رفض بلال كايد ورفاقه الردّ على ضباط في غرفة الأسرى، وأخبروه أنّ ردّهم على الاعتداء على إحدى الأسيرات سيكون بين جنوده ورجاله، وهو ما حدث فعلاً على يد بلال. حصل ذلك بعدما اعتدت إدارة مصلحة السجون على الأسيرة المحرّرة صمود كراجة في عام 2010، وصدر قرار بأن يُضرب الضابط المسؤول عن الاعتداء.
هذه القصّة تداولتها الصحف. في هذا السياق، يحكي الأسير المحرّر كايد لـ "العربي الجديد" ما حدث. يقول إنه بعد فترة من الاعتداء على كراجة، جاء قرار من إدارة السجون بأخذ عينات دي إن إي من جميع الأسرى. إلا أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رفضت الأمر، فردت مصلحة السجون برش الأسرى بالغاز في الزنازين. وقرّروا الردّ بالضرب في حال اعتدي عليهم.
أُخرج كايد من المعتقل، وأحضره الجنود إلى الضابط نفسه مكبّل اليدين والقدمين. حاول الضابط استفزازه، وأخبره بأنه سيدوس عليه ويأخذ العينة منه بالقوة، وذكّره بالموقف الذي رفض فيه الردّ على الاعتداء على كراجة. حينها، تحدى بلال الضابط، وقال إنه مستعدّ لمنازلته رجلاً لرجل من دون أن يكون مكبّلاً، فوافق الضابط. وفي اللّحظة التي فك فيها الجنود يدي كايد، ضرب وجه الضابط بشفرة كان قد أخفاها في يده، وقال له: "بتسلّم عليك صمود كراجة".
في ذاكرة كايد قصص ومواقف كثيرة. ما يزال يحفظ كل تفاصيلها، هو الذي أمضى نحو خمسة عشرة عاماً في سجون الاحتلال، بتهمة النشاط العسكري والانتماء إلى كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الذراع العسكري للجبهة الشعبية، وتنفيذ عمليّات فدائية، وإطلاق النار باتجاه مستوطنين، وإصابة أحدهم.
انتمى كايد إلى الجبهة الشعبية حين كان يدرس في معهد قلنديا للتدريب المهني. كان يسكن في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، بعيداً عن أهله الذين يعيشون في بلدة عصيرة الشمالية (شمال مدينة نابلس). وبدأ ينشط عقب قرار الجبهة تفعيل الخلايا العسكرية، بعد اغتيال الأمين العام للجبهة أبو علي مصطفى في 27 أغسطس/ آب في عام 2001. وشكل هو ورفيقاه اللذان استشهدا خلال الانتفاضة، فادي حنني وأمجد مليطات، بالإضافة إلى الأسير نضال دغلس والأسير المحرر مناضل سعادة، خلية عسكرية.
وتولّت الخليّة في نابلس تنفيذ عمليات إطلاق نار على الطرق الالتفافية لقطع طريق المستوطنين الأساسي في منطقة نابلس من كل الاتجاهات، وهو ما حدث فعلاً في محيط مستوطنتي "شافي شمرون" و"حومش" المقامتين على أراضي الفلسطينيين بين نابلس وجنين، بحسب كايد.
وعقب اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي في السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول في عام 2001، ردّاً على اغتيال أبو علي مصطفى، شنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة وعشوائية في صفوف أبناء الجبهة، في محاولة لمعرفة هوية مطلقي النار، وكعقاب جماعي أيضاً بحق الفلسطينيين.
ويقول كايد: "لم يكن قد مضى وقت طويل على وفاة شقيقي. وفي تلك الفترة، دهمت قوة عسكرية منزل عائلتي في عصيرة الشمالية واعتقلت". حُوّل إلى التحقيق العسكري. وتعرّض لـ "شبح الموزة"، أي أنّه كبّل على كرسي بطريقة تشبه الموز، ما أدّى إلى كسر في يده وكتفه ومشكلة في مفصل قدمه. ويشير كايد إلى أن المحقّقين أبلغوه بأنّهم لا يريدون منه اعترافا، وأنهم يرغبون بالاستمتاع في تعذيبه. بعد ثلاثة أشهر من التحقيق والتعذيب، تنقل بين سجون عدّة وعُزل لأشهر طويلة لأسباب أمنية.
اقــرأ أيضاً
خلال اعتقاله، انضمّ بلال إلى الجامعة العبرية، لكنّه فصل منها لسبب أمني. وبعد دراسته القانون نحو 50 ساعة في جامعة القدس المفتوحة، فُصل أيضاً. وأسّس ورفاقه في السجن نظام التثقيف الذاتي، ما أكسب الأسرى معرفة كبيرة.
كايد الذي يجيد اللّغات العبرية والإنكليزية والروسية، كان يتعلّم اللغة الألمانية حين كان في العزل، إلّا أنّ وحدة "المتسادا" سحبت منه كتاب اللغة، وأخبرته بأنّ هناك قرارا بتحديد نوعية الكتب التي يمكنه الاطلاع عليها. ألّف كتباً، ولخّص أخرى، وكتب الشعر والأدب ومقالات سياسية ما زالت في السجن، ويسعى إلى إخراجها.
يقول كايد: "تلقيت خبر تحويلي إلى الاعتقال الإداري في اللحظة عينها التي أبلغت فيها بقرار الإفراج عني في 15 يونيو/ حزيران الماضي. فأبلغ كايد محاميته أنه ماض في إضراب مفتوح عن الطعام، وطلب منها إيصال رسالة لوالدته بألا تبكي حتى يظلّ قويّاً.
منذ اليوم الأوّل لإضرابه، زجّ في الزنازين. وبعد 34 يوماً، نُقل من سجن "عسقلان" إلى مستشفى "برزلاي" بسبب تردي وضعه الصحي. وظلّ الاحتلال يحاول إحباط عزيمته حتى اليوم الستين حين قابله ضبّاط في جهاز الاستخبارات وحملوه مسؤوليّة أي شيء قد يحدث داخل السجون أو في الشارع الفلسطيني. يقول إن ألمه واقترابه من الشهادة شكل أزمة كبيرة لدى الاحتلال. في النهاية انتصر بعد 74 يوماً من الإضراب، وعانق الحرية بعد قضاء ستة أشهر من حكمه الأصلي من دون عزل، مع السماح لوالدته بزيارته، وإلغاء العقوبات التي فرضت على رفاقه الذين أضربوا عن الطعام مساندين له.
لم يتوقع بلال أن تكون هناك جماهير كبيرة في استقباله لدى خروجه من السجن، وقال إن هذا كان إشارة إلى الإجماع الوطني على النضال ضد الاحتلال.
اقــرأ أيضاً
هذه القصّة تداولتها الصحف. في هذا السياق، يحكي الأسير المحرّر كايد لـ "العربي الجديد" ما حدث. يقول إنه بعد فترة من الاعتداء على كراجة، جاء قرار من إدارة السجون بأخذ عينات دي إن إي من جميع الأسرى. إلا أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رفضت الأمر، فردت مصلحة السجون برش الأسرى بالغاز في الزنازين. وقرّروا الردّ بالضرب في حال اعتدي عليهم.
أُخرج كايد من المعتقل، وأحضره الجنود إلى الضابط نفسه مكبّل اليدين والقدمين. حاول الضابط استفزازه، وأخبره بأنه سيدوس عليه ويأخذ العينة منه بالقوة، وذكّره بالموقف الذي رفض فيه الردّ على الاعتداء على كراجة. حينها، تحدى بلال الضابط، وقال إنه مستعدّ لمنازلته رجلاً لرجل من دون أن يكون مكبّلاً، فوافق الضابط. وفي اللّحظة التي فك فيها الجنود يدي كايد، ضرب وجه الضابط بشفرة كان قد أخفاها في يده، وقال له: "بتسلّم عليك صمود كراجة".
في ذاكرة كايد قصص ومواقف كثيرة. ما يزال يحفظ كل تفاصيلها، هو الذي أمضى نحو خمسة عشرة عاماً في سجون الاحتلال، بتهمة النشاط العسكري والانتماء إلى كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الذراع العسكري للجبهة الشعبية، وتنفيذ عمليّات فدائية، وإطلاق النار باتجاه مستوطنين، وإصابة أحدهم.
انتمى كايد إلى الجبهة الشعبية حين كان يدرس في معهد قلنديا للتدريب المهني. كان يسكن في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، بعيداً عن أهله الذين يعيشون في بلدة عصيرة الشمالية (شمال مدينة نابلس). وبدأ ينشط عقب قرار الجبهة تفعيل الخلايا العسكرية، بعد اغتيال الأمين العام للجبهة أبو علي مصطفى في 27 أغسطس/ آب في عام 2001. وشكل هو ورفيقاه اللذان استشهدا خلال الانتفاضة، فادي حنني وأمجد مليطات، بالإضافة إلى الأسير نضال دغلس والأسير المحرر مناضل سعادة، خلية عسكرية.
وتولّت الخليّة في نابلس تنفيذ عمليات إطلاق نار على الطرق الالتفافية لقطع طريق المستوطنين الأساسي في منطقة نابلس من كل الاتجاهات، وهو ما حدث فعلاً في محيط مستوطنتي "شافي شمرون" و"حومش" المقامتين على أراضي الفلسطينيين بين نابلس وجنين، بحسب كايد.
وعقب اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي في السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول في عام 2001، ردّاً على اغتيال أبو علي مصطفى، شنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة وعشوائية في صفوف أبناء الجبهة، في محاولة لمعرفة هوية مطلقي النار، وكعقاب جماعي أيضاً بحق الفلسطينيين.
ويقول كايد: "لم يكن قد مضى وقت طويل على وفاة شقيقي. وفي تلك الفترة، دهمت قوة عسكرية منزل عائلتي في عصيرة الشمالية واعتقلت". حُوّل إلى التحقيق العسكري. وتعرّض لـ "شبح الموزة"، أي أنّه كبّل على كرسي بطريقة تشبه الموز، ما أدّى إلى كسر في يده وكتفه ومشكلة في مفصل قدمه. ويشير كايد إلى أن المحقّقين أبلغوه بأنّهم لا يريدون منه اعترافا، وأنهم يرغبون بالاستمتاع في تعذيبه. بعد ثلاثة أشهر من التحقيق والتعذيب، تنقل بين سجون عدّة وعُزل لأشهر طويلة لأسباب أمنية.
خلال اعتقاله، انضمّ بلال إلى الجامعة العبرية، لكنّه فصل منها لسبب أمني. وبعد دراسته القانون نحو 50 ساعة في جامعة القدس المفتوحة، فُصل أيضاً. وأسّس ورفاقه في السجن نظام التثقيف الذاتي، ما أكسب الأسرى معرفة كبيرة.
كايد الذي يجيد اللّغات العبرية والإنكليزية والروسية، كان يتعلّم اللغة الألمانية حين كان في العزل، إلّا أنّ وحدة "المتسادا" سحبت منه كتاب اللغة، وأخبرته بأنّ هناك قرارا بتحديد نوعية الكتب التي يمكنه الاطلاع عليها. ألّف كتباً، ولخّص أخرى، وكتب الشعر والأدب ومقالات سياسية ما زالت في السجن، ويسعى إلى إخراجها.
يقول كايد: "تلقيت خبر تحويلي إلى الاعتقال الإداري في اللحظة عينها التي أبلغت فيها بقرار الإفراج عني في 15 يونيو/ حزيران الماضي. فأبلغ كايد محاميته أنه ماض في إضراب مفتوح عن الطعام، وطلب منها إيصال رسالة لوالدته بألا تبكي حتى يظلّ قويّاً.
منذ اليوم الأوّل لإضرابه، زجّ في الزنازين. وبعد 34 يوماً، نُقل من سجن "عسقلان" إلى مستشفى "برزلاي" بسبب تردي وضعه الصحي. وظلّ الاحتلال يحاول إحباط عزيمته حتى اليوم الستين حين قابله ضبّاط في جهاز الاستخبارات وحملوه مسؤوليّة أي شيء قد يحدث داخل السجون أو في الشارع الفلسطيني. يقول إن ألمه واقترابه من الشهادة شكل أزمة كبيرة لدى الاحتلال. في النهاية انتصر بعد 74 يوماً من الإضراب، وعانق الحرية بعد قضاء ستة أشهر من حكمه الأصلي من دون عزل، مع السماح لوالدته بزيارته، وإلغاء العقوبات التي فرضت على رفاقه الذين أضربوا عن الطعام مساندين له.
لم يتوقع بلال أن تكون هناك جماهير كبيرة في استقباله لدى خروجه من السجن، وقال إن هذا كان إشارة إلى الإجماع الوطني على النضال ضد الاحتلال.