يبدو أنّ السلطات الباكستانيّة قد حسمت الأمر وسوف تتبنّى سياسة جديدة في تعاملها مع موضوع ترحيل اللاجئين الأفغان، لا سيّما الذين يملكون مصالح فيها. وهؤلاء يقسمون إلى فئات ثلاث، منهم الذين تزوّجوا من باكستانيات ومنهم الذين يتابعون دراستهم ومنهم التجار الذين استثمروا في البلاد. يأتي ذلك مع قلق اللاجئين وسط تشديد القيود الباكستانية عليهم، لا سيّما وأنّ قرار ترحيلهم جميعاً إلى أفغانستان قد صدر بعدما أمضوا بمعظمهم ثلاثة عقود في باكستان.
محمد صفدر طالب أفغاني التحق، هذا العام، بإحدى جامعات مدينة لاهور الباكستانية، يقول إنّ "القيود الجديدة صعّبت عليّ مواصلة الدراسة. فالسلطات الباكستانية تمنحنا تأشيرة دخول صالحة لمدّة ستة أشهر، على أن نبقى في باكستان ثلاثين يوماً فقط خلال كل دخول. وهو ما أجبرني على العودة إلى أفغانستان مرة واحدة شهرياً". يضيف أنّ "التغيير في تعامل الباكستانيين عموماً معنا، وتحديداً الأمن، ضاعف معاناتنا هنا". ويطالب الحكومة الأفغانية بالعمل بجدية من أجلهم حتى يتمكنوا من مواصلة مسيرتهم التعليمية.
أمّا التجار الذين استثمروا الملايين في باكستان خلال العقود الثلاثة الماضية والذين أمروا فجأة بترك كل ما يملكون وجمع تجارتهم والتحرك في اتجاه أفغانستان، فيبدون قلقين جداً لا سيّما أنّ الحكومة الأفغانية وكذلك الباكستانية لم تحرّكا ساكناً في ما يخصّ قضيتهم حتى الساعة. محمد ولي واحد من هؤلاء في مدينة بيشاور (شمال غرب)، يملك محلاً تجارياً كبيراً صرف فيه ملايين الروبيات. يقول إنّ "القرارات الأخيرة دمّرت أعمالنا ونخشى أن تدمّرها أكثر. من الصعب جداً أن يترك المرء كلّ ما أنجزه في الأعوام الماضية بين عشية وضحاها". وما فاقم مشاكله هو أنّ الحكومة الباكستانية سحبت منه أوراقه، وهو مضطر إلى التخلي عن كلّ شيء في حال عاد إلى أفغانستان. يضيف بنبرة حزينة: "أسرتي كلها قلقة ومهمومة. ماذا نفعل؟ هل نترك كل ما نملك ونرحل إلى أفغانستان؟ كيف أتعامل مع دراسة أولادي ومع منزلي وقطعة الأرض التي اشتريتها؟".
إلى ذلك، يعاني الأفغان الذين تزوّجوا من باكستانيات معاناة كبيرة. جهودهم الرامية إلى الاستحصال على الجنسية الباكستانية باءت بالفشل على الرغم من تنظيمهم تظاهرات واحتجاجات مختلفة، فالحكومة الباكستانية أبت أن تتعامل معهم كما تتعامل مع الأجانب الآخرين المتزوّجين من باكستانيات.
في هذا السياق، كان السفير الأفغاني لدى باكستان، الدكتور عمر زاخيلوال، قد تحرّك في الآونة الأخيرة لإقناع الحكومة الباكستانية بالتعامل مع هؤلاء الفئات الثلاث بطريقة مختلفة عن اللاجئين الأفغان الباقين. وقد أكّد زاخيلوال في تصريحاته الأخيرة أنّ الحكومة الباكستانية قرّرت منح تأشيرة لمدة خمس سنوات لكل من يدرس في باكستان ولكل من يملك تجارة هناك ولكل المتزوجين من باكستانيات. كذلك، صرّح أنّ السفارة الأفغانية تتابع القضية مع السلطات المعنية في باكستان، وعملت على إقناعها على التعامل الحسن مع اللاجئين جميعهم، لا سيّما الفئات الثلاث المذكورة. والعمل بهذا القرار يبدأ قريباً.
من جهته، قال وزير شؤون اللاجئين في باكستان عبد القادر بلوش، إنّ الحكومة الباكستانية نظراً إلى موسم البرد في أفغانستان وإلى الازدحام الشديد في الإدارات المعنية، ارتأت تمديد فترة إقامة اللاجئين الأفغان حتى نهاية عام 2017. لكنّ ذلك يشمل فقط اللاجئين الشرعيين والمسجّلين لدى الحكومة. أما غير الشرعيين فعليهم الخروج من باكستان في أقرب فرصة، إذ إنّ السلطات الباكستانية لن تتساهل معهم. وقد شدّد بلوش على أنّ باكستان تريد إنجاز الأمر بطريقة تضمن احترام اللاجئين ومراعاة أوضاعهم.
بين الاحتجاج والرضوخ
بعدما أصدرت السلطات الباكستانية قرارها القاضي بترحيل اللاجئين الأفغان إلى بلادهم، رفع كثيرون صوتهم في تظاهرات وعبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. لكنّ آخرين رضخوا للأمر الواقع واتخذوا قرار العودة إلى أفغانستان، على الرغم من الوضع الأمني الهشّ والصعوبات الاجتماعية الجمّة.