لا شكّ في أنه يسبب إحراجاً لكل مصاب به، إذ لا يستطيع السيطرة عليه. هو التبوّل اللاإرادي الذي يصيب كلّ الفئات العمريّة، لا سيّما صغار السنّ، فيشكّل لهؤلاء أزمة نفسية في الوسطين الاجتماعي والدراسي. أما كبار السن، وفي حال أصيبوا أيضاً بالخرف، فإنهم يصبحون بذلك عبئاً ثقيلاً على الذين يهتمون بهم. هل من أمل طبيّ للحدّ من تداعيات التبوّل اللاإرادي؟ إلى ذلك، فإن نسبة الإصابة بالمرض عند النساء قد تصل إلى نحو 35 في المائة، بحسب ما يؤكد أهل الاختصاص.
ربال في الثامنة من عمره، تروي والدته معاناته مع "التبوّل اللاإرادي الذي يرافقه مذ كان في الرابعة. لم يكن يستطيع التحكم بنفسه، فاعتقدنا في بداية الأمر أنه عاجز لصغر سنّه. لكن الوضع استمرّ، وراح يشكل عبئاً عليه في المدرسة بين رفاقه". تضيف أنه "في السادسة من عمره، استشرنا طبيباً متخصصاً في المسالك البولية، أكّد لنا أنه يعاني من التبوّل اللاإرادي. وقد أعاد الأمر إما إلى أزمة نفسية ضاغطة أو إلى ارتباطه بإصابة سابقة لدى أحد أفراد العائلة، بالتالي من المتوقّع أن يُشفى منه عندما يصل إلى مرحلة البلوغ، مع تقدّمه في النموّ وخضوعه لعلاجات خاصة".
أما محمد برّو البالغ من العمر ثمانين عاماً، فيخبر ابنه خالد ما يعانيه والده المسنّ مع التبوّل اللاإرادي. يقول: "اعتقدنا في البداية أن السبب هو إصابته بالخرف، والتي لا تسمح له بالتحكم بحركة مثانته. وعندما قصدنا طبيب المسالك البولية، بيّنت الفحوصات أن والدي مصاب بتضخّم البروستات التي تضغط على المثانة". يضيف أن العلاج يكون بواسطة جراحة المنظار.
اقرأ أيضاً: حذارِ من مياه لبنان
وفي هذا الإطار، يتحدّث الاختصاصي في الكلى والمسالك البولية الدكتور شادي واكد عن آخر علاجات التبوّل اللاإرادي، عند صغار السنّ وعند المسنين، ويوضح لـ"العربي الجديد" أن "التبوّل اللاإرادي نوعان، إما يكثر في الليل أو يظهر في النهار. ولكل حالة من هاتين الاثنتين علاجها المناسب، خصوصاً عند الأطفال ما بين خمس وست سنوات. يُزوّدوا بأدوية خاصة لمدّة ستة أشهر، وقد تراوح نسبة الشفاء ما بين 90 و95 في المائة".
ويتابع واكد: "تبيّن لنا أن للتبوّل اللاإرادي سواء في الليل أو في النهار، أسباب عدّة أبرزها نفسية. كذلك، ثمّة ضعف في أعصاب المثانة يمنع درّ البول بشكل طبيعي، فيما تزيد نوعيّة الطعام هذه المشكلة، خصوصاً إذا كان المريض يعاني من إمساك. لذا يُستحسن الانتباه إلى نظامه الغذائي". ويلفت إلى أن "التبوّل اللاإرادي يزيد عند كبار السنّ من الذكور، بفعل ضغط ورم البروستات على المثانة، ويتحسّن الوضع بعد الجراحة". أما بالنسبة إلى النساء، فيشرح أنهن "يشعرن بزيادة في التبوّل اللاإرادي، خصوصاً في فترة انقطاع الطمث، أو إذا كان ثمّة هبوط في الرحم. ويكون العلاج إما بالأدوية أو الجراحة، ونسبة الشفاء 90 في المائة".
ولعلّ أبرز ما توقّف عنده واكد، هو أن "نسبة الإصابة بالتبوّل اللاإرادي تكثر عند النساء، بالمقارنة مع الرجال. وتراوح النسبة ما بين 30 و35 في المائة عند المرأة، بينما تصل عند الرجل إلى 10 في المائة. أما الأطفال، فتصل النسبة لديهم إلى 10 في المائة، خصوصاً إذا كان سبب الحالة المرضية عائلياً ووراثياً، أي أن أحد أفراد العائلة كان مصاباً به في صغره". ويشدّد واكد على أنه "كلما أتى التشخيص مبكراً لدى الطفل كانت نسبة الشفاء أكبر ومضمونة أكثر، خصوصاً إذا كان في السادسة من عمره".
ويؤكد الاختصاصي في الطب الداخلي الدكتور إيلي فرح لـ"العربي الجديد" ضرورة تشخيص المرض مبكراً، إذ يكون "جسم الطفل مطواعاً للعلاج الطبي. إلى ذلك، ثمّة علاج لكلّ حالة، بحسب وضع المريض وسنّه. والعلاج يبدأ من الأدوية وصولاً إلى الجراحة". يضيف: "والأمر كذلك بالنسبة إلى النساء اللواتي يعانين من التبوّل اللاإرادي نتيجة هبوط في المثانة، بفعل رفع أوزان ثقيلة أو ولادات متكررة".
أما الاختصاصي في أمراض الكلى الدكتور عادل برباري، فيقول لـ"العربي الجديد" إنه "كلما تقدّم الإنسان في العمر أصبح علاج التبوّل اللاإرادي صعباً، إذ إن المثانة تتوقّف عن العمل جيداً، خصوصاً لدى النساء المتقدمات في السنّ أو نتيجة الضغوط النفسية". يضيف: "لذا، مهما كانت العلاجات فإن عملية الشفاء تكون قد أصبحت صعبة للغاية".
من جهتها، تشرح الاختصاصية في الطب الداخلي الدكتورة ديانا عون أن "هذه المشكلة تسجَّل في أكثر الأحيان عند الأطفال، والأسباب متعددة؛ منها النفسية التي يعرفها الطفل نتيجة إعاقة جسدية أو أي ضغوط نفسية". تضيف لـ"العربي الجديد" أن "الخرف عند المسنين هو وراء ازدياد المرض، إذ يخسرون القدرة على التحكّم بحركة مثانتهم. وهنا تكمن المشكلة التي تحتاج إلى دقة متناهية في علاجها".
اقرأ أيضاً: "اللص الصامت" ينهش العظام