ملأ كيساً بالخبز والقليل من أوراق الخس. للدقة، فقد اكتفى بمساعدة والدته بذلك، قبل أن يبدأ بالقفز في أرجاء البيت استعداداً للقاء مجموعة من الحيوانات. سيحظى بفرصة التعرّف على هذه المخلوقات الملوّنة عن قرب، والتي تبدو جميعها أليفة في قصصه. اعتاد تقليد أصواتها، ويعرف تلك التي تسير ببطء والتي تركض سريعاً، وأكلات بعضها المفضلة. لكنه نسي جلب الموز معه لإطعام القردة.
ليست المرة الأولى التي يذهب فيها إلى حديقة الحيوانات هذه. لكنها زيارته الأولى منذ بلغ الخامسة من عمره. وربما يكون أكثر قدرة على إسقاط الخبز داخل القفص تماماً، فيفرحُ هو والحيوان المحظوظ أيضاً، والذي يبدو في حالة جوع دائمة. ألا يأكل؟ يسأل الصبي قبل أن يتابع طريقه إلى آخر ينظر إلى وجوه زواره الجدد.
يكتفي الصبي بهذه الحديقة ولا يعرف أنها يجب أن تكون أكبر وتضم حيوانات أكثر. لا يعرف أيضاً أن الدولة اللبنانية لم تهتم يوماً بإنشاء حديقة للحيوانات، ليتأكد أكثر أنه بلد قائم على المبادرات الفردية. وإذا ما طالب أحدهم بضرورة أن يكون هناك حديقة حيوانات، لما لها من مدلول ثقافي مهم، عدا عن كونها أحد عوامل جذب السياح، ستجد بين أفراد الدولة من يزايد عليك ويطالب بحديقة عامة.
حينَ وصل، كانت الحيوانات الأليفة في استقباله. البط والوز والقردة والسلاحف. رأى الأخيرة تمشي ببطء وتصطدم بيوتها ببعضها بعضاً. وهذا حادث بالنسبة إليه. يمنعه صغر سنه من تقييم الحديقة. ولا علاقة للموقف هنا من مبادرة خاصة، بل بمدى تقصير الدولة التي تصر دائماً على خلق حاجز مع الطبيعة.
أما الشاب الذي عاش فترة في ألمانيا، ولطالما تردّد على إحدى حدائق الحيوانات القريبة من منزله، فيشير إلى الفرق. يقول إن الحيوانات لا تعيش في بيئة نظيفة. لم يقصد أن يشير إلى إهمال، بل إلى الفرق الشاسع بين البلدين. فهذه الحديقة في نهاية المطاف مجرد مزرعة تضمّ مجموعة من الحيوانات، لا أكثر.
الأطفال وحدهم لا يكترثون لهذه التفاصيل. هذه تهرب من الشمبانزي الذي لا يتوقف عن الصراخ، وكأنه يريد مشاركة الزوار نزهتهم في المكان. أما شقيقها، فيختار أن يرد عليه بالصراخ. يبدو واثقاً أنه لا يستطيع الخروج من القفص المغلق بإحكام. أكثر ما أحزنه أن الأسد كان نائماً، ولم يتمكن من التعرف جيداً على "ملك الغابة". بدا له أليفاً، وقد حاول إقناع أمه بالأمر، وأراد لمسه. برأيه، هو أكبر من الكلب حجماً، لكنه "يستطيع أن يعيش معنا في البيت".
هذه الكائنات تتيح للأطفال إعادة اكتشافها، والمقارنة بين عالم الصور والحقيقة. في البيت، لا فرق بين تمساح ودجاجة على سبيل المثال. كما أنّ الألعاب قد تغير من أدوارها تماماً. وهذه فرصتهم لتحديد الفرق بين الواقع والخيال.
هذه الحديقة الموجودة في نهر الكلب (شمال بيروت) هي مبادرة فردية. يقول ابن صاحب المشروع جورج الغطاس إنه لا يوجد حديقة حيوانات ضمن القوانين. ولم يستطع الحصول على رخصة لإنشاء مزرعة، التي عادة ما تكون لنوع واحد من الحيوانات، ما اضطرهم في النهاية إلى تسجيل هذه الحديقة كشركة خاصة. ولأنها كذلك، لا يمكنهم تبادل الحيوانات مع الحدائق حول العالم.
من المسؤول عن إنشاء حديقة حيوانات في لبنان؟ هذا السؤال قد يتحوّل إلى شهادة أو تأكيد على أن السائل يعيش في كوكب آخر. على أي حال، لا علم لـ وزارة السياحة بما إذا كان الأمر يقع ضمن مسؤولياتها، وتقترح التأكد من وزارة الزراعة. وهذه الأخيرة تقول أيضاً إن الأمر ليس ضمن تخصصها، لافتة إلى أنه يندرج ضمن مسؤوليات المحافظة. في الوقت نفسه، أبدت الوزارة استغرابها من سؤال كهذا، وأشارت إلى أنه يجدر بالدولة أن تفكر في إنشاء حدائق عامة قبل الحديث عن حدائق حيوانات. أما المعنيون في المحافظة فاختاروا الصمت بسبب "ضيق وقتهم" على الأرجح.
وفي تشريح لتصريحات المسؤولين في الدولة، يبدو أنه ليس هناك أي وعي لأهمية وجود حديقة حيوانات في لبنان. من جهته، يلفت الغطاس إلى أن بعض الناس يرمون الحجارة على الحيوانات، فيما يفضل آخرون زيارتها وتثقيف أولادهم حولها. ويشكو من أن الدولة لا تؤمن اللقاحات للحيوانات. وقد يبدو هذا طبيعياً في بلد لم يفكر مسؤولوه يوماً بمشروع كهذا.
وحدها المدارس تنظم رحلات إلى هناك بين فترة وأخرى. على الأقل، يمكن لأطفالها التعرف على من يشاركونهم هذا الكوكب، ويكتشفون صورهم الحقيقية.
ليست المرة الأولى التي يذهب فيها إلى حديقة الحيوانات هذه. لكنها زيارته الأولى منذ بلغ الخامسة من عمره. وربما يكون أكثر قدرة على إسقاط الخبز داخل القفص تماماً، فيفرحُ هو والحيوان المحظوظ أيضاً، والذي يبدو في حالة جوع دائمة. ألا يأكل؟ يسأل الصبي قبل أن يتابع طريقه إلى آخر ينظر إلى وجوه زواره الجدد.
يكتفي الصبي بهذه الحديقة ولا يعرف أنها يجب أن تكون أكبر وتضم حيوانات أكثر. لا يعرف أيضاً أن الدولة اللبنانية لم تهتم يوماً بإنشاء حديقة للحيوانات، ليتأكد أكثر أنه بلد قائم على المبادرات الفردية. وإذا ما طالب أحدهم بضرورة أن يكون هناك حديقة حيوانات، لما لها من مدلول ثقافي مهم، عدا عن كونها أحد عوامل جذب السياح، ستجد بين أفراد الدولة من يزايد عليك ويطالب بحديقة عامة.
حينَ وصل، كانت الحيوانات الأليفة في استقباله. البط والوز والقردة والسلاحف. رأى الأخيرة تمشي ببطء وتصطدم بيوتها ببعضها بعضاً. وهذا حادث بالنسبة إليه. يمنعه صغر سنه من تقييم الحديقة. ولا علاقة للموقف هنا من مبادرة خاصة، بل بمدى تقصير الدولة التي تصر دائماً على خلق حاجز مع الطبيعة.
أما الشاب الذي عاش فترة في ألمانيا، ولطالما تردّد على إحدى حدائق الحيوانات القريبة من منزله، فيشير إلى الفرق. يقول إن الحيوانات لا تعيش في بيئة نظيفة. لم يقصد أن يشير إلى إهمال، بل إلى الفرق الشاسع بين البلدين. فهذه الحديقة في نهاية المطاف مجرد مزرعة تضمّ مجموعة من الحيوانات، لا أكثر.
الأطفال وحدهم لا يكترثون لهذه التفاصيل. هذه تهرب من الشمبانزي الذي لا يتوقف عن الصراخ، وكأنه يريد مشاركة الزوار نزهتهم في المكان. أما شقيقها، فيختار أن يرد عليه بالصراخ. يبدو واثقاً أنه لا يستطيع الخروج من القفص المغلق بإحكام. أكثر ما أحزنه أن الأسد كان نائماً، ولم يتمكن من التعرف جيداً على "ملك الغابة". بدا له أليفاً، وقد حاول إقناع أمه بالأمر، وأراد لمسه. برأيه، هو أكبر من الكلب حجماً، لكنه "يستطيع أن يعيش معنا في البيت".
هذه الكائنات تتيح للأطفال إعادة اكتشافها، والمقارنة بين عالم الصور والحقيقة. في البيت، لا فرق بين تمساح ودجاجة على سبيل المثال. كما أنّ الألعاب قد تغير من أدوارها تماماً. وهذه فرصتهم لتحديد الفرق بين الواقع والخيال.
هذه الحديقة الموجودة في نهر الكلب (شمال بيروت) هي مبادرة فردية. يقول ابن صاحب المشروع جورج الغطاس إنه لا يوجد حديقة حيوانات ضمن القوانين. ولم يستطع الحصول على رخصة لإنشاء مزرعة، التي عادة ما تكون لنوع واحد من الحيوانات، ما اضطرهم في النهاية إلى تسجيل هذه الحديقة كشركة خاصة. ولأنها كذلك، لا يمكنهم تبادل الحيوانات مع الحدائق حول العالم.
من المسؤول عن إنشاء حديقة حيوانات في لبنان؟ هذا السؤال قد يتحوّل إلى شهادة أو تأكيد على أن السائل يعيش في كوكب آخر. على أي حال، لا علم لـ وزارة السياحة بما إذا كان الأمر يقع ضمن مسؤولياتها، وتقترح التأكد من وزارة الزراعة. وهذه الأخيرة تقول أيضاً إن الأمر ليس ضمن تخصصها، لافتة إلى أنه يندرج ضمن مسؤوليات المحافظة. في الوقت نفسه، أبدت الوزارة استغرابها من سؤال كهذا، وأشارت إلى أنه يجدر بالدولة أن تفكر في إنشاء حدائق عامة قبل الحديث عن حدائق حيوانات. أما المعنيون في المحافظة فاختاروا الصمت بسبب "ضيق وقتهم" على الأرجح.
وفي تشريح لتصريحات المسؤولين في الدولة، يبدو أنه ليس هناك أي وعي لأهمية وجود حديقة حيوانات في لبنان. من جهته، يلفت الغطاس إلى أن بعض الناس يرمون الحجارة على الحيوانات، فيما يفضل آخرون زيارتها وتثقيف أولادهم حولها. ويشكو من أن الدولة لا تؤمن اللقاحات للحيوانات. وقد يبدو هذا طبيعياً في بلد لم يفكر مسؤولوه يوماً بمشروع كهذا.
وحدها المدارس تنظم رحلات إلى هناك بين فترة وأخرى. على الأقل، يمكن لأطفالها التعرف على من يشاركونهم هذا الكوكب، ويكتشفون صورهم الحقيقية.