عادت الاحتجاجات في تونس لتتصدر مشهد الأحداث على الساحة العربية من جديد، وتعيد إلى الأذهان ثورة 14 يناير/كانون الثاني عام 2011. لم تتغير الدوافع، وأبرزها الشغل والكرامة. انطلقت الاحتجاجات في محافظة القصرين عقب موت الشاب رضا اليحياوي (26 عاماً) في 16 يناير/كانون الثاني، إثر تعرّضه لصعقة كهربائية جرّاء تسلّقه عمود كهرباء رفضاً للأوضاع القائمة في بلاده. لم يكن مجرد حادث، فقد أقدم على الانتحار بسبب استثنائه من الانتدابات في وزارة التربية.
ولم يكن رضا اليحياوي الشاب الأول الذي أقدم على الانتحار بعد محمد البوعزيزي. فعلى مدى السنوات الخمس التي تلت الثورة، اختار العديد من الشباب التونسي الموت الإرادي. ولا يكاد يمرّ يوم من دون نشر أخبار في الصحف التونسية عن إقدام شاب على الانتحار. ربما تختلف الأساليب لكن الأسباب متشابهة، أبرزها الفقر والبطالة التي يعاني منها نحو 700 ألف شاب (خلال العام الماضي)، في مقابل 490 ألفاً خلال عام 2010. وساهم انتحار رضا اليحياوي في تأجيج الشارع التونسي انطلاقاً من القصرين، لتشهد المنطقة احتجاجاً كبيراً أدّى إلى مواجهات بين الأهالي ورجال الأمن.
أحداث القصرين دفعت بالحكومة التونسية إلى عقد مجلس وزاري يوم الأربعاء الماضي، وقد أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد شوكات مجموعة من القرارات، من بينها تشغيل خمسة آلاف عاطل عن العمل، وتكوين لجنة لمتابعة الفساد وإعداد برامج تنموية تنفذ خلال عام 2016، من دون أن ينجح في إخماد الاحتجاجات التي توسعت لتشمل مدن كثيرة في مختلف محافظات البلاد التونسية، على غرار سيدي بوزيد وتوزر وباجة وجندوبة، أي غالبية المناطق الفقيرة التي تغيب فيها المشاريع التنموية، وتشهد نسبة بطالة مرتفعة.
تجدر الإشارة إلى أن محافظة القصرين تحتل المرتبة الأخيرة ضمن مؤشرات قياس التنمية للولايات في تونس، ويبلغ معدل البطالة فيها 23 في المائة. ويوجد في القصرين 28 ألف عاطل عن العمل، من بينهم 9 آلاف شاب يحملون شهادة عليا، بحسب النائب عن المنطقة في البرلمان وليد البناني.
وبلغت نسبة البطالة في تونس، في آخر إحصاء صدر عن المعهد الوطني للإحصاء عام 2015، نحو 15 في المائة في مقابل 15.2 في المائة عام 2014، لتسجل تراجعاً بنحو 20.2 نقطة. كذلك، بيّنت الإحصائيات أن نسبة البطالة بلغت في نهاية العام الماضي نحو 22.5 في المائة لدى النساء، و12.4 في المائة لدى الرجال. وبلغت نسبة البطالة بين أصحاب الشهادات العليا 21.4 في المائة لدى الذكور، و41.1 في المائة لدى الإناث، لترتفع هذه النسبة من 28.6 في المائة في الثلث الثاني من العام 2015 ، إلى 32 في المائة في الثلث الثالث من العام نفسه.
هذه الاحصائيات تكشف ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، وخصوصاً خريجي التعليم العالي الذين نظموا تحرّكات احتجاجية عدة على مدى السنوات الخمس الماضية. ويشير حاتم الشرفي (35 عاماً)، الذي تخرج قبل ثماني سنوات من كلية الآداب، إلى أنه سئم العمل في البناء وقطاعات أخرى لتأمين قوته اليومي، هو الذي شارك في مناظرات عدة لانتداب أساتذة من دون أن ينجح. يطالب، حاله حال غيره من آلاف الخريجين، بحقّه في العمل، منتقداً الحكومة التي رفعت سن التقاعد.
من جهته، يقول جهاد ماجري (37 عاماً) إنه شارك في الاحتجاجات تعبيراً عن رفضه الظلم الذي يتعرّض له الشباب من تهميش وبطالة، مشيراً إلى عودة المحسوبية والرشوة في عمليات الانتداب، وخصوصاً وأن العديد ممن هم أصغر منه سناً انتدبوا في وظائف على الرغم من إعلان الحكومة أكثر من مرة تعيين القدامى خلال عمليات الانتداب.
إلى ذلك، يشير الباحث الاجتماعي ومدير المرصد الوطني للشباب، محمد الجويلي، إلى أنه كان للشباب بعد الثورة وجهات مختلفة، وهي الهجرة السرية والحرق احتجاجاً على الأوضاع المهمشة، على الرغم من أن الثورة جعلتهم يأملون بتحسين أوضاعهم، قبل أن يكتشفوا أن التغيير ما زال بعيداً بسبب الصعوبات السياسية والاقتصادية. ويشير إلى أن عام 2015 لم يكن مختلفاً عن السنوات التي سبقته في ما يتعلق بالإنجازات المحققة لصالح الشباب. ويشدد على ضرورة وضع برنامج وطني تحت شعار "التطوع من أجل التنمية" بهدف إدماج الشباب في مشاريع تنموية في مقابل بدل مادي.
مطلبٌ آخر نادى به العاطلون عن العمل أكثر من مرّة، وخصوصاً خريجي التعليم العالي، وهو إسناد منحة بطالة تصل قيمتها إلى 250 دولار شهرياً للحد من أزمة البطالة. ويشير أمين عام اتحاد أصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل، سالم العياري، لـ "العربي الجديد"، إلى "ضرورة تأسيس صندوق وطني للتعويض عن البطالة، يتولى تقديم المنح لمستحقيها ودعم مشاريع حاملي الشهادات العليا الشباب". يضيف أن الاتحاد "يتمسك بمطلب إعطاء طالبي العمل المستحقين مِنحاً واضحة وثابتة، ضمن برامج صندوق البطالة". فيما كان وزير التشغيل والتكوين زياد العذاري قد أشار إلى صعوبة الأمر، وقد أوقفت المنحة في وقت سابق بهدف تشجيع الشباب على الانخراط في سوق الشغل.
اقرأ أيضاً: عاطلو تونس للحكومة: ردنا سيكون قوياً هذه المرة