قبل أيام، دخلنا في العشر الأواخر من شهر رمضان، في وقت ما زالت أجواء الشهر الفضيل في الشارع الباكستاني كما كانت في بدايته. فالباكستانيون حريصون على عاداتهم وتقاليدهم، لا سيما موائد الرحمن وموائد الإفطار الجماعية التي تعدّ من أبرز مظاهر التكافل الاجتماعي في هذه البلاد.
تُقام موائد الإفطار الجماعية برعاية مؤسسات خيرية تحرص على تقديم الطعام المجاني للفقراء وللطلاب في المساكن الجامعية وفي المدارس الدينية المرتبطة بالمساجد (لكلّ مسجد مدرسته تقريباً)، أمّا موائد الرحمن فبرعاية أثرياء البلاد عادة.
يحضر مئات الفقراء والعمال عند الإفطار إلى عشرات موائد الرحمن التي تُقام في العاصمة الباكستانية إسلام أباد. جلّ قاصدي تلك الموائد هم من الوافدين إلى العاصمة لتأمين لقمة العيش لأولادهم وأسرهم. من هؤلاء، برويز خان (35 عاماً) الذي يشتغل طيلة النهار في شركة لتصميم المنازل والمباني في مدينة راولبندي التي تقع على مقربة من العاصمة.
يرجع خان في المساء إلى غرفة استأجرها مع عمّال آخرين من قريته. بعد تبديل ملابسه، يخرج بسرعة إلى منطقة جي تن كي يفطر على مائدة يقيمها أحد أثرياء البلاد. بعد الإفطار وأداء صلاة المغرب، يجلس مع رفاق له في المكان ويتحدثون عما يجري في قراهم، ويتفقدون أحوال بعضهم بعضاً قبل أن يرجعوا إلى الغرف التي تؤويهم. يقول خان لـ "العربي الجديد" إنّ "موائد الرحمن نعمة لنا جميعاً. أنا على سبيل المثال، أكسب 500 روبية باكستانية (4.80 دولارات أميركية) كيومية، ومن الطبيعي ألا أتمكّن من ترتيب إفطار بهذه الطريقة. لذا، أحاول حضور هذه الموائد مهما حصل. الإفطار هنا جيّد، إذ يتضمّن طعاماً جيّداً، بالإضافة إلى الفواكه والعصير والتمر. أنا لا أستطيع تأمين كلّ ذلك". يضيف خان أنّ المال الذي يفترض صرفه على الإفطار، يدّخره لأهله. وهو لا ينفق إلا ما يتطلّبه السحور. خلاله، يتناول "البراته (الخبز الباكستاني مع الزيت) مع كوب من شاي وحليب، وهذه وجبة لا تكلّف الكثير".
من جهته، يعيش هاشم في منزل متواضع في إحدى ضواحي العاصمة الباكستانية إسلام أباد، وله ثلاثة أبناء يصومون جميعاً. يشتغل الرجل في بقالة صغيرة في منطقة تعرف محلياً باسم كتشي أبادي، أيّ منازل من الطين. عقب صلاة العصر، يتوجّه هاشم وأبناؤه إلى منطقة جي اليون مركز حيث تقام مائدة من موائد الرحمن. يساعد الرجل وأولاده الثلاثة القائمين على المائدة قبل الإفطار، وبعده يأخذون ما تبقّى من طعام إلى أهلهم وذويهم.
يقول هاشم لـ "العربي الجديد" إنّه "بفضل الله ثمّ بفضل هذه المائدة، نعيش كراماً في شهر رمضان. نضع الطعام على المائدة، ثمّ نتناول هذا الطعام نفسه من على المائدة نفسها. كذلك نحمل معنا ما تبقى إلى المنزل". وهاشم يخدم الصائمين ويتعاون مع القائمين على المائدة في توزيع الطعام والتنظيف عند الانتهاء من الإفطار منذ بداية الشهر الفضيل وحتى نهايته.
اقــرأ أيضاً
شوكت سميع (25 عاماً) واحد من الشباب الذين يعملون منذ الصباح حتى وقت الإفطار في ترتيب المائدة وتنظيمها. وبعد قضاء النهار في جمع مستلزمات الإفطار، يقف الشاب على الرغم من الإرهاق أمام طابور الصائمين ويخدمهم عندما يحين موعد الإفطار. يُذكر أنّ جلّ من يقصد المائدة، هم من الفقراء والعمّال والموظفين. يقول سميع "مع مرور أيام شهر رمضان أحزن كثيراً. فأنا سوف أحرم مع انقضاء الشهر الكريم من فضل خدمة هذه الشريحة المهمّشة من الفقراء والمعوزين".
ليست هذه المرّة الأولى التي يخدم فيها شوكت الصائمين، إذ يفعل ذلك منذ أعوام عديدة، ويعتزم مواصلة الأمر طيلة حياته. ولا تنحصر مهمة الشاب بخدمة الصائمين، كذلك لا تبدأ مع بداية الشهر الفضيل. فهو وعدد من أقرانه، يجمعون قبل ذلك الأموال من الأثرياء بهدف المساهمة في ترتيب المائدة خلال الشهر المبارك، على الرغم من أنّ تكاليف هذه المائدة بأكثرها تتحملها أسرة بتي التي يتزعّمها عظيم بتي. كذلك، فإنّ المحال التجارية الموجودة في المنطقة نفسها، تساهم في ترتيب المائدة من خلال تقديم الفواكه والحلويات والعصير وغير ذلك. بالتالي، تأتي مائدة الإفطار هذه كأكبر موائد الرحمن في المنطقة.
يقول عظيم بتي إنّ "أسرتنا منذ القدم، تعمد إلى خدمة الصائمين، خصوصاً هؤلاء الذين يتوافدون إلى العاصمة من مدن البلاد المختلفة لتأمين رزقهم. هؤلاء أحقّ من سواهم في الخدمات التي نقدّمها". يضيف لـ "العربي الجديد": "كنّا نفعل ذلك بصورة مختلفة، إلا أنّنا منذ ثلاثة أعوام بدأنا نقيم هذه المائدة تحديداً. ونحن لا نمانع في الوقت نفسه، من مساهمة أيّ كان، في حال رغب في ذلك. وهو ما يفعله عدد كبير من الأثرياء وأصحاب المحال التجارية".
تجدر الإشارة إلى أنّ مائدة الإفطار تقدّم للصائم وجبة ساخنة لا تُصنَع عادة في المنازل، وإنّما يشتريها القائمون على المائدة جاهزة. وتتكوّن الوجبة من السمبوسة وطحين الحمص المقلي مع البطاطا الذي يُعرف محلياً بـ"بكورة"، وكذلك من "جلبي" وهي حلويات مفتولة مقليّة بالزيت. إلى ذلك، تُقدّم الفواكهة بأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى عصير "روح أفزا" الشعبي كبديل عن الماء. غالباً ما تؤلّف هذه التشكيلة أساسيات مائدة الإفطار، إلا أنّه في كثير من الأحيان تختلف مائدة عن أخرى.
اقــرأ أيضاً
تُقام موائد الإفطار الجماعية برعاية مؤسسات خيرية تحرص على تقديم الطعام المجاني للفقراء وللطلاب في المساكن الجامعية وفي المدارس الدينية المرتبطة بالمساجد (لكلّ مسجد مدرسته تقريباً)، أمّا موائد الرحمن فبرعاية أثرياء البلاد عادة.
يحضر مئات الفقراء والعمال عند الإفطار إلى عشرات موائد الرحمن التي تُقام في العاصمة الباكستانية إسلام أباد. جلّ قاصدي تلك الموائد هم من الوافدين إلى العاصمة لتأمين لقمة العيش لأولادهم وأسرهم. من هؤلاء، برويز خان (35 عاماً) الذي يشتغل طيلة النهار في شركة لتصميم المنازل والمباني في مدينة راولبندي التي تقع على مقربة من العاصمة.
يرجع خان في المساء إلى غرفة استأجرها مع عمّال آخرين من قريته. بعد تبديل ملابسه، يخرج بسرعة إلى منطقة جي تن كي يفطر على مائدة يقيمها أحد أثرياء البلاد. بعد الإفطار وأداء صلاة المغرب، يجلس مع رفاق له في المكان ويتحدثون عما يجري في قراهم، ويتفقدون أحوال بعضهم بعضاً قبل أن يرجعوا إلى الغرف التي تؤويهم. يقول خان لـ "العربي الجديد" إنّ "موائد الرحمن نعمة لنا جميعاً. أنا على سبيل المثال، أكسب 500 روبية باكستانية (4.80 دولارات أميركية) كيومية، ومن الطبيعي ألا أتمكّن من ترتيب إفطار بهذه الطريقة. لذا، أحاول حضور هذه الموائد مهما حصل. الإفطار هنا جيّد، إذ يتضمّن طعاماً جيّداً، بالإضافة إلى الفواكه والعصير والتمر. أنا لا أستطيع تأمين كلّ ذلك". يضيف خان أنّ المال الذي يفترض صرفه على الإفطار، يدّخره لأهله. وهو لا ينفق إلا ما يتطلّبه السحور. خلاله، يتناول "البراته (الخبز الباكستاني مع الزيت) مع كوب من شاي وحليب، وهذه وجبة لا تكلّف الكثير".
من جهته، يعيش هاشم في منزل متواضع في إحدى ضواحي العاصمة الباكستانية إسلام أباد، وله ثلاثة أبناء يصومون جميعاً. يشتغل الرجل في بقالة صغيرة في منطقة تعرف محلياً باسم كتشي أبادي، أيّ منازل من الطين. عقب صلاة العصر، يتوجّه هاشم وأبناؤه إلى منطقة جي اليون مركز حيث تقام مائدة من موائد الرحمن. يساعد الرجل وأولاده الثلاثة القائمين على المائدة قبل الإفطار، وبعده يأخذون ما تبقّى من طعام إلى أهلهم وذويهم.
يقول هاشم لـ "العربي الجديد" إنّه "بفضل الله ثمّ بفضل هذه المائدة، نعيش كراماً في شهر رمضان. نضع الطعام على المائدة، ثمّ نتناول هذا الطعام نفسه من على المائدة نفسها. كذلك نحمل معنا ما تبقى إلى المنزل". وهاشم يخدم الصائمين ويتعاون مع القائمين على المائدة في توزيع الطعام والتنظيف عند الانتهاء من الإفطار منذ بداية الشهر الفضيل وحتى نهايته.
شوكت سميع (25 عاماً) واحد من الشباب الذين يعملون منذ الصباح حتى وقت الإفطار في ترتيب المائدة وتنظيمها. وبعد قضاء النهار في جمع مستلزمات الإفطار، يقف الشاب على الرغم من الإرهاق أمام طابور الصائمين ويخدمهم عندما يحين موعد الإفطار. يُذكر أنّ جلّ من يقصد المائدة، هم من الفقراء والعمّال والموظفين. يقول سميع "مع مرور أيام شهر رمضان أحزن كثيراً. فأنا سوف أحرم مع انقضاء الشهر الكريم من فضل خدمة هذه الشريحة المهمّشة من الفقراء والمعوزين".
ليست هذه المرّة الأولى التي يخدم فيها شوكت الصائمين، إذ يفعل ذلك منذ أعوام عديدة، ويعتزم مواصلة الأمر طيلة حياته. ولا تنحصر مهمة الشاب بخدمة الصائمين، كذلك لا تبدأ مع بداية الشهر الفضيل. فهو وعدد من أقرانه، يجمعون قبل ذلك الأموال من الأثرياء بهدف المساهمة في ترتيب المائدة خلال الشهر المبارك، على الرغم من أنّ تكاليف هذه المائدة بأكثرها تتحملها أسرة بتي التي يتزعّمها عظيم بتي. كذلك، فإنّ المحال التجارية الموجودة في المنطقة نفسها، تساهم في ترتيب المائدة من خلال تقديم الفواكه والحلويات والعصير وغير ذلك. بالتالي، تأتي مائدة الإفطار هذه كأكبر موائد الرحمن في المنطقة.
يقول عظيم بتي إنّ "أسرتنا منذ القدم، تعمد إلى خدمة الصائمين، خصوصاً هؤلاء الذين يتوافدون إلى العاصمة من مدن البلاد المختلفة لتأمين رزقهم. هؤلاء أحقّ من سواهم في الخدمات التي نقدّمها". يضيف لـ "العربي الجديد": "كنّا نفعل ذلك بصورة مختلفة، إلا أنّنا منذ ثلاثة أعوام بدأنا نقيم هذه المائدة تحديداً. ونحن لا نمانع في الوقت نفسه، من مساهمة أيّ كان، في حال رغب في ذلك. وهو ما يفعله عدد كبير من الأثرياء وأصحاب المحال التجارية".
تجدر الإشارة إلى أنّ مائدة الإفطار تقدّم للصائم وجبة ساخنة لا تُصنَع عادة في المنازل، وإنّما يشتريها القائمون على المائدة جاهزة. وتتكوّن الوجبة من السمبوسة وطحين الحمص المقلي مع البطاطا الذي يُعرف محلياً بـ"بكورة"، وكذلك من "جلبي" وهي حلويات مفتولة مقليّة بالزيت. إلى ذلك، تُقدّم الفواكهة بأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى عصير "روح أفزا" الشعبي كبديل عن الماء. غالباً ما تؤلّف هذه التشكيلة أساسيات مائدة الإفطار، إلا أنّه في كثير من الأحيان تختلف مائدة عن أخرى.