يشعر أبو علي (56 عاماً) بالحزن، ويظهر الهم على قسمات وجهه بعد نحو عامين من النزوح عن منزله ومدينته. ولم يعد قادراً على حبس دموعه وهو يراقب صغيره صابر ذا العشرة أعوام يلعب بملابس رثة مع بعض صبية الجيران، وهو الوحيد الذي بقي له مع بناته الخمس بعد أن فقد ولده البكر علي في قصف الطائرات الحربية على مدينة الفلوجة.
ويقول أبو علي: "لم يمر علينا العيد كما كان سابقاً، عندما كنا بين أهلنا وفي مدينتنا. نحن الآن نعيش غربة النزوح وآلامه في بيت طيني متهاوٍ لا يكاد يتسع لي ولعائلتي، ولم أشعر سوى بمواساة الجيران. أفتقد لمدينتي وأصدقائي وأحبائي والشوارع وضحكات الأطفال وملابسهم الجديدة وتجوالي بينهم وأنا أعطيهم العيدية كعادة جميع العراقيين كل عيد".
ويتساءل أبو علي: "نحن نعيش في حالة مأسوية، ولا ندري متى تكون نهاية معاناتنا، ولكن لماذا تخلى الجميع عنا؟". ويضيف: "هل ستمر علينا بقية الأعياد ونحن في غربة النزوح إلى حيث لا ندري، ولا أحد يشعر بمعاناتنا إلاّ بعض ممن يزوروننا من الناشطين أو المنظمات الإنسانية بين آونة وأخرى".
ويقدر عدد النازحين بالعراق بنحو ثلاثة ملايين مواطن، هربوا من المعارك الدائرة بالمدن الشمالية والغربية من البلاد إلى مناطق كردستان وبغداد ووسط البلاد، في وقت فرّ نحو مليون و200 ألف عراقي إلى خارج العراق نحو دول أبرزها تركيا والأردن ولبنان، وفقا لتقديرات مكتب بعثة الأمم المتحدة بالعراق عن الشهر الماضي.
ولا يختلف حال ثلاثة ملايين نازح في العراق عن حال "أبو علي" الذي مر عليه ثالث عيد خارج مدينته، بعيداً عن أهله وأصدقائه الذين شردتهم براميل الموت وصواريخ الطائرات وشتتت شملهم شمالاً وشرقاً وغرباً.
شيماء العبيدي (35 عاماً) هي الأخرى فقدت زوجها خلال العمليات العسكرية التي طاولت جرف الصخر. ونزحت بأطفالها الأربعة إلى شمال العراق باحثةً عن الأمن، ولا تملك سوى راتب زوجها التقاعدي الذي لا يكفي لاستئجار منزل أو حتى شقة صغيرة، لكنها تعمل في خياطة الملابس النسائية لتعيل أطفالها الصغار.
وتروي شيماء قصتها لـ"العربي الجديد" وتقول: "لا أشعر بطعم العيد مطلقاً، فقدت زوجي وترملت وأنا في عز شبابي، وما يثقل همي أكثر أطفالي الأربعة فهمهم كبير جداً ولا أعرف كيف أدير شؤونهم لوحدي. استأجرت غرفة صغيرة بمبلغ 300 ألف دينار ليبقى لي من راتب زوجي التقاعدي 100 ألف دينار فقط، وهي لا تكفي مطلقاً لاحتياجات أطفالي، لكني أعمل في خياطة ملابس الجيران وهم من النازحين كذلك لأوفر لقمة عيشي بشرف".
وتقول شيماء: "العيد أصبح له معنىً آخر غير الذي كان يمر علينا سابقاً، تغيرت حالنا بعد أن عصفت بنا رياح الدمار والخراب والموت، وما يحزنني أن أرى كثيراً من أطفال النازحين بملابس رثة، فلا يقدر ذووهم على شراء ملابس جديدة للعيد، فتبرعت بخياطة ملابسهم قبل قدوم العيد لأشارك في رسم البسمة على شفاههم لعل الله يفرِّج عنا هذه الكُربة".
ومع أول تكبيرة للعيد أجهش صلاح صبار (39 عاماً) بالبكاء، ناظراً إلى أطفاله الصغار وهو غير قادر على شراء ملابس العيد لهم، فحالته المادية ضعيفة وهو يكابد العمل بأجر يومي في أحد مشاريع البناء ليوفر بالكاد قوت عائلته اليومي.
ويقول صلاح: "طعم العيد مرٌّ للغاية، وهذا هو العيد الثاني بالنسبة لي وأنا خارج مدينتي وبعيداً عن أهلي، فشقيقاي كلٌ منهم في مدينة ووالدتي في مدينة أخرى، ولم أستطع معايدتهم. فأي عيدٍ هذا ونحن في هذا العذاب ومتى يلوح ذلك النور البعيد في النفق المظلم"؟
اقرأ أيضاً:رمضان نازحي العراق بين العقارب والأفاعي