في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، قبل حلول عيد الفطر، شهدت أسواق البلدات العربية في فلسطين المحتلة حركة تجارية نشطة وإقبالاً من المستهلكين على شراء حاجيات العيد المتنوعة من ملابس وطعام وحلويات وغيرها.
وفي إطار أجواء الشهر الكريم، كان من أبرز الحملات الخاصة بالعيد، مبادرة تولاها فراس حمدان، وهو صاحب أحد متاجر الملابس المعروفة في قرية كفر كنا في الجليل، وتمثلت في تقديم كسوة العيد، أي ملابسه، مجاناً للأيتام. ودعا في منشور على حسابه في موقع فيسبوك، الأيتام إلى التوجه إلى متجره مع أهاليهم من أجل الحصول على الملابس.
وبالفعل، لاقت دعوته أصداء إيجابية، خصوصاً مع إعادة نشرها من كثير من الأهالي الذين باركوا خطوته، التي لم تقتصر على أيتام بلدته المعروفة في العهد القديم باسم "قانا الجليل".
وعن مبادرته تلك، يقول حمدان الذي زرع البسمة على وجوه كثير من الأيتام الذين قصدوا متجره: "أعلم أنّ غلاء الأسعار هو الموضوع الأكثر تداولاً بين أهالي البلدة. كما أنّ الأهالي يتحدثون عن استغلال المتاجر رمضان والعيد لرفع الأسعار بدل تخفيضها، فيضطر المواطن إلى الشراء من خارج البلدة، خصوصاً من محلات اليهود". ويردف: "لكن وضع الجميع في سلة واحدة غير عادل، فهناك كمية لا يستهان بها من المحلات التجارية التي تحاول جاهدة أن تساعد المواطن الكناوي البسيط، مع الحفاظ على إمكانية ربح معقول في فترات الأعياد.. ومن أجل الوصول الى هذه الموازنة يجب أن تتوفر لدى صاحب المصلحة التجارية الرغبة الصادقة لمساعدة أهالي قريته أولاً، والربح بما يرضي الله وضمن المعقول ثانياً".
ولم يكتف حمدان بتقديم الكسوة للأيتام مجاناً، بل أيضاً أجرى تخفيضات مهمة لغيرهم من الأهالي. كما أكد أنّه وزع على الأيتام الملابس المجانية، مع الحفاظ على سرية ذلك تماماً، وعدم كشف أسماء من استفادوا، فعمله كما يقول "لوجه الله".
لاقت مبادرة حمدان الكثير من التجاوب من جانب عائلات عديدة تتولاها نساء أرامل، حيث توافد هؤلاء إلى متجره من كفر كنا ومن بلدات أخرى مجاورة كالناصرة وطمرة، من أجل الحصول على ملابس العيد.
ويعتبر الأمر مميزاً، خصوصاً أنّ المتجر معروف منذ افتتاحه قبل 12 عاماً لدى الأهالي بأزيائه العصرية الشبابية المميزة للجنسين.
وعن فكرة المبادرة، يقول حمدان لـ"العربي الجديد": "قرأت على فيسبوك نداء من إحدى الشخصيات في كفر كنا يدعو فيه التجار إلى اتقاء الله في ما يبيعون من أسعار، وعدم رفعها قبل العيد، خصوصاً في ظل الغلاء الذي نعيشه. فقررت أن أبادر بنفسي وأخفض الأسعار، وأدعو الناس إلى الشراء من بلدتهم. كما قررت دعوة الأيتام والفقراء إلى أخذ كسوة العيد مجاناً، وبأسعار زهيدة. وبالفعل فقد أقبل كثير من الناس إليّ وغمروني بتشجيعهم ودعمهم وحبهم".
يضيف حمدان: "في الأسبوع الأخير من رمضان تزايد إقبال الناس على أسواق الملابس بشكل كبير. وكسرت مبادرتي بعض الحواجز أمام عائلات أرامل وأيتام سمعت الكثير من قصصهم خلال 24 ساعة فقط من الإعلان على فيسبوك". ويتابع: "حاجة العائلات كانت أقوى من الخجل في هذه الظروف. فقد اتصلوا بي قبل مجيئهم ورحّبت بهم، كما أكدت لهم أنّي سأحافظ على سرّيتهم، حتى ولو لم يطلبوا ذلك".
من جهتها، تقول فايدة عواودة، وهي زبونة في المتجر، عن مبادرة حمدان هذه: "بارك الله فيه وأكثر من أمثاله في بلدتنا.. هذه المبادرة أدت دوراً إيجابياً كبيراً، وشجعتني على شراء ملابس العيد لأولادي من متجره. فهذا عمل خيري لا بدّ من تقديره".
أما رحمة عواودة، التي اشترت الملابس من المتجر أيضاً، فتقول: "هذه مبادرة مباركة في العيد، كل الاحترام له. سأخبر معارفي في البلدة بأنّ هناك أشخاصاً خيّرين. أخبرت صديقتي عنه، فزوجها مريض جداً لا يستطيع العمل ولديها أطفال".
بدوره، يقول الزبون كرم إمارة، الذي اختار ملابسه للعيد من متجر حمدان: "تفاجأت كثيراً بالمبادرة، خصوصاً أنّ في المتجر ملابس غالية لماركات معروفة أميركية وتركية. لا أعتقد أنّ صاحب المتجر كسب مالياً في هذه الفترة، ومع ذلك، أنا فخور جداً بما فعله، خصوصاً أنّه يعمل الخير لوجه الله".
أما عهود حمدان، زوجة حمدان، فكانت قد قرأت عن المبادرة كغيرها على فيسبوك، ولم يخبرها عنها من قبل. هي تعمل في المتجر نفسه في القسم النسائي، وتقول: "فراس دائماً لديه مفاجآت جميلة.. هو يحب العطاء ومساعدة الآخرين، ويفعل ذلك من دون أيّ إعلان عادة".
اقرأ أيضاً: لا شيء فوقَ ضحكات الأطفال