صورة تحجب موقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لن تختفي قبل الضغط على رمز الإغلاق. في الصورة بحر وقارب مطاطي ولاجئون. عنوانها "أزمة اللاجئين في أوروبا.. آلاف العائلات أُجبرت على مغادرة ديارها". وفي أسفلها عبارة "تبرّعوا الآن". لم تكن لتظهر على الراغب في تصفح الموقع قبل فترة، ما يؤكد أن المفوضية وغيرها من الوكالات الإغاثية تعاني من أزمة تمويل ضخمة، حتى لتبدو عاجزة عن تلبية احتياجات اللاجئين السوريين. على أي حال، الأمر ليس سراً، وقد لجأت المفوضية إلى الحدّ من المساعدات التي يشكو اللاجئون من قلّتها أصلاً.
بحسب مفوضية اللاجئين، تجاوز عدد اللاجئين السوريين في دول الجوار الأربعة ملايين، على أن يصل إلى 4.27 ملايين في نهاية العام الجاري. ويقدر عدد المسجلين منهم في لبنان بنحو مليون ومائة وثلاثة عشر ألف لاجئ، علماً أن رئيس المفوضية، أنطونيو غوتيريس، كان قد أعلن، في يوليو/تموز الماضي، أن هذا أكبر عدد للاجئين من صراع واحد، داعياً المجتمع الدولي إلى دعمهم.
العجز المالي في مقابل زيادة أعداد اللاجئين سيفاقم حجم الكارثة الإنسانية هذه، ويدفع عدداً كبيراً منهم إلى المجازفة بحياتهم، عسى أن يتمكنوا من الوصول إلى أوروبا. منظمة الصحة العالمية كانت قد طالبت الدول المانحة بمبلغ 249 مليون دولار لتقديم خدماتها للاجئين، ولم تحصل إلا على 818 ألف دولار (لهذا العام)، ما يعني أن هناك فجوة في التمويل بنسبة 90 في المائة. مثلها، وإن بنسبة أقل، مفوضية اللاجئين، التي طالبت بـ2.1 مليار دولار لتأمين الحاجات الأساسية للاجئين، وحصلت فقط على نسبة 40 في المائة منها. ينسحب الأمر أيضاً على برنامج الأغذية العالمي. تقول المسؤولة الإعلامية، عبير عطيفة، لـ"العربي الجديد" إن البرنامج كان قد طالب أيضاً بأكثر من مليار دولار، إلا أنه حصل على أقل من 40 في المائة من المبلغ المطلوب.
فجوات التمويل هذه أثّرت بشكل كبير على اللاجئين السوريين. ليس مهماً هنا استعراض معاناتهم، والحديث عن أطفال يمضون يومهم وبعضاً من ليلهم على الطرقات. يعرف هؤلاء، "رجال البيت" كما يقال لهم، أن ما يعيشونه هو ذل، ولا يقيهم العمل شرّ هذا الوصف. الحرب وأزمة اللجوء لم تترك لهم وقتاً للبكاء. وحين يجدونه، لن يتخلوا عنه بسهولة. هم ليسوا إلا جزءاً صغيراً، وصغيراً جداً من مشهد الأزمة.
ولأن التمويل تقلّص، وباتت المساعدات أقل، اختار بعضهم المخاطرة بأرواحهم والسفر إلى أوروبا. الموتُ لن يزيد شيئاً من معاناتهم، لكن الوصول إلى أي أرض أوروبية قد يكون بشرة خير. في لبنان، قد يبدو المشهد خطيراً. تقول المسؤولة الإعلامية في مفوضية اللاجئين، ليزا أبو خالد، لـ"العربي الجديد"، إن 70 في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر.
في المقابل، تزداد الحاجات، علماً أنها ارتفعت بنسبة 20 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي. قبل بدء الأزمة السورية، كانت المفوضية تُعنى بمساعدة اللاجئين العراقيين والسودانيين وغيرهم بشكل أساسي. بدأت الحرب، وتبعها تدفق عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى لبنان، ما اضطرها إلى إنشاء مكاتب عدة في الميدان لتلبية الاحتياجات المتزايدة.
تلفت أبو خالد إلى أن 18 في المائة (180 ألفاً) فقط من اللاجئين يعيشون في 3000 مخيم عشوائي، فيما يقطن البقية في كاراجات أو مبان لا تصلح للسكن، وغيرها. تضيف أن 80 في المائة من القاطنين في المخيمات يدفعون بدل إيجار الأرض، الذي يصل إلى 500 دولار سنوياً، ما يفاقم الأزمة. كما أن 55 في المائة من اللاجئين يعيشون في أماكن غير لائقة.
وترى أبو خالد أن اللاجئين سيبدأون اعتماد استراتيجيات سلبية، منها عدم إرسال أولادهم إلى المدارس بهدف العمل، والاعتماد على وجبة غذاء واحدة في اليوم، بالإضافة إلى اضطرار النساء إلى العمل في ظروف غير آمنة ليلاً أو في المصانع وغيرها. في الوقت نفسه، توضح أن النازحين لا يأكلون اللحوم، وربما لن يكونوا قادرين بعد اليوم على شراء الخضار أو الفاكهة، ما يعني أنهم سيعتمدون في غذائهم على الحبوب فقط.
ومع اقتراب فصل الشتاء، يصير التحدي الأبرز بالنسبة للمفوضية، تأمين الاحتياجات الأساسية للاجئين لمواجهة البرد. وتعمل في هذا الإطار على مستويات عدة، منها إعادة تأهيل بعض المنشآت السكنية التي لا يوجد فيها سقف على سبيل المثال، تحسباً لسقوط الأمطار، ومدّ أولئك القاطنين في المخيمات العشوائية بالشوادر البلاستيكية والأخشاب، بالإضافة إلى المازوت للتدفئة والأغطية والفرش. أيضاً، تشير أبو خالد إلى تقديم مساعدات شهرية بقيمة 175 دولاراً للاجئين الذين يعانون من أمراض أو إعاقات، وكبار السن الذين لا يعملون وليس لديهم أي معيل. وبطبيعة الحال، هذه المساعدات لا تشمل جميع الذين يقعون ضمن هذه الفئة.
اقرأ أيضاً: فرنسا تعتزم إنفاق 100 مليون يورو على اللاجئين
عاماً بعد آخر، يزداد أعداد اللاجئين، حتى باتت المساعدات المقدمة من الدول المانحة من خلال المنظمات الإنسانية، غير كافية لسدّ احتياجاتهم الأساسية. تكشف أبو خالد أن 70 ألف عائلة سورية نازحة تحتاج إلى مساعدات في فصل الشتاء. وفي حال عدم حصول المفوضية على المال، لن تتمكن من مساعدة جميع هذه العائلات. تضيف "إننا في حاجة إلى تأمين المال لسدّ خمسة آلاف فاتورة استشفائية. وإن كان من المبكر الحديث عن سوء تغذية، إلا أنه يتوقع أن تكثر الأمراض التي تزداد أصلاً في فصل الشتاء، في ظل تراجع التغذية".
إلى ذلك، ترى أبو خالد أن هذه الأزمة ستدفع عدداً كبيراً من النازحين إلى ركوب القوارب المطاطية، طالما هناك احتمال للوصول إلى أوروبا. ففي ظل تقليص المساعدات، يواجه هؤلاء الموت يومياً. ويأتي ترجيحها هذا مع شطب المفوضية المستفيدين الذين تنقطع كل وسائل الاتصال بهم.
وتجدر الإشارة إلى أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كانت قد توقعت عبور نحو ثلاثة آلاف شخص يومياً إلى مقدونيا خلال الأشهر المقبلة، وفي مقدمتهم سوريون فارون من الحرب في بلادهم ومن الدول المجاورة لها.
وحتى لو توفر المال المطلوب، فإن المفوضية لن تكون قادرة على مساعدة جميع اللاجئين. على سبيل المثال، أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة، كالسرطان وغيرها. تتحدث أبو خالد عن "ضرورة مشاركة لبنان هذا العبء"، علماً أنه من بين أربعة مواطنين لبنانيين، هناك لاجئ سوري.
تخشى مفوضية اللاجئين الأسوأ، وإن كان هناك توجه لضخ المال مجدداً. وهذا حال برنامج الأغذية العالمي أيضاً، خصوصاً بعد تخفيض قيمة القسائم الغذائية أو "البطاقة الإلكترونية" في لبنان، إلى النصف، لتصل إلى 13.5 دولاراً فقط للشخص الواحد شهرياً. أما في الأردن، فقد علّقت المفوضية مساعداتها للاجئين الذين يعيشون خارج المخيمات (440 ألف شخص).
وفي السياق، تكشف عطيفة لـ"العربي الجديد" شطب حوالى 230 ألف نازح عن خريطة المساعدات، بينهم 130 ألفاً في لبنان. وفي الوقت الحالي، لا يبدو أن التمويل في طريقه إلى البرنامج، الأمر الذي دفعه إلى اتباع سياسة التقشف. وإذا ما استمرت المشكلة، ستعمد إلى شطب المزيد من المستفيدين. وتشير عطيفة إلى أن البرنامج لا ينوي تخفيض قيمة القسائم الغذائية حتى لا تنعدم الفائدة منها تماماً.
وتأمل حدوث ما سمته بـ"صحوة" المجتمع الدولي، خصوصاً بعد التدفق الكبير للاجئين إلى أوروبا. وتلفت إلى أن البرنامج لا يستطيع تقديم المساعدات إلى نصف الشعب السوري (النازحون في الداخل والخارج)، مضيفة أن "الحل يجب أن يكون سياسياً"، وليس من خلال المساعدات.
لكن هل الدول المانحة عاجزة حقاً عن تقديم المساعدات؟ تشير عطيفة إلى أن الأمر لا يتعلق بالعجز، بل بظاهرة نسميها "إرهاق الدول المانحة" (وهو تخفيض تدفق المساعدات مع الوقت لعدة أسباب، من بينها امتداد فترة الأزمة، وبروز أزمات جديدة في مناطق أخرى)، والتي نراها في حال طالت الأزمة إلى أكثر من ثلاث سنوات.
من جهتها، ليس لدى منظمة الصحة العالمية أي معطيات حول مدى تأثير نقص التمويل على اللاجئين السوريين، كما تقول المتحدثة الإعلامية باسم المنظمة، صباح رمزية، لـ"العربي الجديد". تضيف أنها لا تملك خططا بديلة، علماً أنها تعمل على تمكين الحكومة اللبنانية، وتأمين الرعاية الصحية وتقديم الأدوية والمعدات الطبية اللازمة. وتشير إلى أن 1.1 مليون لاجئ سوري يقيمون في لبنان يحتاجون إلى خدمات صحية. وفقاً لهذه المعطيات، يبدو أن أزمة اللجوء ستصير أزمات.
اقرأ أيضاً: "بوصلة" المهاجرين.. مبادرة سورية لإنقاذ الزوارق من الغرق