ما زالت مدينة تعز اليمنية (310 كيلومترات جنوب العاصمة صنعاء) النقطة الأكثر حماوة في الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من عام. نزح معظم سكان المدينة إلى المناطق الريفية ضمن محافظة تعز، هرباً من الحصار المحكم والقصف المتواصل والاشتباكات داخل الأحياء السكنية، ليكون أصعب حصار ونزوح في البلاد، خصوصاً أنّ هذه المحافظة هي الأكثر كثافة سكانياً والأكثر فقراً من بين 22 محافظة.
على الرغم من صعوبة الوضع الإنساني في تعز، إلا أنّ تسع منظمات إغاثية فقط تعمل فيها وبوتيرة بطيئة. وكانت منظمة الهجرة الدولية قد عرضت تقييماً سريعاً لوضع النزوح في المحافظة بعد إجراء فرقها ثلاثة تقييمات خلال الأشهر الماضية. وبيّنت نزوح أكثر من 620 ألف شخص موزّعين في 130 ألف أسرة، إلى مناطق ضمن المحافظة وخارجها. يشكّل هذا الرقم 23 في المائة من مجمل عدد النازحين في اليمن المقدر بـ 2.7 مليون شخص بحسب إحصائات حديثة، أيّ ما يقلّ عن الربع بقليل.
وبسبب صعوبة الوضع هناك، شكلّت منظمة الهجرة الدولية مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فريقاً مشتركاً لتتبع أعداد واتجاهات حركة النزوح التي وُصفت بالنشطة داخل المحافظة. وقد رصد تقرير حديث للفريق أنّ محافظة تعز تستضيف العدد الأكبر من النازحين على مستوى البلاد ينتشرون في 282 موقعاً وتجمعاً، وفي مبان عامة تقع في 110 مواقع. تجاوز عدد الإناث النازحات عدد النازحين الذكور بنسبة قليلة. وبلغ العدد الإجمالي للأطفال النازحين 275 ألفاً.
بحسب تقييمات الفريق المشترك، تشهد سبع مديريات في محافظة تعز، أكبر حركة نزوح. كذلك فإنّ 79 في المائة من النازحين هم من مدينة تعز بالذات. وجاءت حركة النزوح بسبب ثلاثة أحداث أمنية كبيرة، كان آخرها نزوح 150 ألفاً في أبريل/ نيسان الماضي. وقدّرت منظمة الهجرة الدولية تركّز 37 في المائة من نازحي تعز في مديرية الشمايتين جنوب المدينة من بين 24 مديرية تعزية أخرى.
تصف التقييمات أوضاع النازحين بالصعبة جداً مع استمرار الصراع، إذ خرج الناس بملابسهم وأمتعة قليلة بسبب قوة الهجوم وحصوله فجأة وبسبب مصاعب التنقل. لم تسجّل حركات عودة للنازحين إلى مناطقهم الأصلية إلاّ لقسم منهم، تحديداً12 ألفاً و400 شخص في 12 مديرية، غرب المحافظة بعد استعادة القوات الحكومية التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي، السيطرة على مديريتَي ذو باب والمخاء.
في هذا الإطار، يبدي المواطن محمد العزعزي مخاوفه من استمرار المواجهات المسلحة على الرغم من الهدنة التي أعلن عنها في بداية شهر أبريل/ نيسان الماضي. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه في حاجة إلى العودة إلى منزله في المدينة. ويشير إلى أنّ أسرته تضررت بشدة من نزوحها واستقرارها في ريف تعز. يوضح العزعزي أنّ استمرار الحرب يجعله يفكر في بيع منزله أو رهنه مقابل شراء منزل موقت في الريف، لأنّه أصبح عاجزاً عن الاستمرار في العيش في منزل أحد أقربائه لفترة طويلة. يضيف: "تحمّلني قريبي أنا وأفراد أسرتي الستة لأشهر طويلة. استمرار هذا الوضع مستحيل، يجب عليّ أن أجد حلاً ولو كان من خلال بيع منزلي في المدينة بخسارة كبيرة".
من جهته، يحذّر الناشط عبد الإله تقي من أنّ نسبة كبيرة من النازحين ما زالت تواجه خطر النزوح المتعدد والانتقال ثانيةً إلى مناطق أخرى. الوضع الميداني الحالي يشهد اقتراب طرفَي الصراع في المحافظة أخيراً، من مديرية الشمايتين مثلاً التي تحتضن العدد الأكبر من النازحين، بينما بدأت تسقط القذائف الصاروخية الجوية بالقرب من مناطق تواجد النازحين في مديرية التعزية خارج مدينة تعز. يقول: "صار النازحون ومضيفوهم يستقبلون عدداً من صواريخ الكاتيوشا وغيرها، ويتأثرون بالاشتباكات المتقطعة".
وكانت قوات أنصار الله - الحوثيون (وحلفاؤهم) قد سيطرت أخيراً على مديرية موزع، وبدأت اشتباكات قوية في مديرية حيفان المجاورة لها شرقاً، بينما كثّفت قوات المقاومة المحلية انتشار مقاتليها في المديرية نفسها.
يتابع تقي أنّ "أي منظمة لم تقيّم ما تحتاجه المحافظة بسبب الوضع الأمني السيئ فيها. أهمّ احتياجات النازحين في تعز هي المياه إذ هي خدمة منقذة للحياة، علماً أنّ المحافظة هي الأكثر حرماناً من الماء طوال أكثر من عقد". ويتحدّث عن الاحتياجات الأخرى الخاصة بالغذاء والنظافة الشخصية، لا سيّما بعد انتشار كثير من الأمراض، خصوصاً الجلدية، بسبب عدم توفّر المياه.