يظنّ موريتانيّون أن مناداة شخص يهمّ بالخروج من البيت هي نذير شؤم قد يعرّضه للخطر. لذلك، عادة ما يتجنبون الأمر. لكن في بعض الأحيان، يحدث أن يعدل شخص عن الخروج لسبب أو لآخر من دون أن يكون قد ناداه أحد. كذلك، يعتقدون أن اللعب بالمقص أو المفاتيح قد يؤدي إلى تفكّك العائلة. ويمتنعون عن تنظيف البيت بعد سفر شخص عزيز، خشية أن يتعرض لمكروه أثناء سفره.
ويعدّ اللون الأحمر وسماع نهيق الحمار ورفة العين اليسرى نذير شؤم أيضاً. ولا تنتهي معتقدات الموريتانيين عند هذا الحد، بل هناك الكثير من المعتقدات الخاطئة والعادات الغريبة التي تؤثر في حياة شريحة كبيرة من الناس. ولا يحول المستوى الثقافي والاجتماعي دون اقتناع كثيرين بهذه الأفكار القديمة والمتوارثة، والتي أصبحت جزءاً من العادات والتقاليد. وتكمن المشكلة في إيمان بعض الموريتانيين بهذه المعتقدات إلى درجة كبيرة، حتى أنهم يبالغون في تصديقها.
في هذا السياق، يقول ولد الداه (41 عاماً) إن الكثير من الموريتانيّين يدركون أن هذه المعتقدات الشعبية لا أساس لها من الصحة. مع ذلك، تراهم يؤمنون بها بسبب الخوف ربما. يضيف أن العادات المتوارثة ما زالت تؤثّر في معتقدات الناس، وتتحكّم بسلوكهم وحياتهم الاجتماعية. ويلفت إلى أن بعض الموريتانيّين يعتقدون أن عدم احترام هذه العادات، وكل ما اتفق الناس على اعتباره شؤماً، قد يعرضهم لمشاكل في حياتهم. لذلك، يحرص كثيرون على الالتزام بها تفادياً لأي ضرر محتمل.
عروس
وليس مستغرباً أن تؤثّر هذه المعتقدات في العلاقات الاجتماعية، وخصوصاً إذا كانت الزوجة مسؤولة عن جلب الفأل الحسن أو "زين السعد" (كما يقول الموريتانيون) لزوجها. فالعروس التي يحدث مكروه لزوجها أو أهله خلال فترة الزفاف أو في العام الأول من زواجها، تكون منبوذة من الجميع. وفي حال لم يحدث أي شيء، تكون "مباركة" ومحبوبة من زوجها ومقربة من أصهرتها.
وتقول خيرة بنت الطلبة (38 عاماً) وهي ربة منزل، لـ "العربي الجديد"، إن "المعتقدات الخاطئة والشائعات الغريبة تؤثر سلباً في العلاقة بين الأزواج، وتصبح المرأة مسؤولة عن جلب النحس وسوء الطالع لزوجها. وفي الكثير من الأحيان، ينفصل الزوج عنها نتيجة معتقداته. وحتى في حال لم يحدث الانفصال، تكون هي المسؤولة عن حدوث أي شيء سيئ". وتروي قصة صديقة لها تعرّض أصهرتها لحادث سير ليلة زفافها، وسرت أقاويل إنها ليست "مباركة" على زوجها. وفي اليوم التالي، سقطت حماتها على الأرض ما تسبب بكسر في حوضها. ولم يكن من زوجها إلا أن قال لها إنها نذير شؤم. لم يسافرا لقضاء شهر العسل، وفضل العريس العودة إلى العمل، لتكون هناك مفاجأة سارة في انتظاره وقد جرت ترقيته، ووافق المدير على إعطائه القرض الذي طلبه مرات عدة. حينها، أدرك أن هذه المعتقدات غير صحيحة ولا علاقة لها بالأقدار.
تبرير الفشل
إلى ذلك، يحذّر باحثون من تأثير هذه المعتقدات المرتبطة بالعادات والموروثات الشعبية في حياة الناس، وخصوصاً إذا ما أدت إلى اتخاذ قرارات مصيرية. ويرى هؤلاء أن الوقت قد حان ليتخلص المجتمع الموريتاني من هذه المعتقدات التي تحد من الطموح، وتؤذي الناس.
في هذا السياق، يقول الباحث الاجتماعي محمد أحمد ولد أعل لـ "العربي الجديد" إن "هذه المعتقدات ترتبط بالعادات الأفريقية والقصص الأسطورية التي تفسر الوقائع والأحداث بمعايير لا يمكن أن يتقبلها المرء في العصر الحالي". ويحذّر من الإصرار على ربط الوقائع بهذه المفاهيم وتبرير الكسل والفشل من خلال الإشارة إلى العين الشريرة والحظ السيئ. ويوضح أن "البعض يفسرون الأسباب والمشاكل التي يواجهونها بالحظ السيّئ" مستنداً إلى سلوكهم اليومي. يتابع أن بعض الناس يرفضون الخروج من البيت أو اتخاذ أي قرار بسبب إشارة يعتقدون أنها إنذار بحدوث أمر سيئ.
يضيف الباحث أن هناك من يحسب حساباَ لكل صغيرة وكبيرة تحدث، ويتجنب كل ما يعتقد أنه سيئ من خلال تعليق الخرز الأزرق والامتناع عن ارتداء اللون الأحمر والاستحمام مساءً وغيرها من العادات الأخرى التي تؤثّر في تفاصيل الحياة اليومية. ويحذّر من تأثير هذه المعتقدات على علاقات الناس ببعضهم البعض، داعياً إلى التفاؤل وحسن الظن بكل ما هو مقدر، والابتعاد عن الوسواس والهم.