يُعرَف حيّ بن ريسول الواقع في المدينة القديمة في طنجة، بأمهر الخياطين التقليديين الذين ما زالوا يفتحون أبواب محلاتهم الصغيرة ويعملون في داخلها على مقاعد خاصة، أو يحملون كراسيهم ليمارسوا صنعتهم على درج الحيّ الشهير.
في الحيّ، وتحديداً على جانبَي الدرج المؤدي إلى القصبة أو قهوة بابا، ستة خياطين توارثوا المهنة أو تعلموا الصنعة من معلمين سابقين في الحرفة. والخياطة التقليدية بالنسبة إليهم هي مصدرهم الوحيد للعيش، في وقت تتعرض فيه هذه المهنة لتهديدات وضغوطات عدة بسبب التطور الحاصل.
رضوان أغبالو خياط منذ 28 عاماً، يملك مشغلاً خاصاً به. يقول: "تعلمت الخياطة منذ صغري. أتى بي والداي إلى هذا المكان ولم يكن أمامي أي خيار ثان". يضيف أن "ما يميّز الخياطة التقليدية حتى الآن هو إقبال الناس عليها لأنها ترتبط بخياطة البلدي (الجلابية النسائية والرجالية). ويكثر عليها الطلب في رمضان وعيد الأضحى وبمناسبة المولد النبويّ. لكن هذه المهنة تحتاج إلى أشخاص جدد يتعلمونها". ويشدّد على أن "من لم يتعلمها في الصغر، لن يتقنها في الكبر. خياطة الليبرو أو الإبرة تختلف عن الخياطة العصرية، إذ تستلزم جهداً ووقتاً".
ولا يشكو أغبالو من صعوبات في مهنته، إذ هي "لا تحتاج إلى التجديد والابتكار حفاظاً على التقليد المتوارث في شكل الجلابة، ولا تستوجب دفع ضرائب". ويشدد قائلاً: "أنا لا أواجه أي صعوبات. من يعمل فهو يعمل لنفسه، المهم هو الجودة. ونحن نحافظ على تقاليدنا ولا نتبع أي أسلوب تجديد". يضيف: "صحيح أننا شهدنا أخيراً تراجعاً في ارتداء الجلابة لأن الناس بأكثريتهم تأثروا باللباس العصري، إلا أنها سوف تبقى طالما أنها مرتبطة بالدين وبتشجيع من الملك الذي يرتديها في أكثر المناسبات".
أمّا عن التحديات، فيشير أغبالو إلى أن "وزارة الصناعة المغربية لا تراعي أو لا تهتم بمثل هذه المشاريع الفردية الصغيرة. كذلك فإن الصنّاع غير محميين، فلا تقاعد ولا ضمان اجتماعي يؤمنان لهم عيشاً كريماً. لكن أكثرهم، يفضلون العمل بمهنتهم حتى لا يضطرون إلى ملازمة بيوتهم".
محمد العوني (ستينيّ) جاء إلى طنجة قبل 15 عاماً تقريباً، يتقن حرفة الخياطة مذ كان في السادسة عشرة من عمره، على يد فقيه في الجامع. الأخير كان يخيط والعوني كان يمسك خيوط "البوشمان" (نوع من التطريز على أطراف الجلابة المغربية) بيدَيه. يقول إن "الخياطة التقليدية عمل صعب، يتطلب وقتاً طويلاً"، فهو ينشط على مدى ساعات النهار وحتى الساعة العاشرة مساء. ويوضح أن "خياطة الجلابة لم تتبدل، وهي تشهد إقبالاً كبيراً. أما سعر الجلّابة الواحدة فيصل إلى أربعين يورو (44 دولاراً أميركياً) تقريباً". ويشدّد على أنه يجد فيها "راحته، وعملاً نظيفاً وشريفاً". لكنه يشكو من "ندرة الأطفال الراغبين في تعلمها. في الماضي، كان أطفال بسن العاشرة يقبضون على خيوط البوشمان بدلاً من الماكينة التي نستخدمها اليوم. لكن أكثر الشباب والأطفال يفكرون في الهجرة إلى إسبانيا في أقرب فرصة.
لم يعودوا يفكرون بالخياطة على أنها صنعة. لكنها وبالرغم من ذلك هي مهنة، وفيها كلّ الخير".
وما يعاني منه العوني هو التعاطي مع الزبائن الذين لا يحسنون التعامل في كثير من المواقف، بالإضافة إلى أن الجلّابة قد تتطلب يومين أو أكثر لإنجازها، واختفاء الأطفال الذين يدربون على ذلك. ويبقى للعوني إلى الجهة الأخرى من المقعد، رفيق بمثل سنّه يساعده على إنهاء الجلّابات التي سبق وأخذ قياسها. وهما استعاضا عن الأطفال بآلة تطريز "البوشمان".
من جهته، يعمل حسن عتّو بالخياطة منذ 18 عاماً، "وأنا اخترتها عن سابق إصرار وتصميم لأنها جيدة". هو يؤكد أيضاً أنه لا يواجه صعوبات، باستثناء "سلوكيات بعض الزبائن غير الحسنة. ولا يظنّ أنها مهنة ستتغير في المستقبل". إلى ذلك يتفق مع الآخرين على أنها تشهد إقبالاً ضعيفاً، إذ قلة هم الأشخاص الراغبون في احترافها، على خلفية الحياة العصرية التي تحل فيها الآلات محل الأيدي العاملة.
وعتّو يحترف "اللباسي" وهو تطريز خاص بالأعراس بالإضافة إلى "التزويق" أي التزيين الذي هو أصعب من ناحية الإتقان من "البوشمان" و"القيطان" و"اللباسي" و"السفيفة". يقول إن "الجلابة التقليدية تغيّرت فقط من ناحية الشكل، لكن خياطتها تبقى على حالها. ويكثر الطلب عليها في موسم الأعراس وفي شهر رمضان"، وهو ما يشجعه على التمسك بها إذ إنها "تؤمّن لي مردوداً يكفيني للعيش".
اقرأ أيضاً: أحمد الواري غريبٌ في طنجة يحتاج رحمة الله