يهجمون على وزير الطاقة باعتباره "سارقاً". هو الذي حين قال: "شو بجيب كهربا من بيت بيّي"، كان يقصد أنّه ليس المسؤول عن الأزمة المتناسلة منذ 20 عاماً. ومعروف في لبنان أنّ الوزراء لا يستقيلون إلا لأسباب سياسية. لكنّه كان "الحلقة الأضعف" في تلك اللحظة "الشتائمية".
هي واحدة من اللحظات القليلة التي يكتشف اللبنانيون خلالها كم أنّه لا فرق بين نصر الله وحريري، ولا بين جميّل وجعجع ولا بين عون ومرّ، ولا بين نبيه برّي وتمام سلام. (لن نأتي على ذكر جنبلاط حتّى لا يشتمنا وائل أبو فاعور).
اقرأ أيضاً: عن "زلمة فلان" في لبنان
واحدة من اللحظات القليلة والاستثنائية حين يكتشف اللبنانيون، أو قل: يتذكّرون، لأنّهم يعرفون دائماً، يتذكّرون أنّهم يناصرون مجموعة سياسيين يتشابهون في احتقار المواطنين وفي لامبالاتهم بأمورهم الحياتية اليومية.
حين فاحت روائح النفايات وبدأ الأطفال يمرضون (ابني وابنة أخي منهم)، وانقطع التيار الكهربائي خلال موجة حرّ وصلت خلالها الحرارة إلى 40 درجة مئوية في بيروت، وبدأ بعضهم يُقتلون في الشوارع أمام المارّة على أيدي زعران "مسنودين"، نظر هؤلاء الغاضبون من حولهم، ولم يستطيعوا اتّهام الزعيم "الآخر" الذي يكرهونه.
أيقنوا أنّ هذه ليست إلا روائح الفساد الذي سكتوا عنه ربع قرن، مرّة خوفاً من زعيم، ومرّة طمعاً في حصّة أو وظيفة، ومرّة طلباً لخدمة أو معونة. أيقن الصائحون أنّ مناصري حزب الله لن يفلحوا باتهام الحريري بسرقة أموال الكهرباء، ومناصري الحريري لن يوفّقوا باتّهام "حزب الله" بأزمة النفايات، والعونيين والقواتيين لن يقنعوا أحداً بأنّهم ليسوا سبب تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية.
اقرأ أيضاً: بالصور: هكذا انقسم اللبنانيون حول زعمائهم.. وهم يغرقون بالزبالة
هي لحظة يمكن معها القول إنّ بعض المواطنين اللبنانيين هم الجزء الأكثر فساداً في لبنان. لأنّ التغيير بأيديهم. لكنّهم في أيّ انتخابات مقبلة، نيابية أو نقابية أو بلدية أو حتّى في لجنة البناية، سيعيدون انتخاب "المذهبية"، وبالتأكيد "على العمياني".
ربّما تكون لوحة الفنان حسن جوني المرفقة بهذا النصّ هي الأكثر تعبيراً. فهو رسم اللبنانيين داخل صناديق النفايات وخارجها، بعضهم يرمون فيها وبعضهم "فيها".
بعض اللبنانيين العاديين لا يقلّون سوءاً وفساداً عن السياسيين. هم فقط "نقّاقون" أكثر منهم، ويكذبون أكثر. فالزعيم المذهبي يتحدّث باسم المذهب و"حقوقه"، بينما المواطنون يدّعون الانفتاح و"المواطنة" ثم يمارسون المذهبية كما لو سرّاً.
هم هكذا، نقّاقون وكذّابون، ولن يتغيّر شيء من أحوالهم ما داموا هكذا.
اقرأ أيضاً: عن رضيع ربيع كحيل الذي يشبهنا... نحن أيتام الوجع