عيد سعيد! إنه "شمّ النسيم" أو "أعياد الربيع" في مصر اليوم. يحتفل المصريون سنوياً بهذا العيد الفرعوني القديم، بالتزامن مع اليوم الثاني من احتفال أقباط مصر بـ"عيد القيامة". بالنسبة إلى هؤلاء المحتفلين، لا عيد من دون أسماك مملحة مثل الفسيخ والسردين والرنجة. وتكاد لا تخلو مائدة في هذا اليوم من هذه الوجبة الشعبية التي يتميّز بها المصريون دون شعوب العالم أجمع.
عشيّة "شمّ النسيم" راحت الأسواق المصرية تستعد لاستقباله، مع ازدحام الناس أمام محال الأسماك المملحة، التي يصرّ الأهالي على تناولها في الموعد نفسه من كل عام، على الرغم من تحذيرات وزارة الصحة وأطباء التغذية. ويصرّ هؤلاء على تناولها لأنها تُعدّ أيضاً فرصة لجمع الأهل والأصحاب. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الإقبال هذا العام بدا ضعيفاً بالمقارنة مع السنوات السابقة، ويعيد متعاملون في السوق الأمر إلى أحوال الناس الاقتصادية وارتفاع الأسعار. يُذكر أنّ الأسعار وكذلك النوعية تختلف من منطقة إلى أخرى.
على الرغم من حالة الركود النسبي في حركتَي البيع والشراء بالمقارنة مع العام الماضي، "إلا أنّ شمّ النسيم يبقى موسماً سنوياً لأصحاب محلات الفسيخ لتحقيق مكاسب مادية، من جرّاء بيع كميات إضافية من بضاعتهم في هذه المناسبة"، بحسب ما يؤكّد الحاج محمود سعد، أحد أشهر بائعي الفسيخ في وسط الإسكندرية. وهو كان قد ضاعف الكميات التي يطرحها عادة، إذ إنّ هذا "موسم" استهلاك الفسيخ والرنجة - أساسيات الاحتفال بالعيد - وخلاله يعوّض أصحاب المحلات ما يعانوه طوال العام. لكنّه يعود ويشدّد إلى أنّ "ركود هذا العام هو دون الأعوام السابقة".
من جهته، يشير محمد سالم وهو صاحب أحد محال الأسماك إلى أنّ "أسعار الرنجة والفسيخ لهذا العام ليست مرتفعة. على الرغم من ذلك، فإنّ الإقبال الشراء ليس كبيراً". ويعيد ذلك إلى "توزّع ميزانية الأسرة على كثير من المتطلبات الضرورية. وهو ما دفع بمواطنين كثيرين إلى خفض الكميات التي كانوا يحرصون على شرائها في كل عام".
أما محمود السعيد وهو تاجر خضراوات في سوق المنشية، فيوضح أنّ "هذه الفترة من كل عام تشهد زيادة في أسعار عدد كبير من الخضراوات، نظراً لزيادة الطلب عليها بمناسبة أعياد الربيع". ويشير إلى أنّ "غياب الرقابة على الأسواق يدفع ببعض التجار إلى رفع الأسعار عشوائياً، فيما تعرف البلاد اضطرابات اقتصادية".
إلى ذلك، كان مروان محمد وهو موظف، قد استعدّ "للاحتفال بشمّ النسيم مبكراً. اشتريت ما أحتاج من فسيخ قبل أسبوع تقريباً، تفادياً لاستغلال التجار للمناسبة ورفع الأسعار". ويؤكد أنّ "هذه عادة متوارثة عن الآباء والأجداد، لا تكتمل إلا مع الفسيخ والرنجة مع الخضراوات مثل البصل والليمون". يضيف: "صحيح أنّ الأسعار أعلى من العام الماضي، إلا أنّ هذا لا يمنع من الشراء. لا توجد سلعة إلا وزاد سعرها". بالتالي يعمد كما غيره إلى ترشيد استهلاكه وتقليل الكميات التي قد تصل إلى النصف في بعض الأحيان.
بالنسبة إلى الحاجة بركة السيد وهي ربة منزل، فإنّ "وجبة الفسيخ من العادات الأساسية للاحتفال بشمّ النسيم، يجتمع عليها الأهل والأصدقاء. لكنّ الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات تسبّب إحجام عائلات عن شراء الفسيخ من التجار، فتتجه إلى صناعته وغيره في المنازل للتوفير". وتؤكد حرصها في كلّ عام في شمّ النسيم على إعداد وجبة لعائلتها تضمّ أصنافاً من الأسماك المملحة بين فسيخ ورنجة وملوحة وسردين، تصلها من محافظة كفر الشيخ التي تشتهر بصناعتها. وعند سؤالها عن الأضرار التي قد يسبّبها الفسيخ للمستهلكين صحياً، تجيب: "ربنا هو الحامي، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار مراعاة الطرق الصحيحة للتصنيع والتأكد من جودة المنتج وسمعة المكان الذي نشتري منه كل عام". وتؤكد أنّ "التلوّث الذي قد يصيب الأسماك المملحة قد يصيب أي بضائع أو أغذية أخرى، إذا كانت طريقة التحضير غير آمنة".
قبيل احتفالات هذا اليوم في محافظة الإسكندرية، كانت الأجهزة الرسمية قد أنهت استعداداتها في مناطق الشواطئ والحدائق العامة، وراحت توزّع منشورات تحذّر من تناول الفسيخ في شمّ النسيم أو في المناسبات الأخرى. هو يُعدّ من أكثر الأغذية التي تصيب الإنسان بالتسمم الغذائي، وقد يودي بحياة الإنسان خلال ستّ ساعات إذا لم يُسعف المصاب خلال هذه الفترة. ويشدّد وكيل أول وزارة الصحة في الإسكندرية الدكتور مجدي حجازي، على أنّ "الأسماك الطازجة أفضل من الفسيخ في عيد شمّ النسيم. وتحذيرات الوزارة تأتي على خلفية ما تمثله تلك الأطعمة من خطر داهم على الصحة قد تصل إلى إصابة الأشخاص بالشلل التام أو الوفاة". يضيف حجازي أنّ إدارة مراقبة الأغذية تكثّف حملات التفتيش في هذه المناسبة على محلات بيع الأغذية خاصة محلات بيع الأسماك الطازجة والمملحة، وتحذّر من شرائها من البائعة الجائلين. ويوضح أنّ إدارة مراقبة الأغذية في المديرية كانت قد كثّفت الأسبوع الماضي حملات التفتيش لمحلات بيع الأغذية، وأتلفت الأسماك التي تَبيّن عدم صلاحيتها، فيما أغلقت المنشآت التي تعمل من دون ترخيص.
تجدر الإشارة إلى أنّ غرفة طوارئ تشكّلت للعمل على مدار الساعة وتلقّي البلاغات ورصد أيّ حالات أو حوادث والتعامل معها على وجه السرعة، مع توفير كميات مضاعفة من الأمصال وترياق السموم وكل الأدوية اللازمة وأكياس الدم في المستشفيات، بالإضافة إلى نشر عدد من سيارات الإسعاف في مختلف المناطق لمواجهة الحالات الطارئة خلال الاحتفال بعيد شمّ النسيم.