تواجه وزارة الصحة السعودية أزمة نقص في عدد الأطباء السعوديين، بالمقارنة مع عدد إجمالي الأطباء العاملين في البلاد، الأمر الذي يؤدّي إلى نقص حاد وخلل في ميزان القطاع الصحي في البلاد. وفيما تُقدّر نسبة الأطباء العاملين في السعودية من مختلف الجنسيات بـ 26 طبيباً لكلّ عشرة آلاف نسمة، لا تتجاوز نسبة الأطباء السعوديين ستة أطباء لكلّ عشرة آلاف نسمة، وهو أمر يقلّ كثيراً عن المعيار الدولي المقدّر بـ 32 طبيباً لكلّ عشرة آلاف نسمة.
يعمل في المستشفيات الحكومية 82 ألف طبيب، 19 ألفاً منهم سعوديون أي أنّ نسبتهم لا تتجاوز 23.5 في المائة. كذلك يعمل فيها 165 ألف ممرّض، 61 ألفاً منهم سعودي، فيما يعمل خمسة آلاف صيدلي سعودي من بين 22 ألف صيدلي، و69 ألف فني صحي سعودي من بين 95 ألفاً.
أمّا في القطاع الخاص، فيبدو الوضع أشدّ سوءاً. من أصل 28 ألفاً و800 طبيب، نجد فقط 700 طبيب سعودي، علماً أنّ عدداً كبيراً منهم يعمل أيضاً في المستشفيات الحكومية. ومن أصل 41 ألفاً و800 ممرّض، يعمل فقط 2200 سعودي. كذلك، يعمل في هذه المستشفيات 17 ألفاً و300 صيدلي، 600 منهم فقط سعوديون. ومن بين الفئات الطبية المساعدة البالغ عدد أفرادها 18 ألفاً و500 شخص، 4700 منهم فقط سعوديون.
تجدر الإشارة إلى أنّ السعودية تحتاج إلى نحو 25 عاماً لتخريج 17 ألف طبيب سعودي جديد، يتابعون دراستهم حالياً في 23 كلية طب في أنحاء البلاد، حتى تغطي حاجتها من دون احتساب نموّ الطلب المتزايد في عدد السكان. لكنّ القرارات الأخيرة لـ وزارة الصحة لا تتوافق مع هذا المخطط، وترفض تعيين الأطباء الجدد. فهي أصدرت قراراً بإيقاف برنامج عقد طبيب مقيم (الزمالة الطبية)، الأمر الذي يهدّد مستقبل أكثر من 1400 طبيب.
في هذا الإطار، يكشف الخرّيج أحمد البراك وهو من المتضررين، عن رفض الوزارة اعتماد تدريبه وزملائه، على الرغم من صدور موافقة رسمية بذلك قبل أسابيع. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّه "بعد تخرّجي من كلية الطب، اجتزتُ وزملائي اختبارات الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. وكان نحو 1400 طبيب قد تقدّموا إلى الهيئة للدخول في تصفيات الترشيح، لم يُقبل منهم إلا 800 طبيب. وعندما قصدنا وزارة الصحة لتوقيع عقود التدريب، فوجئنا بإلغاء الوزارة عقد الأطباء المتدرب، فيما حاولت إرغامنا على التخلي عن البرامج التدريبية وطالبتنا بالعمل كأطباء عامين لمدّة سنة كاملة، نعود بعدها للتسجيل مرّة أخرى في هيئة التخصصات وندخل مرة جديدة الامتحانات والتصفيات. وهذا أمر صعب". يضيف البراك أنّ "هيئة التخصصات تطالبنا حالياً بمبلغ 25 ألف ريال سعودي (نحو 6700 دولار أميركي) كبدل التدريب السنوي الذي من المفترض أن تدفعه وزارة الصحة. وفي حال لم نسدّده، سوف تسحب منا إشعارات القبول، فنضطر بذلك إلى البحث عن فرص أخرى، على ندرة الفرص، في قطاعات أخرى أو في دول الجوار". ويشير إلى أنّ "الهجرة لطلب الرزق أمر يلوح في الأفق بالنسبة إلى كثيرين منّا".
اقــرأ أيضاً
في المقابل، وفي حين ترفض الوزارة تدريب الأطباء السعوديين وتعيينهم، توقّع عقوداً مع أطباء من الخارج. على سبيل المثال، نشر المجلس القومي السوداني للتخصصات الصحية الشهر الماضي، خبراً مفاده توقيع اتفاقية للتعاون الصحي بين السعودية والسودان تتضمّن "فرص تدريب وعمل للأطباء السودانيين المتدربين في المجلس القومي السوداني للتخصصات في مستشفيات المملكة وتحت إشراف سعودي". ويبرّر مسؤولون في الوزارة انخفاض عدد الأطباء السعوديين، بقلة عدد خريجي كليات الطب من الجامعات الحكومية والأهلية، بالإضافة إلى النموّ الكبير في الطلب على الخدمات الصحية الحكومية التي تحتاج إلى أعداد كبيرة من الكوادر الطبية. ويؤكد مسؤول في الوزارة، فضّل عدم الكشف عن هويته، على أنّ المشكلة تكمن "في خلل آليات القبول في كليات الطب، التي تتسبب في خفض عدد المقبولين، وفي عدم تجانس الاحتياجات الفعلية للقطاع الصحي مع الكوادر الطبية السعودية".
يكشف الخبير في المجال الصحي السعودي ومؤلف كتاب "المشهد الصحي"، الدكتور محمد النصار، أنّ عدد الطلاب الأطباء السعوديين الذين يتخرّجون سنوياً، لا يتجاوز ألفَي طبيب في كلّ التخصصات، بما في ذلك الذين يُبتعثون إلى الخارج. يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ إجمالي عدد الذين يتابعون دراستهم في الكليات الطبية والصحية في السعودية، لا يتجاوز 23 ألفاً في كل الأقسام والتخصصات بما فيها التمريض. ويوضح: "نحتاج لكي نصل بالأطباء السعوديين إلى المعدّل العالمي، إلى أكثر من 25 عاماً. لذلك يُغطّى ذلك باستقدام أطباء من الخارج، إذ هذه هي الطريقة الأسهل لحلول مواجهة نموّ الطلب". ويتابع: "لكنّ الغريب هو أنّ الوزارة ركنت إلى هذا الحلّ السهل، ولا تحاول وضع خطط قادرة على علاج المشكلة جذرياً. وهي تهمل تدريب الأطباء السعوديين كما يجب. الطب ليس مثل المهن الأخرى، لا يمكن أن يُمارس فور التخرّج. لا بدّ من تدريب ومزاملة لثلاث سنوات على الأقلّ، قبل أن يصبح الطبيب قادراً على علاج المرضى".
ولعلّ الوضع الأكثر تعقيداً، هو الحديث عن أطباء الأسنان. ويوضح النصار أنّ في السعودية، ثمّة 2100 طبيب أسنان عامل فقط، فيما يدرس ستة آلاف طالب هذا الاختصاص في 16 كلية موزّعة على مختلف مناطق السعودية. وتعدّ نسبة أطباء الأسنان وكذلك الصيادلة السعوديين، متواضعة ولا تتحاوز 30 في المائة من المتخصصين في كل مجال. يضيف أنّ "الأرقام الرسمية تثبت هذا الواقع، لذا نحن في حاجة إلى إعادة النظر بآليات القبول في الجامعات ورفعها إلى أضعاف الأرقام الحالية، عبر خطة تضمن تغطية الاحتياجات خلال مدة لا تزيد على عشر سنوات. فالنهج الحالي للقبول في الكليات الطبية بالغ التعقيد، ولا يواكب خطط التنمية والتحوّل الوطني". ويشدّد النصار على أنّ "التخطيط لا بدّ من أن يكون مبنياً على معرفة الاحتياج بالتفصيل. ففي بعض التخصصات مثل العناية الفائقة، لا يعمل إلا ستة في المائة من السعوديين فقط".
اقــرأ أيضاً
يعمل في المستشفيات الحكومية 82 ألف طبيب، 19 ألفاً منهم سعوديون أي أنّ نسبتهم لا تتجاوز 23.5 في المائة. كذلك يعمل فيها 165 ألف ممرّض، 61 ألفاً منهم سعودي، فيما يعمل خمسة آلاف صيدلي سعودي من بين 22 ألف صيدلي، و69 ألف فني صحي سعودي من بين 95 ألفاً.
أمّا في القطاع الخاص، فيبدو الوضع أشدّ سوءاً. من أصل 28 ألفاً و800 طبيب، نجد فقط 700 طبيب سعودي، علماً أنّ عدداً كبيراً منهم يعمل أيضاً في المستشفيات الحكومية. ومن أصل 41 ألفاً و800 ممرّض، يعمل فقط 2200 سعودي. كذلك، يعمل في هذه المستشفيات 17 ألفاً و300 صيدلي، 600 منهم فقط سعوديون. ومن بين الفئات الطبية المساعدة البالغ عدد أفرادها 18 ألفاً و500 شخص، 4700 منهم فقط سعوديون.
تجدر الإشارة إلى أنّ السعودية تحتاج إلى نحو 25 عاماً لتخريج 17 ألف طبيب سعودي جديد، يتابعون دراستهم حالياً في 23 كلية طب في أنحاء البلاد، حتى تغطي حاجتها من دون احتساب نموّ الطلب المتزايد في عدد السكان. لكنّ القرارات الأخيرة لـ وزارة الصحة لا تتوافق مع هذا المخطط، وترفض تعيين الأطباء الجدد. فهي أصدرت قراراً بإيقاف برنامج عقد طبيب مقيم (الزمالة الطبية)، الأمر الذي يهدّد مستقبل أكثر من 1400 طبيب.
في هذا الإطار، يكشف الخرّيج أحمد البراك وهو من المتضررين، عن رفض الوزارة اعتماد تدريبه وزملائه، على الرغم من صدور موافقة رسمية بذلك قبل أسابيع. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّه "بعد تخرّجي من كلية الطب، اجتزتُ وزملائي اختبارات الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. وكان نحو 1400 طبيب قد تقدّموا إلى الهيئة للدخول في تصفيات الترشيح، لم يُقبل منهم إلا 800 طبيب. وعندما قصدنا وزارة الصحة لتوقيع عقود التدريب، فوجئنا بإلغاء الوزارة عقد الأطباء المتدرب، فيما حاولت إرغامنا على التخلي عن البرامج التدريبية وطالبتنا بالعمل كأطباء عامين لمدّة سنة كاملة، نعود بعدها للتسجيل مرّة أخرى في هيئة التخصصات وندخل مرة جديدة الامتحانات والتصفيات. وهذا أمر صعب". يضيف البراك أنّ "هيئة التخصصات تطالبنا حالياً بمبلغ 25 ألف ريال سعودي (نحو 6700 دولار أميركي) كبدل التدريب السنوي الذي من المفترض أن تدفعه وزارة الصحة. وفي حال لم نسدّده، سوف تسحب منا إشعارات القبول، فنضطر بذلك إلى البحث عن فرص أخرى، على ندرة الفرص، في قطاعات أخرى أو في دول الجوار". ويشير إلى أنّ "الهجرة لطلب الرزق أمر يلوح في الأفق بالنسبة إلى كثيرين منّا".
في المقابل، وفي حين ترفض الوزارة تدريب الأطباء السعوديين وتعيينهم، توقّع عقوداً مع أطباء من الخارج. على سبيل المثال، نشر المجلس القومي السوداني للتخصصات الصحية الشهر الماضي، خبراً مفاده توقيع اتفاقية للتعاون الصحي بين السعودية والسودان تتضمّن "فرص تدريب وعمل للأطباء السودانيين المتدربين في المجلس القومي السوداني للتخصصات في مستشفيات المملكة وتحت إشراف سعودي". ويبرّر مسؤولون في الوزارة انخفاض عدد الأطباء السعوديين، بقلة عدد خريجي كليات الطب من الجامعات الحكومية والأهلية، بالإضافة إلى النموّ الكبير في الطلب على الخدمات الصحية الحكومية التي تحتاج إلى أعداد كبيرة من الكوادر الطبية. ويؤكد مسؤول في الوزارة، فضّل عدم الكشف عن هويته، على أنّ المشكلة تكمن "في خلل آليات القبول في كليات الطب، التي تتسبب في خفض عدد المقبولين، وفي عدم تجانس الاحتياجات الفعلية للقطاع الصحي مع الكوادر الطبية السعودية".
يكشف الخبير في المجال الصحي السعودي ومؤلف كتاب "المشهد الصحي"، الدكتور محمد النصار، أنّ عدد الطلاب الأطباء السعوديين الذين يتخرّجون سنوياً، لا يتجاوز ألفَي طبيب في كلّ التخصصات، بما في ذلك الذين يُبتعثون إلى الخارج. يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ إجمالي عدد الذين يتابعون دراستهم في الكليات الطبية والصحية في السعودية، لا يتجاوز 23 ألفاً في كل الأقسام والتخصصات بما فيها التمريض. ويوضح: "نحتاج لكي نصل بالأطباء السعوديين إلى المعدّل العالمي، إلى أكثر من 25 عاماً. لذلك يُغطّى ذلك باستقدام أطباء من الخارج، إذ هذه هي الطريقة الأسهل لحلول مواجهة نموّ الطلب". ويتابع: "لكنّ الغريب هو أنّ الوزارة ركنت إلى هذا الحلّ السهل، ولا تحاول وضع خطط قادرة على علاج المشكلة جذرياً. وهي تهمل تدريب الأطباء السعوديين كما يجب. الطب ليس مثل المهن الأخرى، لا يمكن أن يُمارس فور التخرّج. لا بدّ من تدريب ومزاملة لثلاث سنوات على الأقلّ، قبل أن يصبح الطبيب قادراً على علاج المرضى".
ولعلّ الوضع الأكثر تعقيداً، هو الحديث عن أطباء الأسنان. ويوضح النصار أنّ في السعودية، ثمّة 2100 طبيب أسنان عامل فقط، فيما يدرس ستة آلاف طالب هذا الاختصاص في 16 كلية موزّعة على مختلف مناطق السعودية. وتعدّ نسبة أطباء الأسنان وكذلك الصيادلة السعوديين، متواضعة ولا تتحاوز 30 في المائة من المتخصصين في كل مجال. يضيف أنّ "الأرقام الرسمية تثبت هذا الواقع، لذا نحن في حاجة إلى إعادة النظر بآليات القبول في الجامعات ورفعها إلى أضعاف الأرقام الحالية، عبر خطة تضمن تغطية الاحتياجات خلال مدة لا تزيد على عشر سنوات. فالنهج الحالي للقبول في الكليات الطبية بالغ التعقيد، ولا يواكب خطط التنمية والتحوّل الوطني". ويشدّد النصار على أنّ "التخطيط لا بدّ من أن يكون مبنياً على معرفة الاحتياج بالتفصيل. ففي بعض التخصصات مثل العناية الفائقة، لا يعمل إلا ستة في المائة من السعوديين فقط".