وتحوّل السرساوي من الحالة المرضية التي أصابته وهو في الثالثة من عمره، إلى طفل عبقري، عندما ظهرت عليه علامات الذكاء العالية، متغلبًا على نقمة المرض، ومُحولًا إياه إلى نعمةٍ يفقدها غيره من الأصحاء.
وتروي والدة حاتم لـ"العربي الجديد" بدايات المرض، عندما لاحظت تصرفاته الغريبة، وانطواءه وعُزلته الواضحة، ناهيك عن ضياعه المُستمر عن طريق العودة إلى بيته، قبل أن يتم عرضه على أحد الأطباء، الذي أوضح لهم أنه يعاني من مرض التوحد.
ويُعرّف الأطباء التوحد على أنه اضطراب يظهر عادةً لدى الأطفال قبل سن الثالثة، ويؤثر على نشأتهم وتطورهم، على صعيد اللغة وكيفية التكلم، ويزيد ذلك على المهارات الاجتماعية لهم، والسلوك وأساليب التصرف والتواصل.
وتسرد والدته: "قبل سن الخامسة من عمره، كان حاتم يعاني من الانطواء التام ولا يتواصل مع إخوته، بعدها أصبح يتفاعل شيئًا فشيئًا، وبدأت تظهر عليه علامات التعلّم، والاستيعاب السريع للأمور من حوله".
وانضم حاتم في سن الرابعة، لجمعية الحق في الحياة، والتي تهتم برعاية الأطفال المصابين بمرض التوحد، كواحدة من المراكز القليلة في غزة، التي تقدم الرعاية والتأهيل للأطفال المصابين بالمرض.
وتضيف والدته أنهم لاحظوا كيف تنم المهارات المتعددة التي يتقنها حاتم عن ذكاء عالٍ لدى طفلهم المصاب، تتفوق على أقرانه الطبيعيين، فضلا عن قدرته الكبيرة على الاستيعاب بعد سن الخامسة، وبذلك أصبحوا يُولونه اهتمامًا لتطوير مهاراته المتعددة.
وعلى صعيد المهارات، فإن حاتم يستطيع برمجة التلفاز، والتعامل مع الشبكة العنكبوتية، ووسيلة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وإتقان اللغة العربية وحفظ آيات من القرآن الكريم، إضافة إلى إصلاح بعض الأعطال في حاسوبه المحمول.
وتتذكر الوالدة كيف استطاع حاتم في إحدى المرات، برمجة قنوات التلفاز، حسب أولويته لمشاهدة قنوات الأطفال أولًا، من دون اهتمامه برغبة والده في وضع القنوات الرياضية والإخبارية في مقدمة القائمة التلفزيونية، الأمر الذي أثار استغرابهم.
وتتابع لـ"العربي الجديد": "حاتم يتعامل مع صفحة خاصة له عبر "فيسبوك"، ويتواصل مع أصدقائه عبر موقع التواصل الاجتماعي، ويتحدث معهم وحده، مستعملًا الحروف العربية بشكل صحيح بدون أخطاء".
وتأمل أُمّه في وصول ابنها إلى درجة أعلى من الاستيعاب، تُمكنه من الالتحاق بالمدارس الرسمية، والفصول التعليمية، فضلًا عن رغبتها في رُؤيته "مؤذناً" لأحد المساجد، مشيرةً إلى صوته الجميل في قراءة الأذان.
ويغيب دور المؤسسات الحكومية والأهلية في قطاع غزة، عن تقديم الرعاية الكافية لمرضى التوحد، وعدم توفر إحصائية عن عدد المُصابين بالمرض في غزة، باستثناء ما ترعاهم بعض الجمعيات الخيرية القليلة عبر إمكانيات متواضعة.
من جانب آخر، أوضحت المُشرفة على تدريب حاتم في الجمعية، ريم أبو ستة، أن حاتم يختلف عن غيره من الأطفال داخل الجمعية، ويمتلك مستوى عاليا من الذكاء يُمكنه من التغلب على مرضه الذي لازمه منذ سن الثالثة.
وتشير أبو ستة لـ"العربي الجديد" إلى مهارات التواصل الجيدة لدى حاتم مع غيره من الأطفال من سنه داخل الجمعية، بالإضافة لشجاعته الكبيرة وعدم الاستسلام لأعراض العُزلة والانطواء التي يسببها مرض التوحد لغيره من حاملي المرض من الأطفال.
وتقول المُشرفة: "نركز هنا في الجمعية على تطوير مهارات الأطفال السلوكية والتعليمية والكتابة والقراءة، عبر شاشات ذكية، والمهارات الحركية الصغرى المتعلقة بحركات اليد، لتطوير قدرات الأطفال على الكتابة والتعامل بأطراف اليد".