تنفس العشرات من الجزائريين اليوم الصعداء. إنه يوم عطلة مدفوعة الأجر بمناسبة الذكرى الـ62 لعيد ثورة التحرير، الطرقات شبه خالية والسيارات تتحرك، "إنها نعمة" يقول سائق الأجرة، سيدي علي، القادم من باب الوادي بأعالي العاصمة.
يضيف علي أنه يعاني كثيرا من الزحام وأمواج السيارات التي تغطي شوارع العاصمة الجزائرية، يقول لـ"العربي الجديد"، "لا شيء يجعلني أتفاءل عندما أخرج في الخامسة صباحا من بيتي في منطقة (رايس حميدو) بالقصبة العتيقة غربي العاصمة، بحثا عن الزبائن. قبل السابعة تبدأ أسراب السيارات تتراص في الشارع ليصبح الذهاب من غرب العاصمة نحو شرقها رحلة عذاب يومي".
"الفيشطا" باللهجة الشعبية الجزائرية تعني "العطلة مدفوعة الأجر"، يقول جزائريون في تصريحات متفرقة لـ"العربي الجديد"، إنهم يفضلون أيام العطل حيث تفرغ العاصمة وتصبح حركة السير خفيفة مقارنة بالأيام العادية.
يقول مصطفى الذي يعمل بميناء الجزائر: "نحن نتعذب يوميا. من لا يستيقظ باكرا ويذهب لعمله قبل السابعة صباحا يمنعه الزحام المروري من الوصول إلى عمله"، هو يفضل أن يعمل ليلا بسبب الزحام الذي تشهده العاصمة.
عندما تتحدث عن الزحام في الجزائر تجد شكاوي كثيرة من المواطنين. البعض يقول إنهم يلاقون العذاب يوميا بسبب النقل. والبعض الآخر يعتبرونه مثبطا لعزيمة الذهاب إلى العمل، رغم توفر وسائل النقل بأنواعها لأن الطرقات دوما مزدحمة.
يقول سائق أجرة آخر لـ"العربي الجديد": "نتعذب يوميا لأننا نشتغل بالعداد. أحيانا أتوقف في مكان واحد لوقت يتجاوز الساعة. مسافة الـ10 كيلومترا نقطعها في أكثر من ساعة بسبب الزحام في الأيام العادية".
وتمكنت الجزائر خلال السنوات العشر الأخيرة من إنجاز بنية تحتية وتطوير شبكات الطرق والطرق السريعة وتنظيم وسائل النقل، حيث استفادت من البحبوحة المالية التي وفرتها عائدات النفط في مجال الطرق، لكن في المقابل وبالأرقام، فإن عدد سكان العاصمة ارتفع إلى خمسة ملايين شخص، فيما يدخلها يوميا أكثر من مليون شخص، فضلا عن أكثر من مليون مركبة تجوب شوارعها يوميا علاوة على الحافلات ووسائل النقل العام.
ويعترف العديد من المسؤولين بـ"إخفاق الجزائر في الاستغلال الجيد للنقل العام، خاصة وأن العاصمة الجزائرية عرفت وسائل النقل الحديثة مثل المترو والترامواي والقطارات السريعة، ويرى الخبير الاقتصادي، محمد عسول، من جامعة الاقتصاد والإحصاء بالعاصمة، أن "الإخفاق نابع من سياسة غير محسوبة العواقب لتوظيف وسائل النقل"، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن الطرق موجودة ولكن في مقابل ذلك ارتفاع رهيب في العنصر البشري في العاصمة التي تعاني من الاكتظاظ السكني بعد إنجاز آلاف الشقق في عدة بلديات، لكنها أحياء سكنية لاتزال محرومة من وسائل النقل، لهذا يضطر الجزائري إلى استعمال سيارته.
وأوضح عسول أن الجزائر تستورد سنويا 400 ألف سيارة، وهو ما يعني تفاقم الاكتظاظ بسبب عدد المركبات على مستوى الولايات الـ48.
وبعيدا عن لغة الأرقام، يرى المختص في علم اجتماع السكان في جامعة "العفرون" بالبليدة، سمير عجرود، أن "سهولة القروض لاقتناء السيارات تسبب في امتلاك الأسرة لأكثر من مركبة، فضلا عن أن استعمال النقل العمومي بات مشكلة كبرى للأسرة الجزائرية.
وأضاف عجرود لـ"العربي الجديد"، أن الجزائري بطبعه يفضل استعمال سيارته وليس ركوب حافلة أو مترو أو ترامواي، وهي وسائل نقل لا تزال مقتصرة على مسافات قصيرة في العاصمة.