لم تنجح كل الحكومات الماضية في توفير قاعدة سليمة ودائمة للمفاوضات بين منظمة رجال الأعمال (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) ونقابة العمال (الاتحاد العام التونسي للشغل).
ورغم اجتماع المنظمتين معا على طاولة الحوار الوطني، الذي قاد إلى كتابة الدستور والانتخابات الماضية، فإن العلاقة بينهما تحولت إلى صراع مفتوح، وصل إلى حدّ التراشق بالتهم، والتهديد بإضرابات عامة ومفتوحة، ما أربك المشهدين الاجتماعي والسياسي في تونس.
وسيكون على رئيس الحكومة المكلف، يوسف الشاهد، أن ينكب سريعاً على هذا الملف الحارق، خصوصا أنّ الرغبة الحقيقية وراء فكرة حكومة الوحدة، هي التوصل إلى هدنة اجتماعية مطولة، تمكن من استعادة نسق الإنتاج والخروج من منطقة الركود الاقتصادي الذي يهدد بشكل آني ميزانية الدولة، والاستقرار السياسي الهش.
وما يدعو إلى الإسراع بحلّ هذا الإشكال، عودة الصراع مؤخراً بين المنظمتين، فقد أصدر اتحاد الشغل بياناً حمّل فيه منظمة رجال الأعمال والحكومة مسؤولية تعطل المفاوضات الاجتماعية وعدم احترام اتفاق يناير/ كانون الثاني 2016.
وجدّد الاتحاد تمسكه بالحق في مفاوضات اجتماعية عادلة ومنصفة وفق ما نصّ عليه الاتفاق، مُعلنا عن بقاء مجمع القطاع الخاص في حالة انعقاد دائم لمتابعة هذه الأوضاع واتخاذ الخطوات النضالية اللازمة في صورة عدم تفعيل الاتفاقيات المشار إليها سابقا، ودفاعا عن حق إجراء القطاع الخاص في المفاوضات الاجتماعية العادلة والمنصفة، منددا بما وصفه بتلكؤ المنظمة وعدم تعبير ممثليها عن نية واضحة في تطبيق الاتفاق.
وردّاً على هذه الاتهامات، قال مسؤولو منظمة رجال الأعمال في تصريحات مختلفة، إنّ تحميل اتحاد الشغل مسؤولية تعطّل المفاوضات لمنظمتهم يندرج ضمن "تكتيك استراتيجي" يسبق مؤتمر الاتحاد القادم، ومجرد مزايدات الهدف منها حشد العمّال للمؤتمر.
ونفى المسؤولون تهمة تعطيل مفاوضات الزيادة في أجور القطاع الخاص، مؤكدين قبولهم بمبدأ الزيادة، ولكن المنظمة تفضل انتظار استقرار الحكومة القادمة.
ويبدو أن هذه المواقف المتباينة تنذر بإيقاع ساخن يرافق تشكيل الحكومة الجديدة، ما سيؤثر بالضرورة على تفاصيلها، وخصوصا على اختيار وزير أو وزيرة الشؤون الاجتماعية الجديدة المعنية بإدارة المفاوضات (حيث تلمح بعض التسريبات إلى أن هناك احتمالا لتعيين وزيرة في هذه الحقيبة) مع أن هذا مستبعد في الوقت الراهن، إذ يفضّل العمال عودة الوزير السابق عمار اليونباعي، دون الإعلان عن ذلك صراحة، بينما تتقدم ترشيحات مختلفة لهذه المناصب من أحزاب مختلفة.
وسيكون موقف الاتحاد من الحكومة مرتبطا بشكل تدخلها في هذا الصراع، وبتركيبة الحكومة في بعض الحقائب التي تهم الاتحاد بشكل أساسي.