تشهد مثل غيرها المزيد من التوجه يمينا، والجرأة المتصاعدة في إبداء الكراهية، وإطلاق مسميات لا تعترف ببشرية المسلمين كالقول: "لا نريد هذه الكائنات المسماة مسلمين بيننا"، ولم يقف بعض السياسيين وأعضاء البرلمان، من اليسار ويمين الوسط، مكتوفي الأيدي أمام هذه القصة.
انتقد كثيرون سلسلة المتاجر الدنماركية وما سماه أحدهم "الخضوع لمجموعة عنصرية" في فصل شاب من عمله، وعبرت أسماء سياسية معروفة في المجتمع عن تضامنها مع الشاب المفصول من عمله، ورفض هؤلاء وصول النقاش "إلى هذا الحد الذي يجعل المسلم وكأنه مطارد في بلادنا"، كما ذكر أحد أعضاء البرلمان على موقعه في تويتر.
ومن جانبه، كتب مسؤول حزب الليبراليين في البرلمان، اندرس صموئيلسن، على موقعه تعبيرا أثار فزع متزعمي الحملة ضد المسلمين في البلاد "الآن قرأت ما دار من حوار بين شاب في الـ17 من عمره وبيورن ابن الـ71 النتيجة: محمد انتصر انتصارا ساحقا . والآن ما آمله هو أن يعود سريعا إلى عمله".
تدخُّل أعضاء البرلمان في النقاش المندلع، يراه كثيرون مؤشرا على مخاوف حقيقية من أن تصبح صورة المجتمع الدنماركي "بهذا الشكل الحزين، والمؤسف في النقاش والحوار"، كما قالت السياسية عن حزب الديمقراطيين ييلديز اكدوغان.
بينما اتهمت عضوة البرلمان عن حزب الشعب الاشتراكي اليساري كارينا لورينتزن سياسة المتاجر بالنفاق، وقد كتبت على تويتر: "بيلكا تريد بالتأكيد استخدام اللاجئين مجانا في العمل لديها، لكن المسلمين ممنوع عليهم أن يشاركوا في النقاش العام، فأي نفاق".
إذا على عكس ما تمناه القائمون على الصفحة المحرضة على المسلمين، وخصوصا المتزعم للشكوى ضد محمد توماس تيلنر، وهو يبدي ندما على ما قام به، بعد أن فوجئ بردود الفعل والتعاطف الكبير الذي كسبه محاوره بعد فصله من العمل.
وبالفعل، قام مواطنون عاديون بتخصيص صفحة على فيسبوك تدعو لمقاطعة سلسلة المتاجر بيلكا، وهدد القائمون على الصفحة من الدنماركيين بحملة مقاطعة جدية إذا لم يسحب قرار الفصل، ويعاد محمد إلى عمله.
المعني بالأمر الشاب محمد الجوهري، قال في مقابلة إذاعية وتلفزيونية:"جوهر الموضوع أنني حاورت حول مشكلة كبيرة، والمثير في الأمر بأن نقاشا بسيطا أثر في البعض إلى درجة استدعاء تدخل الاستخبارات الدنماركية بحقي".
قضية محمد هي بمثابة جبل الجليد، في معاناة كثير من الشباب الذين يحملون أسماء غير دنماركية، والذين يعيشون كمواطنين بالولادة في المجتمع من جهة، والتمييز الحاصل بحقهم في الجهة الأخرى عند فرز طلبات التوظيف ومنع كثير منهم من أخذ فرصة إيجاد "أماكن تطبيق" مثل بقية الشبيبة في المجتمع أثناء وبعد الانتهاء من الدراسة.
وسهولة الطرد من الوظيفة لمجرد أن أحدهم قدم شكوى ضد شاب مسلم بحجة "دعم الإرهابيين"، بل والادعاء بأن طرده من العمل "بسبب الخوف عليه من أن يصبح مسلما راديكاليا" ( كما جاء حرفيا في التبرير) يظهر إلى أي مدى تهيمن النقاشات المرتبطة بالرهاب من المسلمين. وربما تكون قضية محمد واحدة من القضايا التي ستدفع البلاد إلى إعادة النظر في التجييش القائم، لأنه من الممكن وفق رأي سياسيين ومعلقين "الدفع بهؤلاء الشباب بالفعل نحو الهامش فيستقبلهم أصحاب الفكر المتطرف بكل ترحاب".