يواجه النازحون العائدون إلى مدنهم المحررة في عدد من مناطق وسط وغرب العراق حياة بدائية، بسبب الدمار الكبير الذي لحق البنيةَ التحتية ومنظومات الماء والكهرباء والمدارس ودوائر ومؤسسات الدولة والأحياء السكنية نتيجة العمليات العسكرية.
ومع الحملات الإعلامية التي تطلقها السلطات الحكومية لحثّ النازحين على العودة إلى مناطقهم التي استعادتها القوات العراقية، يتخوف النازحون من العودة حتى لا يواجهوا مصير من سبقهم في تكريت والرمادي ممن عادوا وصدموا بشحّ الخدمات وقلة المواد الغذائية وترهل الأمن وتوقف الأعمال.
ويقول ناشطون، إنّ المدن المحررة مازالت بحاجة لكثير من العمل لإعادة بنائها وتأهيلها وخاصة الأحياء السكنية المدمرة.
ويوضح الناشط المدني، فيصل الجبوري، أن" مدينتي تكريت والرمادي عاد إليها نحو نصف أهلها النازحين، فيها رفض الآخرون العودة بسبب الدمار الكبير الذي لحق منازلهم وعدم وجود بدائل للسكن وسيطرة المليشيات المسلحة والعشائرية على تلك المدن".
ويرى أن" هناك محاولة لإعادة النازحين إلى تلك المناطق على الرغم من عدم إكمال الاستعدادات اللازمة لذلك تمهيداً لاستخدامهم كورقة انتخابية رابحة في الانتخابات المقبلة لعام 2017، ما جعل أغلب النازحين يترددون في العودة، فيما هاجر قسم كبير منهم البلاد".
وتعد تكريت مركز محافظة صلاح الدين (187 كلم شمال العاصمة بغداد) إحدى المدن الرئيسية التي استعادتها القوات العراقية، منذ عام ونصف العام، عاد إليها ما يقرب من 55 في المائة من النازحين، فيما هاجر قسم آخر منهم البلاد ورفض الباقون العودة.
ونزح حمد التكريتي (41 عاماً) بأسرته من تكريت بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على المدينة في يونيو/ حزيران 2014، وتوجه نحو إقليم كردستان شمال البلاد.
ورفض العودة إلى تكريت بعد عودة النازحين إليها، وهاجر إلى تركيا مبيناً أن "المليشيات تسيطر على المدينة وتخطف وتعتقل من تشاء، فضلاً عن أن منزلي مدمر وليس لي بديل سكن آخر فلماذا أعود؟".
لكن الهاجس الأمني، هو الأول بالنسبة لحمد، مضيفاً أن" سيطرة المليشيات على تكريت وبلداتها وقراها وتعاملها السيئ مع الأهالي بين قتل واختطاف وتعذيب وإذلال، فضلاً عن نفوذ العشائر التي تحولت كذلك إلى مليشيات مسلحة هي الأخرى تجعل المدينة لا تطاق".
لا يختلف الأمر عن مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار(110 كلم غرب العاصمة بغداد) والتي استعادتها القوات العراقية قبل نحو تسعة أشهر، وعلى الرغم من الحملات الإعلامية لمسؤولي المدينة لتشجيع الأهالي على العودة لم يعد إليها أكثر من 45 في المائة من النازحين.
ويقول أهالي الرمادي العائدون، إنّ المدينة مدمرة بشكل شبه كامل والخدمات شحيحة من ماء وكهرباء واتصالات، ومازالت العبوات الناسفة والألغام تفتك بالأهالي بين الحين والآخر، ما لا يشجع النازحين على العودة.
كما يقول مازن الدليمي (39 عاماً) من أهالي الرمادي، لافتاً إلى أن" عدة أسباب تمنع كثيراً من النازحين من العودة، أولها سيطرة المليشيات على الطرق الرئيسية في المحافظة، وتحول صحوات العشائر إلى مليشيات مسلحة داخلها، فضلاً عن الدمار الكبير الذي يلف المدينة من كل جانب والعبوات الناسفة والألغام التي مازالت تفتك بالمدنيين وعناصر الأمن".
ويشير إلى أن" الخدمات هي الأخرى تراوح مكانها، فالكهرباء الوطنية غير متوفرة والأهالي يعتمدون على المولدات المنزلية والأهلية، والماء شحيح والأعمال متوقفة بشكل شبه كامل في المدينة والقلق لا يزال موجوداً بسبب استمرار سيطرة تنظيم "داعش" على جزيرة الرمادي شمال المدينة".
ومع إعلان ساعة الصفر لعودة أهالي الفلوجة إليها بعد استعادتها من القوات العراقية قبل نحو ثلاثة أشهر، لم يكن عدد الأسر العائدة إلى المدينة كما يطمح المسؤولون، فلم يتجاوز عدد الأسر التي دخلت الفلوجة يوم أمس 40 أسرة.
الناشط الميداني، عامر المحمدي، أوضح لـ"العربي الجديد" أسباب امتناع النازحين من العودة إلى المدينة مبيناً أن "التجارب التي سبقت في تكريت والرمادي أخافت نازحي الفلوجة من تكرار نفس السيناريو، فضلاً عمّا حصل لنازحي بلدة الكرمة (17 كلم شرق الفلوجة) حين عادوا فوجدوا البلدة خالية من كل ما يمت للحياة بصلة، وحينما حاولوا النزوح من جديد منعتهم المليشيات المسلحة".