ركّز الاجتماع الثالث للحوار مع ممثلي الديانة الإسلامية في فرنسا، أمس الإثنين، على ثلاثة مواضيع رئيسة مرتبطة بقضايا التربية والتكوين، والذي افتتحه رئيس الحكومة الفرنسي كازنوف، ووزير داخليته، برونو لورو، مع نحو 200 مسؤول عن الجالية الإسلامية، بكل أطيافها وتوجهاتها، الدينية والثقافية والخيرية والاقتصادية.
ويأتي الاجتماع الأمس تكملة لما سبقه، إذ تناول الاجتماع الأول الذي انعقد في 15 يونيو/حزيران 2015، مسائل تشييد وإدارة المساجد وتأمينها وذبيحة العيد، كما شهد إعلان الحكومة عن فتح المجال أمام الطلبة لنيل شهادات جامعية عن العلمانية وحقوق الديانات. وناقش الثاني موضوع "تطرف المسلمين في فرنسا"، وكيفية معالجته في 21 مارس/آذار 2016.
وانشغل المشاركون في اجتماع أمس بما يمكن أن تفعله ضغوط رئيس حكومة ووزير داخلية تنتهي ولايتهما خلال خمسة أشهر لحسم قضايا تتعلق بالإسلام في فرنسا، ويراد به الوصول إلى انبثاق "إسلام فرنسي بالكامل".
وبحث الاجتماع مواضيع تتعلق بقضايا التربية والتكوين، منها "المؤسسة من أجل الإسلام في فرنسا"، والتي يترأسها جان-بيير شوفنمان، وزير الداخلية الاشتراكي السابق، والتي يراد لها أن تلعب دوراً ثقافياً وتربوياً. كذلك ناقش تأسيس "جمعية" دعم من أجل تمويل الدين الإسلامي، يريدها وزير الداخلية الفرنسي فعّالةً في بداية عام 2017، ويُعهد بها وفق قانون فصل الدين عن الدولة، إلى ممثلي الديانة الإسلامية.
وتختلف الاقتراحات والسبل بخصوص فرض ضريبة على تجارة الحلال في فرنسا، أو محاولة خلق إطار مركزي شفاف لجمع الهبات والعطايا، على أن "تكون دائمة وعادلة ومُؤثِّرة"، وتساهم في تشييد أماكن عبادة جديدة من دون إغفال تعزيز التدريب الديني للأطر الإسلامية.
وطرح المجتمعون مسألة "انبثاق إسلام فرنسي"، المستند إلى تقرير عهدت به وزارات الداخلية والتعليم العالي والبحث العلمي الفرنسية، في نهاية أغسطس/آب الماضي، عن "تكوين الأئمة والإسلامولوجيا" إلى ثلاثة باحثين فرنسيين هم: رشيد بنزين، وكاترين مايور-جاوين، وماثيلد فيليب-غاي، والذي أعلنت خلاصته أمس وتتضمن "تكوينا جامعيا مخصصا للأئمة"، في "انتظار قدرة إسلام فرنسا على خلق مؤسساته التعليمية العليا الخاصة به على شاكلة المَعاهد الكاثوليكية في فرنسا"، وعبر "خلق شراكة بين المؤسسات والجامعات"، على أساس "اتفاقيات حول مواد دراسية غير دينية ومواثيق أو اتفاقات غير رسمية"، ما يعني مُطالبة الجامعات الفرنسية بالتأقلم مع اقتراح توفير دروس مسائية.
لكنّ مقترحات التمويل، والتي شكّلت الموضوع الأكثر إلحاحاً، لم تنل توافقا بين جميع المشاركين. إذ اقترحت الورشة قنوات للتمويل منها مطالبة المسؤولين عن "تجارة الحج" التي تحتكرها نحو 47 وكالة سفر، وكذلك المسؤولين عن "تجارة الحلال" في فرنسا، والتي تحتكرها 15 شركة، بتقديم مساهمة مالية طوعية، وهو ما رفضه المعنيون لأنّهم "خاضعون لإكراهات التنافس والمنطق الاقتصادي والأسواق ذات البعد الأوروبي".
وتجدر الإشارة إلى أن الوزيرة اليمينية السابقة ناثالي كوسيسكيو موريزي، اقترحت الاقتطاع من تجارة الحلال في فرنسا قبل أشهر، من أجل تمويل الإسلام الفرنسي.
وإذا كان التمويل هو عَصب "الإسلام الفرنسي"، فيجب الاعتراف أنه ليس من السهل العثور على حل توافقي بين مسلمي فرنسا، ما يعيد الأمر إلى بداياته.
وتتلقى المساجد أموالاً من مصادر خيرية داخلية، والسلطات الفرنسية تدرك ذلك، لكنها غير كافية لتأمين حرية واستقلالية الإسلام الفرنسي، خصوصاً أن القرار السياسي الفرنسي يتجه نحو منع التمويل الأجنبي عنها.
وطلب رئيس الحكومة الفرنسي من الحاضرين أمس ألا يؤجلوا عمل اليوم إلى الغد، ولكنه يعرف أن خمسة أشهر غير كافية لإنجاز أمر ينتظر منذ عقود.