يقف أبو منعم الشمري حزيناً أمام ما تبقى من شجيراته. فقد اضطر إلى تقسيم بستانه وبيعه بأقل من ثمنه، كما يفعل مزارعون عراقيون كثر ممن يبست بساتينهم أو جرفت أو أحرقت. تفتيت الأراضي الزراعية وبيعها لتحويلها إلى أبنية سكنية يُعدّ ظاهرة غريبة داخل العراق الذي عُرف بأنّه "أرض السواد" ربطاً بالزراعة التي اشتهرت بها البلاد منذ عصور بعيدة.
يقول الفلاح مصطفى عبد الرحيم (63 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنّ البساتين في معظم المحافظات العراقية الزراعية تحوّلت إلى مساكن. يعلل ذلك "بأسباب كثيرة. فأنا أملك أرضاً زراعية مساحتها نحو ألف دونم، قرّرت تغيير استخدامها وتقسيمها وعرضها للبيع على شكل قطع أراض سكنية وليست زراعية، بسبب تراجع الزراعة في العراق يوماً بعد آخر مع الاستيراد وضعف الدعم الحكومي للقطاع". يضيف: "ليس من السهل على أيّ صاحب بستان أن يستغني عن أشجاره ومزروعاته التي يعدّها بمثابة الأبناء، لكنّنا مضطرون إلى ذلك. ففي يوليو/ تموز الماضي جرفت القوات الأمنية خلال العمليات العسكرية ودخول المليشيات إلى ديالى (57 كيلومتراً شرقي بغداد) نصف بستاني، واليوم لم يعد من جدوى لبقائه في ظلّ غياب المحاصيل. لكلّ ذلك، قررت استثمار الأرض وتحويلها إلى قطع أراضٍ سكنية".
من جهته، يقول الخبير الزراعي وسام لطفي لـ"العربي الجديد" إنّ هذه الظاهرة الخطيرة تبدّل في طبيعة المناطق من زراعية إلى سكنية. ويلفت إلى أنّ تقسيم الأراضي الزراعية لبيع قسم منها كقطع أراضٍ سكنية قد وسّع الخلل في الإنتاج الزراعي، وتسبّب في تبديد المناطق الخضراء، وتراكم أنقاض البناء من جرّاء عمليات البناء، وتشويه صورة الزراعة في العراق عموماً، وتغيير طبيعة المناطق من خضراء إلى جرداء".
يكشف لطفي أنّ التدهور الأمني وعدم وجود قوانين تلزم المزارعين من أصحاب الأراضي الزراعية بعدم تحويل نوع الأرض، من أبرز الأسباب التي أدّت الى استفحال هذه الظاهرة. كذلك يشير إلى تخريب بعض البساتين في مناطق الصراع داخل المحافظات التي سقطت عسكرياً وأمنياً، خصوصاً في محافظة ديالى، ويتحدّث عن إمكانية وضع حدّ للظاهرة لو أرادت الحكومة العراقية ذلك.
اقــرأ أيضاً
يقول الفلاح مصطفى عبد الرحيم (63 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنّ البساتين في معظم المحافظات العراقية الزراعية تحوّلت إلى مساكن. يعلل ذلك "بأسباب كثيرة. فأنا أملك أرضاً زراعية مساحتها نحو ألف دونم، قرّرت تغيير استخدامها وتقسيمها وعرضها للبيع على شكل قطع أراض سكنية وليست زراعية، بسبب تراجع الزراعة في العراق يوماً بعد آخر مع الاستيراد وضعف الدعم الحكومي للقطاع". يضيف: "ليس من السهل على أيّ صاحب بستان أن يستغني عن أشجاره ومزروعاته التي يعدّها بمثابة الأبناء، لكنّنا مضطرون إلى ذلك. ففي يوليو/ تموز الماضي جرفت القوات الأمنية خلال العمليات العسكرية ودخول المليشيات إلى ديالى (57 كيلومتراً شرقي بغداد) نصف بستاني، واليوم لم يعد من جدوى لبقائه في ظلّ غياب المحاصيل. لكلّ ذلك، قررت استثمار الأرض وتحويلها إلى قطع أراضٍ سكنية".
من جهته، يقول الخبير الزراعي وسام لطفي لـ"العربي الجديد" إنّ هذه الظاهرة الخطيرة تبدّل في طبيعة المناطق من زراعية إلى سكنية. ويلفت إلى أنّ تقسيم الأراضي الزراعية لبيع قسم منها كقطع أراضٍ سكنية قد وسّع الخلل في الإنتاج الزراعي، وتسبّب في تبديد المناطق الخضراء، وتراكم أنقاض البناء من جرّاء عمليات البناء، وتشويه صورة الزراعة في العراق عموماً، وتغيير طبيعة المناطق من خضراء إلى جرداء".
يكشف لطفي أنّ التدهور الأمني وعدم وجود قوانين تلزم المزارعين من أصحاب الأراضي الزراعية بعدم تحويل نوع الأرض، من أبرز الأسباب التي أدّت الى استفحال هذه الظاهرة. كذلك يشير إلى تخريب بعض البساتين في مناطق الصراع داخل المحافظات التي سقطت عسكرياً وأمنياً، خصوصاً في محافظة ديالى، ويتحدّث عن إمكانية وضع حدّ للظاهرة لو أرادت الحكومة العراقية ذلك.
يتابع لطفي أنّ "تخريب الأراضي الزراعية مستمرّ منذ الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، وقد ارتفعت حدته على يد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والمليشيات الموالية للحكومة العراقية في العامين الأخيرين. ولم تنجح القرارات الصادرة عن الجهات الرسمية، بالترافق مع غياب القوانين، في منع هذه الظاهرة". ويؤكّد أنّ بعض المزارعين لغرض الكسب المادي، يتحايلون على تلك القرارات، فيحرقون بساتينهم، لتسجّل الحادثة ضد مجهول، ما يسهّل عليهم بيعها كأرض جرداء خالية من الزرع.
يرى لطفي أنّ المسألة باتت خطيرة على مستوى الإنتاج الزراعي في البلاد، بالتالي "على الدولة شراء تلك الأراضي من أصحابها لتتمكن من الإشراف عليها وإحيائها من جديد، أو تنتهي مهنة الزراعة في المستقبل القريب لو بقي الحال على ما هو عليه".
بدوره، يشير المهندس الزراعي أحمد حسن لـ"العربي الجديد" إلى نقطة بيئية أساسية وهي أنّ "تجريف الأراضي الزراعية الخضراء يؤثّر سلباً في بيئة العراق عموماً، إذ يعاني العراقيون حالياً من كثرة الغبار والأتربة الملوّثة. فالبساتين العامرة والأشجار المثمرة والمزروعات الأخرى هي التي تلطف البيئة وتحسّن الجو، لكنّ العكس هو ما يحدث في بلادنا". يتابع أنّ "من واجب الحكومات المحلية رفع شكاوى ضد المخالفين إلى السلطات القضائية، لتتخذ إجراءات قانونية تحدّ من بيع الأراضي الزراعية".
عقارياً، يقول صالح نصيف وهو مالك أحد مكاتب بيع العقارات لـ"العربي الجديد"، إنّ أكثر الفلاحين ليس لديهم مردود مادي غير تسويق منتجاتهم الزراعية ولا يملكون سوى الأراضي الزراعية، على الرغم من أنّ تلك الأراضي تعود ملكيتها في الأساس إلى الدولة وهي مؤجّرة إلى الفلاحين، وقد استغل الفلاحون منذ عام 2003 غياب فرض النظام لتفتيت تلك الأراضي. يتابع: "نحن كمكتب لبيع العقارات نلاحظ أنّ إقبال المواطنين على شراء الأراضي الزراعية للسكن قد زاد بنسبة 70 في المائة عمّا كان قبل 10 سنوات. هذه الأراضي مغرية لأنّ سعر الأرض الزراعية يعادل نصف سعر الأرض السكنية".
وكان مجلس الوزراء العراقي قد أصدر أخيراً قراراً يقضي بمنع تجريف البساتين والأراضي الزراعية لتحويلها إلى سكنية أو تغيير وجهة استعمالها إلى أغراض أخرى غير زراعية. كذلك قرّر اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإيقاف تلك الممارسات بصورة كاملة. مع ذلك، فإنّ القرار يلحظ ثلاثة شروط لتحويل تلك الأراضي الزراعية إلى سكنية أو غير ذلك، وهي أن يكون البناء غير مخالف للتصميم الأساسي، وأن تكون القطعة مبنية على شكل مجمع سكني، وأن يكون البناء المشيّد على قطعة الأرض من المواد الثابتة. بذلك، يتمكن المزارعون وأصحاب المكاتب العقارية من التحايل على القرار وفقاً لتلك الشروط وغيرها، ويستمر تبديد الثروة الزراعية في العراق.
اقــرأ أيضاً
يرى لطفي أنّ المسألة باتت خطيرة على مستوى الإنتاج الزراعي في البلاد، بالتالي "على الدولة شراء تلك الأراضي من أصحابها لتتمكن من الإشراف عليها وإحيائها من جديد، أو تنتهي مهنة الزراعة في المستقبل القريب لو بقي الحال على ما هو عليه".
بدوره، يشير المهندس الزراعي أحمد حسن لـ"العربي الجديد" إلى نقطة بيئية أساسية وهي أنّ "تجريف الأراضي الزراعية الخضراء يؤثّر سلباً في بيئة العراق عموماً، إذ يعاني العراقيون حالياً من كثرة الغبار والأتربة الملوّثة. فالبساتين العامرة والأشجار المثمرة والمزروعات الأخرى هي التي تلطف البيئة وتحسّن الجو، لكنّ العكس هو ما يحدث في بلادنا". يتابع أنّ "من واجب الحكومات المحلية رفع شكاوى ضد المخالفين إلى السلطات القضائية، لتتخذ إجراءات قانونية تحدّ من بيع الأراضي الزراعية".
عقارياً، يقول صالح نصيف وهو مالك أحد مكاتب بيع العقارات لـ"العربي الجديد"، إنّ أكثر الفلاحين ليس لديهم مردود مادي غير تسويق منتجاتهم الزراعية ولا يملكون سوى الأراضي الزراعية، على الرغم من أنّ تلك الأراضي تعود ملكيتها في الأساس إلى الدولة وهي مؤجّرة إلى الفلاحين، وقد استغل الفلاحون منذ عام 2003 غياب فرض النظام لتفتيت تلك الأراضي. يتابع: "نحن كمكتب لبيع العقارات نلاحظ أنّ إقبال المواطنين على شراء الأراضي الزراعية للسكن قد زاد بنسبة 70 في المائة عمّا كان قبل 10 سنوات. هذه الأراضي مغرية لأنّ سعر الأرض الزراعية يعادل نصف سعر الأرض السكنية".
وكان مجلس الوزراء العراقي قد أصدر أخيراً قراراً يقضي بمنع تجريف البساتين والأراضي الزراعية لتحويلها إلى سكنية أو تغيير وجهة استعمالها إلى أغراض أخرى غير زراعية. كذلك قرّر اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإيقاف تلك الممارسات بصورة كاملة. مع ذلك، فإنّ القرار يلحظ ثلاثة شروط لتحويل تلك الأراضي الزراعية إلى سكنية أو غير ذلك، وهي أن يكون البناء غير مخالف للتصميم الأساسي، وأن تكون القطعة مبنية على شكل مجمع سكني، وأن يكون البناء المشيّد على قطعة الأرض من المواد الثابتة. بذلك، يتمكن المزارعون وأصحاب المكاتب العقارية من التحايل على القرار وفقاً لتلك الشروط وغيرها، ويستمر تبديد الثروة الزراعية في العراق.